https://ikhwanonline.com/article/265653
الأحد ٦ جمادى الآخرة ١٤٤٦ هـ - 8 ديسمبر 2024 م - الساعة 04:47 م
إخوان أونلاين - الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمون
مقالات

المولد النبوي الكريم.. نفحات وعطرات

المولد النبوي الكريم.. نفحات وعطرات
الخميس 12 سبتمبر 2024 10:56 ص
بقلم: عبد الرحمن شيخ محمود الزيلعي*

يحتفل المسلمون بمولد النبوي الكريم مولد خير البشرية؛ شمس الهدى والقمر المنير والرسول الأعظم سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صلاة الله وسلامه عليه، وعلى أصحابه الطاهرين الذين أيَّدوه ونصروه وحملوا رسالة الإسلام إلى آفاق الكون حتى تبدت وأنارت ظلام الكون ومددت البشرية رحمة الهداية، وأقامت أعظم وأروع حضارة عرفتها الدنيا في مسيرتها التاريخية.

في هذا اليوم العظيم تبسَّمت بطحاء مكة، وتبهجت صفحات السماء، وتشعشعت الدنيا بنور ميلاد خير البشرية وخاتم الأنبياء صلاة الله وسلامه عليه ما تغنى العندليب فوق عود في البوادي.

وبمولده عيد ونفحات تتنعم بها الأمم بعطرات التاريخ، بمولد النبوي الكريم تتزود النفوس والأرواح زاد المحبة، وتتفتح ورود من صفحات التاريخ لترتوي رحيق المختوم، وتتعطر بعود المسك والكافور.. تتذكر الرسول يتيمًا صبيًّا ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ (الضحى: 6).

الرسول في حضن عبد المطلب يتيم الأبوين، ثم في حضن أبي طالب، وصفحات من أيام التاريخ في شِعْب بني سعد برعاية حليمة السعدية، وبركاته تتجلى في بني سعد، بين الغدو والرواح تتمايل النفس ببهجةٍ وسرور، وتتمشى على سندسٍ وإستبرقٍ من صفحاتِ خير البرية أجمعين.

ما أروع ما قال شيخ العارفين الشيخ عبد الرحمن الزيلعي عن خير الأنام:

أبدرٌ بدا أم وجه الليل أضاء لنا                فأمست ليالي الكون ذات تشعشع

عليه صلاة الله ما لاح بارق                  وباتت عيون المزن تبكي بأدمع

 

وأما أحلى ما أضاف أمير الشعراء أحمد شوقي في مدح الرسول الكريم:

وُلد الهدى فالكائنات ضياء                          وفم السماء تبسم وثناء

وتعدد المادحون للرسول الكريم، ونالوا كل الفلاح والسعادة, وكثر العاشقون لمدحه، مهيجة الأفراح مائة بيت للشيخ عبد الرحمن الزيلعي.. ومن أبياتها:

وذكر حبيب الله قوت قلوبنا                      وفيه شفاء قلبي وفيه تمتعي

وللشيخ عبد الرحيم البرعي مئات الأبيات من قصائد مدحها برسول الكريم، وبردة البوصيري معروفة لدى العاشقين للحبيب ومن قصائده:

هو الحبيب الذي تُرجى شفاعته                   لكل هولٍ من الأهوال مقتحمِ

دعا إلى الله فالمستمسكون به                    مستمسكون بحبلٍ غير منفصمِ

فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ         ولم يدانوه في علمٍ ولا كرمِ

هذا هو الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- البشير النذير الذي أرسله الله إلى الناس كافةً لينشر العدل والرحمة والسلام بين بني البشر.

وتتطاول أقزام العقول وأصحاب النفوس التائهة على شرف هذه الشخصية العظيمة، هذه الشخصية التي اختارها الجليل لتكون رحمةً للعالمين ومنبع الهداية، محمد المصطفى النبراس والقدوة للعالمين، ولولاه ما كان للحياةِ ذوق ومعنى.

وصدق الشيخ يوسف البحري حين قال:

ولولاه ما كان شيء ولا الخليل وموسى       ولا الأرمياء وشعيب ولا المعاش يطيب

 

ألم يعلم الذين يتطاولون على الرسول الأعظم أن رسالته هي التي أضاءت آفاق العالم، وأخرجت الأوربيين والغربيين وشعوب العالم من ظلامِ الجهل، وأيقظته من سباتِ نومٍ عميق، هو الذي حوَّل قبائل الجزيرة من عشائر متناحرة إلى رجالٍ وأبطال حملوا لواء الرسالة، إلى أشداء على الكفار رحماء بينهم، رجال لا تُلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، أبطال خلَّدهم التاريخ بخطوطٍ من ذهب كُتبت على صفحاتٍ من حرير، أبطال من أمثال: أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، والحيدر علي بن أبو طالب، وقادة من سيوف الله سلَّطهم الله على الكفار من أمثال: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وسعد بن أبي وقَّاص، وأبو عبيدة عامر بن الجراح أمين هذه الأمة، وكثير من رجال أوفياء تروي الأيام كل يومٍِ تطلع الشمس.

هؤلاء هم الذين أقاموا منارات الحضارة والعلم، وزخرفوا مآذن في عتبات بغداد وبساتين الأندلس وضفاف فسطاط النيل وواحات زيلع وشلالات سمرقندة وبخارى، وكل بقعةٍ تطلع عليها شمس النهار.

إنَّ في مولده ذكرى وعبرة للأمة الإسلامية، تذكرة واعية لهذه الأمة التي تعاني من التشريد والاضطهاد، هذه الأمة التي تتداعى عليها الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، هذه الأمة التي فقدت مسيرتها ونست نفحات تاريخها حتى تنتهك حرماتها ومقدساتها, وتُذبح أراملها وصبيانها بدم بارد، ولا آذان صاغية لصوتهم وبكائهم كيوم عمورية.

هذه الأمة ستتجاوز تحديات اليوم وتستطيع بإعادة كرامتها ومجدها وريادتها في ركب الحضارة إذا عرفت رسالتها وعادت إلى تراثها الإسلامي, وأيقنت أنها ليست تابعة بل رائدة الأمم واكتفت بثرواتها المترامية بين ساحل الأطلنطي وجزر إندونيسيا, وبين أدغال إفريقيا ومرتفعات القوقاز وما وراء الأنهار، تلك هي الأمة التي كانت يومًا برقًا وشعلةً تدور حولها الأمم لتستضاء بعلومها.

سيرقد الندى على الورود، والعشب متكئًا على الصقيع، ورحيق الأزهار تبثُّ عود العطور، ويتنعم كلنا بشعاعٍ يُبدد نكد الأيام.

وهذا ليس ببعيد، وغدًا احتفال بالمولد النبوي الكريم، وتشرق فيه شمسٌ تبثُّ شعاعَ الأمل، وموعدنا مع شقشقة الفجر وحين ترفع المآذن، عليه صلاة الله ما نادَى المنادي على خير الورى هادي العباد، وشكرًا مع لقاء في روضات الصالحين.

--------

* كاتب من الصومال