د. توفيق زبادي

أستاذ التفسير وعلوم القرآن

 

قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب:23].

 

الدعوة إلى بقاء؛ لأنها موصولة برب الأرض والسماء، والبشر إلى فناء؛ لأن لهم آجالًا إذا استوفوها جاءتهم الوفاة، والشهداء عند ربهم أحياء يرزقون، ويجري الله لهم على ألسنة المؤمنين على مر الأجيال حسن الثناء.

 

والمؤمنون الصادقون الذين استبقاهم الله على الدعوة أمناء وأوفياء؛ حتى يحققوا النصر على الأعداء، أو يلقوا ربهم شهداء، هكذا هو موكب الأنبياء والصديقين والشهداء.

 

التنظيم الهيكلي للقادة يزيد الصف قوة وابداعًا، ويقيه من الضعف والانهيار.

 

في غزوة مؤتة سلوى للمجاهدين والمؤمنين:

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ - وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَتَذْرِفَانِ - ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ»([1]).

 

فكل من يتسلم الراية يجود نفسه ابتغاء مرضاة الله.

 

والحركة تجدد نفسها، كما تتجدد خلايا الجسم؛ ليكون صحيحًا.

 

والقافلة تسير في طريقها المرسوم بتدبير الرحمن عز وجل، ومن يأت أجله، يرتق إلى مرتبة المنعَم عليهم مع النبيين والصديقين والشهداء.

 

ونحن على يقين أن من يأتِ النصر والفتح على يديه يعده الله الناصر لعباده في عالم الغيب والشهادة، كما رزق المسلمين خالد بن الوليد في مؤته؛ ففتح الله على يديه.

 

يحي السنوار دلالة الاسم ودلالة مشهد الاستشهاد:

 

ليست مصادفة أن يكون هذا لقبه، ولكن الحقيقة الكبرى لهذا الرجل هي الإحياء.

 

يحيى: من الإحياء لمعاني العزة، والقوة، والشجاعة، واستفراغ الوسع والطاقة في مقاومة العدو الغاصب.

 

والسنوار: الذي أشعل نار الحرب على اليهود المحتلين النازيين في السابع من أكتوبر 2023م، وأوقدها، وألهبها؛ حتى عرتهم من قوتهم التي طالما قالوا" الجيش الذي لا يُقْهَر"،أمام العالم أجمع؛ حتى شهد له الأحرار والأبرار.

 

وأما دلالة مشهد الاستشهاد:

 

فقد باشر القتال بنفسه حتى الرمق الأخير، يذكرنا بقول ربنا لرسوله ﷺ {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء:84]، مُقْبِلا غير مدبر؛ مُثْخَنا بالجراح، ومُثْخِنا القتل في العدو؛ فاضحًا لهم، مدخلًا للرعب في قلوبهم، تحريضًا منه للأجيال، وإثارة لهممهم على مناجزة عدوهم، ومقاومتهم. ومصابرتهم؛ ليكف الله عن المؤمنين بأسهم، وحنقهم، وحقدهم.

 

هكذا دبر الله العزيز الجبار ل(يحي السنوار) مشهد الاستشهاد والانتصار؛ ورد كيد عدوه الذي كان يريد له مشهدًا، ينتشي به أمام شعبه، وأمام العالم {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}[الأحزاب:25]؛ فهنيئا له هذا الاصطفاء والاختيار.

 

إن الخطبة التي كتبها الشهيد (يحيى السنوار) بدمه؛ ستغير مجرى التاريخ، وستؤسس لتحرير فلسطين من أيدي المحتلين الغاصبين، {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا}[الإسراء:51].

 

 

[1] رواه البخاري، بَاب الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْل الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ،( 1246).