قال تعالى: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)) الأحزاب: ٢٣
. ومن هؤلاء الرجال المؤمنين الانبياء والمرسلين رضوان الله عليهم، فإن طريقهم هو الطريق المستقيم، طريق محفوف بالمحن والابتلاءات، طريق تعب فيه آدم، وناح لأهله نوح، ووضع الخليل في النار، وأضجع فيه اسماعيل للذبح، وفيه بيع يوسف بدراهم معدودات، ولبث في السجن يضع سنين، ونشر زكريا بالمنشار، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى فيه أيوب الضر، وزاد على المقدار بكاء داوود، وسار مع الوحوش عيسى عليه السلام، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله علیه وسلم.
ما أعظم تسلية الله لعباده ومواساته لكم (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ...).. (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) وكل من مشى في طريق الحق ومناصرته ونصرة شرعة الله، ودفع الظلم عن المظلومين ورد المسلوب إلى أهله: يحيى ابراهيم السنوار بطل فلسطين والعرب والمسلمين، السنوار الذي ذكرنا طريق الأنبياء والمرسلين، السنوار الذي استشهد - نحسبه كذلك والله حسيبه - مقبلا غير مدير.
هذا الرجل الذي شغلني فيه أنه كان يبحث عن الموت في كل موطن، يريد أن ينال شرف الشهادة في سبيل الله وبينما هو كذلك إذ به لا يغفل عن أوراده، لا يشغله شيء عن ربه، لم يحمل من متاع الدنيا شيء غير الذي يعينه على طلب الشهادة، الرجل بسيط بساطة أبي دجانة، أو صهيب الرومي، لم يعرف رفاه الحاضر ولم يذق مغرياتها، ولو أرادها لتفوق على كثير من أهل الدنيا، فكان همه رضا الله والفوز بجنته، فقد ربح البيع يا أبا إبراهيم.
لقد صنع على عين الله، لقد مثل هذا القائد الثبات في أروع صوره فقبل أكثر من أربعين عاما أقبل هذا الرجل – يحيى السنوار- على أستاذه الشيخ أحمد ياسين من خان يونس إلى غزة العزة محاولا إقناع شيخه أنه قد آن الأوان للانتقال من العمل الدعوى إلى العمل الجهادي، وبحكمة الشيخ المعهودة عليه أراد أن يختبر هذا الشاب المتوقد صدقا وإخلاصا فيما قاله... بم ستقاتلهم يا يحيى فقال له الشاب الصادق: بالزر (الغبار)
فلما رأى منه الشيخ الأستاذ مضاء عزيمته وصدق مقالته طلب منه على الفور أن يؤسس لهذا المسار، وبعد أربعين سنة تتأكد تلك الإرادة من جديد في صورة عصا من خشب ترفعها ذراع مصابه أختها مبتورة ويحملها جسد أنهكته الجراح، وتفرقت فيه الشظايا، لتواجه أرفع الأدوات القتالية لهذه العصابة " دولة الصهاينة" التي تضاعفت قوت أضعافا مضاعفة لا يمكن إحسان قراءة الخاتمة الشريفة التي وهبها الله لهذا الرجل القائد دون الوقوف على امتدادها الزماني، وقد قال أهل التربية قديما: من حسنت بداياته حسنت نهايته. وإن تلك العصا فيما نحسب امتداد ذلك الذر، كلاهما دليل على توهج تلك الإرادة الصادقة، واشتغال ذلك الإصرار أربعين سنة دون خبو أو انطفاء.
إن هذه الصورة الصادقة شاهد على عميق الإيمان، وعظيم الاستعداد، وأمام جلالها تنهدم إرادة الأعداء، وتسقط دعاية المنافقين. أمام هذا الجمال والجلال المنبثق عن عميق الايمان تنفضح الاقلام المكسورة والتجديد البارد، والتدين المغشوش، والعمامة المستأجرة، والفكرة المهزومة.
إن هذا المشهد الذي قد عانيه الجميع، والذي لم يترك حجة لأحد لهو تلخيص لتاريخ نزال طويل، وتجسيداً للرجاء وللحلم الفلسطيني، ويؤكد أن أبا إبراهيم السنوار على طريق الأنبياء والمرسلين.. لا يضرهم من خذلهم وهم كذلك..
ربح البيع يا أبا ابراهيم صدقت الله في طلب الشهادة "والموت في سبيل الله أسمى أمانينا " فصدقك الله ونلتها فعشت حيا حياة دائمة..
نعم.. (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)) وقد حدث يا سنوار نلتها مقبلا غير مدبر، ونحسبك كذلك ولا نزكي علي الله أحدا.. ولكن هل انتهى الرجال على درب يحيى السنوار.. (وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ) لإحراز النصر الذي وعد به الله لنيل الشهادة في سيبل الله ...
والموت في سبيل الله أسمى أمانيا
والحمد لله رب العالمين
والله أكبر ولله الحمد