السؤال: صمود الأسير، ورفضه الاعتراف، وكشف معلومات قد تؤدي إلى اعتقال بعض إخوانه، والأضرار بهم؛ قد يتسبب في حدوث أذى بالغ له، وتكثيف التعذيب عليه، وربما أدى به ذلك إلى الاستشهاد تحت وطأة التعذيب القاسي، فما حكم الشرع في ذلك؟

جواب فضيلة الشيخ القرضاوي:

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله (وبعد)

لا شك أن هذا الصمود، وتحمل الأذى والصبر على العذاب الشديد، من الأسير؛ بغية إنقاذ إخوانه من الأسر والاعتقال والمحاكمة؛ يعد من دلائل صدق الإيمان، ومن أعظم الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، فهو يفدي إخوانه بنفسه، ويتعرض لكل هذا البلاء من أجلهم، وربما يعلم أنهم أضعف طاقة منه، وأعجز عن احتمال ما يحتمل من البلاء، فقد يعرضهم هذا لفتنة في دينهم.

إن الأسير الذي يصبر على كل هذا لله وحده، ولدفع الضرر والأذى عن إخوانه في الله لهو من المؤمنين الذين "يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"، ولا يصبر على مثله إلا أولو العزم من الرجال، وقليل ما هم.

وإذا كان قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (الحشر:9) قد نزل في مدح الأنصار والثناء عليهم، والإشارة إلى أنهم من أهل الفلاح، وقد نزلت فيمن آثر بطعامه ضيوفه، وبات هو وأهله جائعين، فكيف بمن آثر إخوانه بنفسه وجسده ودمه وراحته؟

إن هذا لمن أعلى درجات الإيثار وأعظمها عند الله تبارك وتعالى، وأهل هذه الدرجة من أهل الفلاح والفوز برضوان الله تعالى وجناته إن شاء الله. وقد عرفت من هؤلاء من سقطوا صرعى، واستعذبوا الموت في سبيل الله في السجن الحربي، ولا يكشفوا ستر إخوانهم.

فلا نملك إلا أن ندعو الله لهم أن يكرمهم ويعزهم أحياء، ويغفر لهم ويرحمهم أمواتًا. فهم أحق بهذه الآية الكريمة: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} (الأحزاب:23- 24).