انطلق اليوم السبت التاسع عشر من أكتوبر 2024  مؤتمرُ دوليُّ حقوقي بعنوان "العهد الديمقراطي العربي: خارطة طريق للديمقراطية العربية" بمدينة سراييفو البوسنية ويتواصل يومين اثنين. يتضمّن برنامج اليوم الأوّل للمؤتمر عقد جلسات تتناول بالخصوص التحدّيات الرّاهنة للديمقراطيّة في العالم العربي في ظل استمرار التسلطّ الدّاخلي ومستجدّات العدوان الخارجي الذي تشهده فلسطين ولبنان وما رافقه من جرائم ضدّ الانسانية وارتقاء عشرات الآلاف من الشهداء وسقوط عشرات الآلاف من الجرحى ومئات الآلاف من المشردّين والمبعدين. أمّا اليوم الثاني من المؤتمر فسيخصّص لورشات أربع هي: الورشة الفكرية السياسية، الورشة الاقتصاديّة الاجتماعيّة، الورشة القانونية الحقوقية والورشة الهيكلية الشبابيّة.

 

ولئن احتضنت مدينة سراييفو، العاصمة البوسنية، يومي السابع والثامن من أكتوبر من السنة الفارطة مؤتمرا مماثلا للمجلس العربي بعنوان: "التحوّل الدّيمقراطي في العالم العربي -  خارطة طريق"، والذي سبق أن اجتهدت جلساته في القيام بعصف ذهني جماعي من أجل "بلورة خارطة طريق للنضال الدّيمقراطي في الدّول العربيّة في العقود المقبلة تتضمّن تحديد خصائص الدّيمقراطيّة المطلوبة وشروط نجاحها"، فإنّ ما يميّز مؤتمر هذه السنة هو سعيه إلى "صياغة ميثاق ديمقراطي عربي شامل، يكون بمثابة خارطة طريق تُرشد مساعي الشعوب العربية نحو أنظمة ديمقراطية حقيقية ومستدامة، تُحقق العدالة الاجتماعية، وتُعزز الحريات، وتواجه التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة"، وفق ما أفاد به السيد عماد الدايمي، المدير التنفيذي للمجلس العربي .

 

مواجهة تحالف الاستبداد العالمي

 

في كلمتها الافتتاحية لمؤتمر "العهد الديمقراطي"، شددت توكل كرمان، نائبة رئيس المجلس العربي والحائزة على جائزة نوبل للسلام، على ضرورة التشبث بالقيم الديمقراطيّة التي هي صنوان التعايش السلمي وحرية الرّأي والتعبير والتظاهر السلمي والنشاط المدني والسياسي داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية. إن الديمقراطية المنشودة يجب أن تضمن المساءلة الدّائمة لمن تبوؤوا مسؤولية إدارة الشّأن العام ولا يجب أن يثنينا عن ذلك هذا الاستبداد المنتشر في كثير من بلداننا فهو استبداد باستقرار هش.

وأضافت توكل كرمان بالقول إنّه منوط بعهدتنا توحيد جهود جميع الأحرار في العالم والدفع في اتجاه إصلاح المؤسسات الدولية التي يفترض أنها بعثت من أجل حماية حقوق الإنسان، محكمة الجنايات الدولية ومجلس الأمن الدولي خير مثال على ذلك.

 

نحن الديمقراطيين العرب جئنا إلى سراييفو في إطار جهد متواصل للضغط من أجل فرض حرياتنا وقناعتنا الديمقراطية ولذلك عزمنا على مناقشة التحديات التي تواجه ديمقراطيتنا المغتصبة والمنشودة وعلى رأسها تحالف الاستبداد العالمي. كيف نواجه هذا التحالف؟ هذا مشغلنا ومناط عملنا. ولن يثنينا عن ذلك خيانة الأنظمة التي تدّعي الديمقراطية في حين هي الراعي الحقيقي للانقلابات العسكرية وللميليشيات الطائفيّة المسلحة في بعض بلداننا. ومع تأكيدنا على انحيازنا المبدئي والكامل للقضيّة الفلسطينية داخل المجلس العربي فإنّه علينا ألاّ ننخدع بأي شعار طائفي يتغطى بالقضية الفلسطينية سواء كانت ميليشيات طائفية أو أنظمة قمعية.

 

التحرر من الاستبداد الداخلي والوصاية الخارجيّة

 

في تصريح له أعاد الدكتور محمد منصف المرزوقي، رئيس المجلس العربي والرئيس السابق للجمهورية التونسيّة التأكيد على ما سبق تناوله في مؤلفه "الإستقلال الثاني ـ نحو الدولة العربية الديمقراطية الحديثة"، من كون استقلال البلدان العربية منقوص وأنّ استكماله مشروط بالديمقراطيّة بوصفها ألية للتحرر الكامل من الوصاية الخارجيّة. ولذلك يرى المرزوقي أنّ ديمقراطيتنا تختلف في هذا الباب عن مثيلتها الأمريكية.

 

وللتدليل على الترابط الوثيق بين التحرر من المستبدين المدعومين من الخارج وبين التحرّر من الوصاية الخارجيّة، يضرب الدكتور المرزوقي مثلين اثنين: الأوّل هو مسارعة ميشال آليو ماري، وزيرة الخارجية في فرنسا بين 14 نوفمبر 2010 إلى 27 فبراير 2011، إلى اقتراح الدعم لقمع المتظاهرين في تونس على سلطة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي خلال الأيام الأولى للثورة التونسية. ذلك السلوك الفرنسي هو من دفعه لرفض لقاء الرئيس ساركوزي يوم أصبح رئيسا للجمهورية التونسية.

 

أمّا المثل الثاني، يضيف المرزوقي، فيتضح فيما حصل للرئيس المصري الراحل محمّد مرسي الذي تم التآمر والانقلاب عليه ثم ترك لوحده يواجه الموت في سجنه رغم كونه كان نظاما ديمقراطيّا. ويضيف المرزوقي بالقول إن "المنقلب المغتصب في تونس عينة أخرى على الحكام المستبدّين الفاشلين ولكنه يلقى دعما خارجيّا من إيطاليا. فالاستبداد لا يعيش إلاّ كزبون للاستعمار".