شعبان عبدالرحمن*
ذكرنا الصديق حازم علي ماهر رئيس تحرير موقع " حوارات الشريعة والقانون " قبل يومين بمرور الذكرى السنوية لوفاة عالم الاجتماع الكبير والمفكرالإسلامي د.عبد الوهاب المسيري ( (أكتوبر 1938 - 3 يوليو 2008 م ) ،وقد أحسن بالتوقف عند شخصية وفكر ومسيرة هذا العالم الموسوعي وإسهاماته في بناء الشخصية العربية المسلمة خاصة الشباب قائلا: "كانت المرة الأولى التي أحضر فيها صالون د. عبد الوهاب المسيري الذي كان ينظمه في بيته، فوجدته يجلس بين مجموعة من الشباب معظمهم يضع قدما فوق الأخرى أمامه! ووجدت شابا يقرأ مقالة له نشرها في جريدة الحياة في نقد مقال للمسيري عن معالم الخطاب الديني الجديد، فدعاه المسيري ليعرض فكره ويكون متحدثا رئيسا في صالونه، ورأيت المسيري يسمع له بإنصات وسرور وحماس، وكأن هذا الشاب كان يقرض شعرا يتغزل فيه ويمدحه!
ووفق ما رأيت من قبل من بعض المفكرين والأكاديميين الآخرين، توقعت أن المسيري سيوقف هؤلاء الشباب عند حدودهم وينهرهم لتلك الثقة الزائدة التي يتحدثون بها، ولكنني فوجئت به يناقشهم كأنهم نظراء له، ويخفض لهم جناح الرفق من الرحمة! ...
هكذا رأيت المسيري ورأيت زوجته الفاضلة التي كانت تضايفنا بنفسها...فتح لنا النوافذ على فكر الغرب المتغلب ونزع من قلوبنا الانبهار به، وعرّفنا عدونا، وجعلنا نفقه واقع الغرب وفلسفته المتحيزة التي هيمنت عليها الشيئية والكبر فاحتقر العالم من حوله" انتهى .
بالنسبة لي فقد حظيت بالجلوس مع الدكتور المسيري والاستماع الى كلماته وإطلالاته العميقة خلال جلساته المتعددة مع فريق التحرير في جريدة الشعب بصحبة الاستاذ عادل حسين رئيس التحرير في ذلك الوقت - يرحمه الله- وجلها كانت تصب في تعرية المشروع الصهيوني وسبل مقاومته وحتمية بناء المشروع الإسلامي القادر على النهوض بالأمة...وستظل "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد" التي استغرق في إعدادها ربع قرن من الزمان ، وتصنف من أهم الموسوعات العربية في القرن العشرين، ستظل شاهدا على ملحمته البحثية التي أفنى فيها 25 عاما من عمره وقدم من خلالها - كعالم اجتماع ومفكر إسلامي من الطراز الأول – تحليلا فريدا للنفسية اليهودية ومعالم المجتمع اليهودي من الداخل وألقى الضوء على جوانب معتمة من تاريخ اليهود والصهاينة والفارق بينهما ، بما يعين الساسة والمفكرين خلال إدارة الصراع .
كان د. عبدالوهاب المسيري علمانيا ملحدا لكنه توقف يوما وقفة صارمة مع نفسه وخاض بها رحلة مراجعة عميقة قادته الى التخلص من أدران العلمانية التي تهمش الدين وتفصله عن الدولة وتجعله مخاصما للفطرة الإنسانية ، بل قام بتفكيك هذا المشروع مثلما فكك المشروع الصهيوني واخترق تفاصيله ووضع يده علي خباياه ومخاطره في موسوعته ،وانتصر للمشروع الإسلامي وتصدى لمن يحاولون تشويهه حتي آخر يوم في حياته العامرة.
زرته في بيته بمصر الجديدة وجلست معه في حوار امتد لأكثر من ساعتين – تم نشره في مجلة المجتمع الإسلامية - عن رحلته الفكرية ورؤية لمستقبل الصراع في المنطقة ونظرته للمشروع الغربي وكيفية الانعتاق من هيمنته والانطلاق نحو الاستقلال .
والممتع أنني فوجئت منذ دخولي لبوابة العمارة حتي وصلت إلي باب شقته أنه حول مدخل العمارة والسلالم إلي متحف فني وتاريخي ومعماري بديع ، بلوحات ورسومات خاصة وقطع من الرخام الفاخر ذات الألوان الجذابة التي جلبها خصيصا من تركيا، وقد ساعده علي ذلك أن العمارة هي ملكه الخاص ولا يسكن فيها معه إلا االكاتب المعروف الأستاذ أحمد بهجت...رحم الله الجميع وأسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة.
——————-_
* مدير تحرير الشعب المصرية والمجتمع الكويتية- سابقا