أ.د/ إسماعيل علي - أستاذ الدعوة الإسلامية والأديان بجامعة الأزهر
بعد #ثورة_25_يناير 2011، مارَسَ الإخوانُ المسلمون حقَّهم المشروعَ ـ بل واجبَهم المنتظَرَ منهم ـ فتقدموا مثلَ بقيةِ المواطِنين بمرشح رئاسيٍّ، هو الأستاذ الدكتور #محمد_مرسي ـ يرحمه الله ـ، وحاز ثقةَ أغلبيةِ الشعب المصريّ، في أول انتخابات حرة تشهدها #مصر، وصار أولَ رئيسٍ مدنيٍّ منتخَبٍ، وانعقدَتْ له البيعةُ الشرعية، واعترفَت به الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية رئيسًا لمصر.
ثم قام #السيسي والجيش في 3/7/2013م ـ مدفوعين من جهات ودول محلية وإقليمية وعالمية ـ بالخروج على الرئيس الذي اختاره الشعب، بل قد بايعه زعيمُ الانقلابِ نفسُه رئيسًا للبلاد، وقائدًا أعلى للقوات المسلحة، وأعطاه العهود والمواثيق، ثم غَدَر به، واستعان على جريمته بالقوات المسلحة، وألغى #الدستور، وألغى المؤسسات التشريعية، وقتل المعارضين لانقلابه، وهذا في ميزان الشرع هو الباغي الخارجيّ الذي عناه الفقهاء في #البغاة أو #الخوارج، فالبغاة هم الخارجون على الحاكم الشرعيّ المسلم المقسط، الذي لم يَفعل ما يستوجِب عزْلَه شرعًا.
ومنذ ذلك الحين لم يتوقف المنقلب عن تقتيل وتشريد وسجن الإخوان المسلمين، وكلِّ وطنيٍّ شريفٍ عارَض انقلابه.
وثمةَ أصواتٌ تخرج من هنا وهناك تطالب الإخوان المسلمين بأن يعتذروا للشعب المصريّ؛ كي ينالوا العفو من السيسي!!!
والواقع أن الباغيَ المنقلِبَ لم يُبْدِ يومًا توجّهًا لرفع الظلم، والكفِّ عن البطش والانتقام، والسعي نحو إصلاح ما أفسده، كما أنه لم يصرح مرةً واحدة بالرغبة في مدّ يد الصلح مع غرمائه الذين لم يتوقف عن البغي عليهم منذ انقلابه الأثيم، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون!!
كما أنه لا يخفى على مَن لديه مُسْكةٌ مِن عقلٍ، وبقيةٌ مِن رُشْدٍ أنّ العفو إنما يكون عن مُذْنبٍ جانٍ، وأنّ طلب العفو ـ أو حتى قبوله مِن غير طلبٍ ـ يُعدّ تثبيتًا لجُرمٍ لم يقع، وإقرارًا بمعصيةٍ لم تُقترَف!!
إن الإخوان المسلمين إنما يستحقون التبرئةَ والاعتذارَ إليهم، وردَّ اعتبارِهم، لا (العفو عنهم).
وإنّ مجرد قبول (العفو) ـ فضلا عن طلبه ـ من المنقلب الباغي لهو سُبّةٌ شنعاء في وجهِ جماعةٍ وطنيةٍ إصلاحيةٍ نزيهة، وإساءة بالغة، لا تمحوها الأيام.
وأقتبس في هذا المقام كلامًا (مع التصرف في النَّص) للعلامة #البشير_الإبراهيميّ ـ يرحمه الله ـ، قاله في مناسبة مماثِلة:
ومتى كان الإخوان جناةً حتى يُعفى عنهم؟ أو حتى يكون العفو عنهم مَدعاةً للسرور والابتهاج؟!
وقد وقع لنا مثلُ ذلك مع الاستعمار؛ يظلمنا، ثم يبدو له فيقول: عفوت عنكم، فلا يكون أحزَّ في نفوسنا مِن ظُلمه إلا عفوُه!!
فخيرٌ للشريف البريء أن تتخطفه الطيرُ أو تهوِي به الريحُ في مكان سحيق، مِن أن تُكتَب في تاريخه الحافل أنه (مجرم معفوٌّ عنه).
ألا إنه قد آن الأوان للاعتذار للإخوان المسلمين عن تشويه صورتهم، وجحودِ فضلهم، وعن الظلم الذي وقع عليهم؛ حين أيدت شريحةٌ من الشعب البغيَ عليهم بيد الانقلابيينِ البغاة، والأجهزةِ والمؤسسات المعاونةِ لهم.
إنّ كلَّ مؤسسةٍ، بل كلّ موضِعٍ في أرض الكنانة سوف يظل شاهدًا على أن الإخوانَ المسلمين هم مِنْ خِيرة وأبرِّ مَن أنْجبتْ مِصرُ، وسوف يظلّ شاهدًا كذلك على حبهم وعطائهم الفياضِ لوطنهم وقومهم، مِن غير انتظارِ جزاءٍ أو شكورٍ إلا من الله جلّ وعلا.
ولقد قدَّموا تجربة يُفتخَر بها ـ حتى وإن شابها بعضُ الأخطاء ـ، ومَن لا يرى الخرابَ الذي حلّ بمصر، والتفريط في أرضها وثرواتها ومكانتها بعد #الانقلاب_العسكريّ على الرئيس الشريف الحفيظ الأمين الدكتور #محمد_مرسي ـ يرحمه الله ـ؛ كان العمى أولى به من الهدى!!
أما دعوة "الإخوان المسلمين" فلسوف تبقى دعوةً إسلاميةً إصلاحيةً رائدةً في العالم الإسلاميّ، متميزة بأصالةِ ووسطيةِ واعتدالِ منهجِها، تقتفي منهاج النبوة، وتهدف إلى إصلاح الدنيا بالدين.
وغدًا سيشرق فجر جديد، ويَبِين الحقُّ يومًا لِناظِر.
{واللَّهُ غالِبٌ علَى أَمْرِهِ ولكِنّ أكثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمون} [يوسف: 21].