د. السيد علي

عند الأدباء يعبر الرمز عن حالة من الإبداع في النص الأدبي سواء كان قصة أم نثرا أم شعرا. وللرموز دلالات تفتح للنص الأدبي أفاقا كثيرة وبعيدة في خيالات المتلقي فتمنح النص حياة متجددة لا يشيخ معها مهما طال به الزمان.

وفى أحسن القصص التي وردت في كتاب الله معان جلية واضحة في السرد القصصي المعجز لقصة نبي الله يوسف وفى الخلفية من النص الواضح الدلالة يأتي الرمز فيعطى لدروس القصة أبعاداً أخرى تمس واقع الأفراد والجماعات والأمم.

وعرض القرآن لقصة يوسف عليه السلام فيه من الحركة والأصوات ما يجعلك تعيش بكل جوارحك وحواسك في المشهد. فهنا امرأة العزيز تريد أن توقع يوسف عليه السلام في حبائلها فتغّلق الأبواب، والشدة على حرف الغين فيها زيادة في المعنى تدلل على أن الأبواب كلها أحكم غلقها حتى أنك تكاد تسمع صوت الأقفال وهي تُصك بشدة. وهي أبواب وليست بابا واحدا للدلالة على أن نبي الله قد أُحكم حصاره، وما له من مخرج. إذا فكل الطرق موصدة في وجه يوسف إلا طريق الغواية والضلال الذي أرادته له امرأة العزيز.

{وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} وأنا سيدة القصر والمتحكمة بما فيه ومن فيه، أعرض عليك مفاتني فهي كلها لك، ولن يعرف أحد سوانا بما فعلناه؛ فالأبواب موصدة. ولسان حالها يقول: إن قبلت عرضي ووافقتني فيما أريده مما حرم الله فتغوص معي في وحل المعصية؛ رفعت منك ومن شأنك وإن تمنعت وعصيتني؛ فعقابك حاضر.

ونعود إلى الرمز فنجد أن كل مستعصم في هذا الزمان ستكون له زليخة (امرأة العزيز) التي ستراوده عن آخرته. فكل صفقة مشبوهة تباع فيها الذمم لا تتم إلا خلف الأبواب المغلقة وثمن مثل تلك الصفقات لا يخرج عما يشبع غزيرة أو شهوة من مال أو منصب أو أقل أو أكثر من ذلك.

وكل حركة مقاومة أو نضال أو إصلاح ستراودها أيضا زليخة زمانها بعد أن تغّلق (أو كهذا تظن) في وجهها كل أبواب الأمل في النصر أو الإصلاح مؤملة أن تقبل عرضها وتنساق لرغباتها فتنسي رسالتها ودينها وتقبل بفتات من الدنيا. وهذا الفتات قد يكون كبيرا في نظر من أغشى الله ابصارهم فيظنون أن السماح لهم بحكم صوري أو حرية مغلولة أو وظيفة مرموقة هو ثمن مقبول للتخلي عن رسالتهم ونضالهم.

ولكن أملنا ودعاؤنا أن يرزق الله مجاهدين هذا الزمان ومناضليه استعصام الصديق يوسف عليه السلام فيصرخون في وجه صاحبة القصر ومن بيدها القوة ويقولون:

{مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}.

وقد أحسن مجاهدو غزة حين رفضوا ما عُرض عليهم من صفقة في إطار ما يُسمى صفقة القرن. فحسب ما نشر من تسريبات في مطلع الطوفان في شهر أكتوبر من العام 2023 أن النظام العالمي راود حماس عن عقيدتها وطريقها ووعدوها بحكم غزة للأبد مع إنشاء مطار وميناء. وبفضل الله وحده استعصموا وثبتوا وسيكون النصر حليفهم بإذن الله مهما تطاول الزمن أو عظمت التضحيات. 

وختاما،

عندما يغلّق عدوك في وجهك أبواب الاصلاح ويستقوي عليك بسلطانه ودعم من حوله مع الضغط الشديد على نقاط ضعفك ويدعوك لتحقق له ما يصبوا إليه ويخطط له بتخليك عن مبادئك وصلاح أمرك واستقامة فكرتك؛ إياك أن ترضخ لسلطانه أو تضعف أمام قوته بل تذكر برهان ربك فيمن سبقك وثبت.

وتيقن أن السجن أو الموت في سبيل الله أفضل ألف مرة من الاستجابة لعدوك أو الاستسلام لضعفك.

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}