الدعاة الربانيون 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عباده المصطفين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد، فإن المقصود من هذه السطور معرفة دعوتنا الربانية التي نعتز بها والتى ننتسب إليها ونعيش لها وندعو إليها ونضحي من أجلها ونتحمل الأذى في سبيلها حتى يأتى موعود الله في الدنيا والآخرة.

ولما كانت هذه الدعوة ربانية، وهي دعوة صفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين، سفراء الله إلى عباده، لذلك احتاجت إلى دعاة ربانيين، نفوسهم عظيمة، تتمثل في عدة أمور: «إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدإ وإيمان به وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره».

هؤلاء الدعاة يتبعون المنهج الربانى ويحكمونه في الأرض لإحقاق الحق وإبطال الباطل، يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله، لا ترهبهم قوة ولا تغريهم دنيا ويعتزون بالله العزيز الدائم ولا يعتزون بشخص زائل كما يعتزون بهذه الدعوة.

فهذا ربعيّ بن عامر يقول لرستم قائد الفرس في موقعة القادسية «إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام».

و الدعاة الربانيون يتحملون الأذى صابرين، وهذا علامة على صحة الطريق الذي سار عليه الأنبياء والمرسلون (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (الأنعام: من الأية 34)، وهم يعلمون أن هذا الابتلاء ليس ليعذبهم ربهم أو يسلمهم لأعدائهم. إنما هو رحمة لهم ليكفر عنهم سيئاتهم أو يرفع درجاتهم أو ينصرهم ويمكن لهم وفي الحديث «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى المرء على قدر دينه». وفي الحديث: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قومًا أبتلاهم».

الدعوات الأخرى

لا بدَّ من الإشارة إلى بعض الدعوات غير الربانية، لأن الأشياء بضدها تعرف، وأنه لا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية. فقد ظهرت دعوات أخرى وضعها محترفو الإنتاج الفكرى، وهم كثيرون، ونذكر طرفا منها حتى يشعر المسلم بربانية دعوته النقية الصافية.

* فالوجودية: لا تعترف بالدين ولا بالضمير ولا بالفضيلة، ومن كتابات الوجوديين تجد التشاؤم والقلق والحيرة والخوف من الموت والتمزق والضياع .

* أما النظرية المادية فهى ترى أن العالم عنصر واحد وهو المادة. ولا تؤمن بالدين، بزعم أنه من وضع البشر ولا تؤمن بالبعث ولا بالغيب.

* وهناك دعوات أخرى ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يتسع المجال لذكرها، والحمد لله الذي بين لنا طريق الرشد من الغي والهدى من الضلال والإيمان من الكفر.

يقول تعالى: (قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا) (الأنعام من الأية: 71)

إن البشرية إذا تركت هدى الله أنحرفت في عقيدتها وقوانينها وأخلاقها. وكانت في حيرة وقلق (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)، هذا هدى الله فماذا بعد الهدى إلا الضلال، إن الحق واحد والباطل يتعدد، ونحن مأمورون أن نستسلم ونخضع لرب العالمين (وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).

ويتبين من الأية السابقة: أن الذي يترك هدى الله تخطفه الشياطين وتضله، فلا يدري أين يذهب، حيران، فهذا مثل الذي أجاب الآلهة التي لا تضره ولا تنفعه وفي الحديث: «إن الله ضرب مثلًا صراطا مستقيما وعلى جنبتى الصراط سواران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: أيها الناس ادخلوا الصراط جميعًا ولا تنفرجوا، وداع يدعو من جوف الصراط فإذا أراد أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك أن تفتحه تلجه، والصراط الإسلام، والسوران حدود الله تعالى والأبواب المفتحة محارم الله تعالى، وذلك الداعي على الصراط كتاب الله عز وجل والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم».

مما تقدم يستشعر المسلم عظمة هذه الدعوة الربانية، وشرف الانتماء إليها، وأنها تحقق العزة والطمأنينة. ومن هنا يتمسك بها ويثبت عليها ويضحى من أجلها. وأنه لا يمكن المقارنة بينها وبين الدعوات الأخرى. (رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) … (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ). و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين