راحت حركة نزوح كثيفة تُسجّل، ظهر اليوم الأربعاء، من مدينة بعلبك إلى بلدات ومدن أخرى في شرق لبنان، تحديداً في محافظة بعلبك-الهرمل، ولا سيّما دير الأحمر الواقعة على مقربة منها، أو إلى محافظة الشمال، وذلك بعد أوامر إخلاء أصدرها جيش العدوّ الصهيوني، وهدّد من خلالها بقصف مساحة جغرافية واسعة يسكنها أكثر من مائة ألف نسمة، وتضمّ مستشفيات ودور عبادة مختلفة بالإضافة إلى قلعة بعلبك التي أُدرجت على قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في خلال ثمانينيات القرن العشرين.
وهذه المرّة الأولى التي يُصدر فيها جيش العدوّ أمر إخلاء يستهدف مدينة بأكملها إلى جانب بلدتَين (عين بورضاي ودورس) تابعتَين لمحافظة بعلبك-الهرمل، في إطار أوامر الإخلاء التي راح يصدرها مذ صعّد عدوانه على لبنان في 23 سبتمبر الماضي. وقد أمر المتحدّث باسم جيش العدوّ بإخلائها عبر ثلاثة مخارج، هي الطريق السريع بعلبك-زحلة (محافظة البقاع - شرقي لبنان) وطريق بعلبك-نحلة (إحدى بلدات محافظة بعلبك-الهرمل) وطريق بعلبك-الأرز (محافظة الشمال)، بزعم أنّ سكان المدينة والبلدتَين معرّضون "للخطر". يُذكر أنّ القصف يستهدف في هذه الأثناء (كتابة التقرير) بلدات أخرى تتبع المحافظة وتقع في محيط المدينة.
في هذا الإطار، أطلقت فِرق الدفاع المدني والكنائس والمساجد نداءات إلى المواطنين تناشدهم ضرورة الإخلاء والتوجّه إلى أماكن آمنة، حفاظاً على سلامتهم وحياتهم. وأتى أمر الإخلاء في وقت تعجّ مدينة بعلبك فيه بأهلها إلى جانب النازحين الذين استضافتهم بعدما هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية في أوقات سابقة من مناطق مختلفة، من بينها لبنان الجنوبي.
وقد احتضنت مدينة بعلبك نازحين، خصوصاً أنّ قلبها لم يُستهدَف بغارات صهيونية إلا في مرّات قليلة، لعلّ أكثرها عنفاً تلك التي طاولت حيّ النبي إنعام وأدّت إلى مجزرة استشهد في خلالها ستّة أشخاص، في 21 أكتوبر الجاري. تُضاف إلى هذه الغارة أخرى استهدفت فرع "القرض الحسن" قبل ذلك بيوم واحد (20 أكتوبر)، وكذلك تلك التي استهدفت "ثكنة غورو" الأثرية أوّل من أمس الإثنين (28 أكتوبر) وأسفرت عن استشهاد ستّة أشخاص.
تجدر الإشارة إلى أنّ محافظة بعلبك الهرمل تشهد منذ يومَين سلسلة مجازر، استشهد فيها ما يزيد عن 80 شخصاً وجُرح أكثر من 180 آخرين. وقد طالت الغارات الصهيونية كذلك مواقع بعلبك الأثرية، إذ تسبّبت في تدمير جزئي لـ"بوابة إيعات" المؤدية إلى مجمّع معابد قلعة بعلبك، وهي تمثّل الجزء الخلفي من "ثكنة غورو".
وأفاد مصدر أمني "العربي الجديد" بأنّ "حركة نزوح كبيرة تُسجّل منذ ساعات، انطلاقاً من مدينة بعلبك، إلى بلدة دير الأحمر خصوصاً، ومناطق أخرى في الشمال اللبناني. وقد سلك هؤلاء طرقات تُعَدّ آمنة نسبياً، إذ إنّ الطريق في اتّجاه العاصمة بيروت ليست آمنة، وقد شهدنا أكثر من عملية إسرائيلية، اليوم، على طرقات تصل شرقي لبنان (محافظتا البقاع وبعلبك-الهرمل) بالعاصمة بيروت. لكنّ ثمّة مشكلة تتعلّق بالقدرات الاستيعابية لمراكز الإيواء، إذ معظمها لم تعد تتّسع لأعداد جديدة، ولا سيّما في الشمال، وقد وُجّهت نداءات إلى الجهات المعنيّة لتأمينهم بسرعة".
وأوضح المصدر الأمني أنّ "المناطق التي حدّدها الاحتلال الصهيوني وهدّد باستهدافها تُسجَّل فيها كثافة سكانية عالية، وتتواصل النداءات (التي توجَّهها جهات محلية) إلى السكان بضرورة الإخلاء، فيما يُسجَّل استنفار كبير لدى الأجهزة الأمنية والرسمية وكذلك تواصل مع الطواقم الإسعافية لمساعدة الناس وتأمين انتقالهم بسلامة".
ولفت المصدر نفسه إلى أنّ "صعوبات كبيرة تواجه النازحين، ولا سيّما من محافظة بعلبك-الهرمل ككلّ، فالطرقات ليست كلّها آمنة والقصف مستمرّ، حتى أنّ المساعدات الإنسانية والأممية والدولية بالكاد تصل إلى الناس للأسباب الأمنية نفسها"، مضيفاً أنّ "سلوك الطريق المؤدّي إلى سورية لم يعد آمناً بدوره، في ظلّ ضرب المعابر الحدودية (بين لبنان وسورية)، أبرزها نقطة المصنع". وشدّد على أنّ "الوضع صعب جداً، ومراكز الإيواء باتت شبه ممتلئة".
من جهته، طلب محافظ بعلبك-الهرمل بشير خضر من أهالي المدينة ومحيطها، بعد أوامر الإخلاء الصهيونية، التوجّه إمّا إلى عكار (محافظة الشمال) ومناطق شمالية أخرى عن طريق عيناتا-الأرز، وإمّا إلى زحلة (محافظة البقاع) عبر الطريق الدولي، وإمّا إلى عرسال (محافظة بعلبك-الهرمل) عبر الطريق الدولي. كذلك شدّد على ضرورة عدم توجّه الأهالي والسكان إلى قلعة بعلبك لأنّها "ليست آمنة". وجاء ذلك في تصريحات صحفية، وكذلك في سلسلة تدوينات متلاحقة على موقع إكس في متابعة للمستجدّات.
وأفاد خضر، في واحدة من تدويناته، بأنّ عشرات الآلاف يغادرون مدينة بعلبك، حتى من الأحياء السكنية التي كانت تُعَدّ آمنة، لافتاً إلى أنّ هذه المنطقة تُعَدّ ذات الكثافة السكانية الأعلى في محافظة بعلبك-الهرمل.
ويحاول جيش العدوّ الصهيوني فرض حصار على محافظة بعلبك-الهرمل شرقي لبنان، سواء عن طريق المجازر التي يرتكبها والقصف المستمرّ عليها بهدف تدميرها وتهجير أهاليها، أو ضرب كلّ المعابر، الشرعية منها وغير الشرعية التي تربطها بسورية. وهذا أمر من شأنه أن يؤدّي إلى قطع كلّ الإمدادات ومسارات المساعدات، ويعرقل حركة النازحين في اتجاه الأراضي السورية الذين تخطّى عددهم 500 ألف منذ 23 سبتمبر الماضي، تاريخ تصعيد العدوّ عدوانه على لبنان. يُذكر أنّ هؤلاء يعمدون إلى العبور سيراً على الأقدام، بعد الضربات العسكرية التي أحدثت حفراً كبيرة في الطرقات.
من جهته، وضع النائب في البرلمان اللبناني، عن كتلة حزب الله "الوفاء للمقاومة"، حسين الحاج حسن المجازر التي ترتكبتها إسرائيل في محافظة بعلبك-الهرمل في خانة الجرائم التي "تكشف طبيعة العدوّ المجرم والقاتل الذي يريد أن يضغط على المقاومة وبيئتها لترضخ لمخططاته العدوانية". وشدّد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على أنّ "العدو لن يتمكّن من فرض أيّ من أهدافه على المقاومة وبيئتها وعلى الشعب اللبناني ككلّ".