الأهداف الخاصة لنظام الأسرة بالنسبة للمجتمع
تستهدف الأسرة بالنسبة للمجتمع المسلم أن يكون هذا المجتمع المسلم ملتزما بأدب الإسلام ونظامه، يتحاكم إلى شرع الله في كل أمره، وتسود فيه المنهجية الإسلامية في كل عمل يناسب المجتمع .
والأسرة في جماعة الإخوان لبنة حية في بناء المجتمع، كما أن البيت لبنة في بنائه كذلك، وإذا كنا قد أوضحنا فيها ما تستهدفه الأسر بالنسبة للفرد الذى يعد لبنة أولى في الأسرة الإخوانية، وفى البيت المسلم، كما أوضحنا ما تستهدفه الأسرة الإخوانية بالنسبة للبيت المسلم، وعرفنا من خلال هذا وذاك أن البناء واحد، وأن الفرد والبيت جزء من كيان المجتمع، كان من تمام الدراسة التاريخية التحليلية التى نقوم بها أن نتعرف على ما تستهدفه الأسرة الإخوانية في المجتمع المسلم كله .
فالأسرة وسيلة من وسائل التربية عند جماعة الإخوان المسلمين، وسيلة يمتد أثرها للفرد والبيت والمجتمع كله، فلو تجاهلت الأسرة أهدافها بالنسبة للمجتمع كله لكانت ذات منهج ناقص وذات غاية قاصرة، وقد سبق أن أوضحنا أن الأسرة فى تاريخ الجماعة أهم ماعنيت به الجماعة، وبخاصة في مجال العمل والتطبيق. والأصل الأصيل في الأسرة الإخوانية أن تمد المجتمع بالعناصر الصالحة من الناس، رجالا ونساء وشبابا وشابات وفتيانا وفتيات كل منهم يقوم بعمله في هذا المجتمع على الوجه الذى يرضي الله ـ عز وجل ، ويطور المجتمع، ويرتفع بمستوى الأداء فيه في كل مجال من مجالات العمل . . . هذا هو الأصل .
وكلما زاد عدد من يمد بهم المجتمع من العناصر البشرية الصالحة فشاركوا في العمل الموكول إليهم بكفاءة وإخلاص ومراقبة لله سبحانه، كلما كان ذلك أدعى إلى أن يخطو المجتمع نحو التحضر والرقيّ في أخلاقه، وآدابه، وسياسته، واقتصاده، ومؤسساته، وأجهزته، وكل فروع العمران والتحضر فيه، وهذا بدوره يقرب المسافة بين العاملين للإسلام، وبين تكوين الأمة الإسلامية التى تشكل منها الحكومة الإسلامية التي تأخذ على عاتقها وتجعل من أهم واجباتها الحكم بما أنزل الله .
ومن هنا ندرك أن من خطة الجماعة أن تصل إلى هذا الهدف ، وهو الحكم بما أنزل الله بهذا الأسلوب التربوي الهادىء الهادف ، دون اللجوء إلى وسائل الثورة والانقلاب والدمويات التى لاتؤدي إلى خير، ولا توصل بدقة وتصويب واستمرارية وهدوء إلى هدف كبير ضخم كهذا الهدف .
على أن عمل الجماعة لا يتوقف عند بلوغها هذا الهدف، وهو الحكم بما أنزل الله، وإنما وراء ذلك ومواز له، العمل على الوصول إلى أستاذية العالم كله بهيمنة كتاب الله سبحانه وسنة رسوله الخاتم على النظم والمذاهب كافة، لنقل الناس، كل الناس، من الضلال إلى الهدى، ومن الباطل إلى الحق ومن جور الحكام إلى عدل الإسلام .
ومن أجل الوصول إلى هذه الأهداف الضخام فإن نظام الأسر يستهدف من المجتمع أن يحقق هذه الأهداف ويتخد إلى ذلك طريقا هو متمثل فيما يلي :
أ - دفع من تربوا تربية إسلامية صحيحة داخل هذه الأسر إلى قطاعات المجتمع المختلفة؛ ليسدوا الثغرات في المجالات التالية :
1ـ المدارس والمعاهد والجامعات.
2 - المصانع والمتاجر والمزارع .
3 - المؤسسات والأجهزة الحكومية بل غير الحكومية؛ لأن جودة الأداء والإخلاص في العمل من أهم الواجبات على المسلم، نحو المجتمع كله بقطاعيه الحكومي والخاص؛ فكلها ثروة المجتمع .
وسوف يكون هؤلاء أمثلة للإخلاص في العمل، والتفاني فيه ، وإيثار الحق والعدل، بل الغيرة على المصالح العامة للمجتمع كله .
ب - التعرف على السلبيات وأسباب الفشل والخسارة في كل قطاع من قطاعات المجتمع، من خلال هؤلاء الذين دفعت بهم الأسر إلى خوض غمار الحياة العملية المصطبغة بصبغة الإسلام .
وهذا التعرف يستوجب على هؤلاء الرجال الصالحين أمورا أهمها ما يلي :
1 - دراسة ظواهر السلبية في كل قطاع .
2 - التعرف بدقة على أسباب الفشل والعجز وضعف الأداء والخسارة المادية، ورصد ذلك بدقة وموضوعية .
3 - القيام بإعداد تصورات من واقع التجربة الميدانية التى خاضوها للقضاء على هذه الظواهر، وتوجيه العمل والعاملين نحو ما يصلحهم، ويصلح بهم مجتمعهم .
4 - القيام بكل هذا في هدوء المسلم، والتزامه، واتزانه، ونشدانه الحق والصواب والمصلحة العامة، في كل رصد أو تسجيل لظاهرة سلبية، وفي تصور أو اقتراح بحل لأي مشكلة عن المشكلات .
جـ - المشاركة الإيجابية في كل أوجه النشاط التي يمارسها المجتمع الذى يعيشون فيه على شريطة أن تكون هذه الممارسة مايرضي الله، أو مالا يسخطه، وأن تكون محققة لمصلحة عامة للناس ، ومما لايتعارض في قليل ولا كثير مع شيء مما جاء به الإسلام .
مع الاستمرار في رصد المعوقات والسلبيات والمخالفات للإسلام وشريعته بهدوء وموضوعية؛ لوضع البديل الملائم ما أمكن ذلك .
وشرط ذلك كله أن يكون الفرد الذى تربى فى أسرة إخوانية مثالا وأنموذجا للإسلام الذى يدعو إليه في كل أمر يأتيه أو يدعه، وليس مما يتفق مع هذه المثالية أو النموذجية العصبية أو التشدد أو الغلظة، وإنما دائما الحكمة والموعظة الحسنة ثم الجدال بالتي هي أحسن، وإلا كان مثارا للنفور عن الإسلام الذي يدعو إليه، حتى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين هما من أبرز إيجابيات العمل من أجل الإسلام أجاز الفقهاء أن يرجأ الأمر بالمعروف إذا أدى هذا الأمر بالمعروف إلى منكر، وأن يرجأ النهي عن المنكر إذا أدى النهي عن المنكر إلى منكرأشد، يرجأ كل منهما ولا يعطل .
هذا هو الإسلام في صورته الاجتماعية، البانية، الهادئة، الهادفة التى ترى لكل مرحلة من مراحل الدعوة أسلوبها المناسب لها، ولكل مرحلة من مراحل الحركة ما يناسبها كذلك من أساليب .
د - الاهتمام بالإنقان والتجويد والتفوق في كل عمل يوكل إلى واحد ممن تربوا داخل الأسر الإخوانية، وفي أي مجالات الجهد الإنسانى ؛ لأسباب كثيرة نذكر منها:
1ـ أن هذا هو الأصل الإسلامى في أداء العمل "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" و"إن الله كتب الإحسان على كل شيء . . . والذى لا يجيد ولا يحسن، مقصر آثم، مخالف لأدب الإسلام وسنته الاجتماعية .
2 - أن هذا بمثابة دعوة صامتة هادئة إلى طريق الحق والالتزام بهذا الدين والاعتزاز بأن ينتمي إليه أهله، بل إن هذا خير من عشرات الخطب والمحاضرات والمواعظ؛ فهو التربية بالقدوة .
3 - أن التجويد والإتقان يؤديان إلى أن يكون هذا المجود المتقن مرجعا في هذا العمل وذاك المجال، يقصده الناس، ويتعلمون منه ويستشيرونه، وتلك فرصة للدعوة لا تعدلها فرصة؛ أن تدعو إلى الإسلام من كان في حاجة إليك، وأن تعامل بسماحة الإسلام وكرمه وما أمر به من أخوة بين المؤمنين .
4 - أن هذا أسلوب جيد في الوصول إلى المراكز القيادية في العمل ، وعند الوصول إلى القيادة تكون الكلمة أسرع وصولا إلى القلوب لا إلى الآذان، وتكون الدعوة إلى الحق صادرة بمن له من السلطان والقوة مايدعم به الحق الذى يدعو إليه .
هـ - التزود بقدر كاف من المعرفة بالمجتمع، معرفة تمكن من وصف العلاج، وتؤكد العمل على ضرورة التغيير في هذا المجتمع، التغيير نحو الأحسن نحو الحق نحو الإسلام، مع الإصرار على هذا التغيبر بالأساليب الهادئة البناءة الحانية البعيدة عن الخاطرة والمهاترة والعنف؛ لأن ذلك هو أسلوب الإسلام في كل أموره أو أغلبها ، إذ لا عنف في الإسلام ولاقتال إلا مع أعداء الله، أعداء الدين المدعوين إلى الدين الرافضين له ولنظامه دون أن يكونوا من أهل الأديان التى أباح الإسلام لهم التعايش مع المجتمع المسلم .
بل هذا هو الأسلوب الذي يؤدي إلى التمكين لدين الله في الناس تمهيدا للحكم بما أنزل الله، ثم سيادة البشرية بالحق والهدى ودين الله ونظامه .
و - إعطاء أهمية خاصة للمساجد من حيث إعمارها، والذين يعمرون المساجد هم المؤمنون بالله واليوم الآخر المقيمون الصلاة المؤتون الزكاة الذين لا يخافون إلا الله ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الاخر وأقام الصلاة وآتى الزكااة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكوئوا من المهتدين ) .
وعمارة المساجد تزرع في النفوس تقوى الله وحب الخير. وحب الناس.
فإذا أضيف إلى ذلك عقد جلسات وحلقات لتعلم تلاوة القرآن وتجويده وتفقيه النالس في أمور دينهم، فإن هذا مما ينفع المسلمين ويجذبهم للعمل الإسلامى وينير لهم الطريق.
ويمكن لأهل العلم ممن يسكنون حول مسجد من المساجد، أن يرتبوا في المسجد حلقات وندوات تغطي احتياج المسلمين في كل ما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم .
وتلك كانت سياسة الجماعة في التعامل مع المساجد، فضلا عن سياستها في تزويد المساجد بالكتب والفرش والإضاءة والترميم ، وأحيانا الإنشاء في كثير من القرى والمدن، وكل ذلك هو إعمار المسجد وإرضاء ألله سبحانه .
والأسرة الإخوانية تستهدف من المساجد أن تكون منارات علم وهداية وتفقيه، وتثقيف لعامة المسلمين، وخصوصا من فاتتهم فرص التعليم في الصغر، كما تستهدف من المجتمع أن يولى المساجد أهمية خاصة في العناية بها والمواظبة على ارتيادها والتعبد فيها؛ لأن المجتمع الذى تسوده روح المسجد وآدابه، مجتمع جدير بأن يحقق سعادة الدنيا والاخرة .
ز - ارتياد النوادى الرياضية والاجتماعية والثقافية، ومحاولة التأثر بالصالح فيها والتغبير لغير الصالح، بنفس أسلوب البناء الذى يقوم على الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هى أحسن .
أما ترك هذه النوادى واعتزالها، بحجة أنها تضر ولا تفيد، وتسيطر عليها أفكار مضادة أو معادية، فإن هذا الترك سلبية وتراجع وإهمال، ونكوص عن الدعوة، وعن الحركة، وما يليق بأحد من المسلمين أن يفعل هذا .
كما أن الانجراف في التيارات السيئة التى تسود بعض الأندية والانزلاق في كثير من عاداتها وتقاليدها التي لا يقرها الإسلام، إثم ومعصية لايجوز لمسلم أن يقع فيه .
ومن هنا ، فإن الذين يرتادون هذه الأندية، ليغيروا بعض ما فيها إلى الأحسن والأرضى لله؛ يجب أن يكونوا على مستوى جيد من الالتزام بالإسلام في أخلاقهم وسلوكهم، بحيث لاتبهرهم هذه البهارج، ولا تخدعهم تلك العادات والتقاليد .
ذلك هدف من أهداف الأسرة بالنسبة للمجتمع، كل مرفق فيه يجب أن يكون نبضه إسلاميا، وشكله إسلاميا، وموضوعه إسلاميا، وذلك بدفع هؤلاء الأفراد الذين تربوا في ظل نظام الأسر ليقوموا بهذا التغيير، مستهدفين من وراء ذلك خير الناس في دنياهم وأخراهم.
تلك كانت سياسة الجماعة فى مختلف قطاعات المجتمع، وكم كان لها ولعديد من أفرادها آثار وآثار في هذا التغيير نحو الأحسن، حتى لقد عرفت الجماعة بهذه السمة من بين الجماعات التى كانت تعاصرها وتعمل من أجل الإسلام.