حول الجماعة والالتزام بها :

  ضرورة الجماعة :

    من المسلم به أن هذه الأهداف العظيمة المطلوب تحقيقها والتي أوجبها الإسلام على كل مسلم ومسلمة، لا يمكن أن تتحقق بالأعمال الفردية، بدو ن جماعة تنظم هذه الجهود الفردية، وترسم لها الخطط، وتهيئ لها الوسائل والإمكانات. ومعلوم أنه ( مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) وبناء على ذلك فالجماعة واجب ، ولا يتصور أن يؤدي المسلم واجبه كاملاً نحو الإسلام بصورة فردية؛ لهذا أنشأ الإمام الشهيد جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق أهداف الإسلام .

    ولا يمكن أن تتصور جماعة بدون قيادة، ولا قيادة ليس لها حق السمع والطاعة على أفرادها، ولا أفراد منتظمين في جماعة دون تعهدات والتزامات يوفون بها ويلتزمون بأدائها .

وقد راعي الإمام الشهيد حسن البنا كل ذلك؛ فحدد للجماعة فهمها وأهدافها، ولوائحها ونظمها، ومجالات نشاطها وشروط عضويتها ووسائلها، وكل ما يتصل بها بصورة تضمن استمراريتها، ونماءها، واتساع دائرتها مع أصالتها بالتزامها بالكتاب والسنة.. هذا باختصار شديد الأصل بالنسبة لموضوع الجماعة التي نسير في ظلها علي طريق الدعوة .

والانحراف عن هذا الأصل له صور منها :

  1 – تهوين العمل الجماعي :

    الإقلال والتهوين في شأن الجماعة والعمل الجماعي ، وتصور الاكتفاء بالعمل الفردي . وللأسف نسمع على الساحة من ينادون بهذا ، ولا أدري ما هو الدافع وراء ذلك ؟ أهو لصالح أعداء الله في الداخل والخارج الذين يخشون تجمع العاملين للإسلام ووحدتهم أم أنه إيثار للعافية لأن الأنظمة الظالمة تؤذي وتحارب التجمعات الإسلامية؟ .

    إننا نسمع أن اللصوص في منطقة ما يتفقون، ويوزعون مناطق نفوذهم، ويختارون لهم رئيسًا يأتمرون به، ويرجعون إليه عند أي خلاف، ألا يجدر لمن يتصدون لإنجاز أعظم هدف في هذه الحياة أن تكون لهم جماعة منظمة؟ هذا بالإضافة إلى أن الإسلام يدعو إلى جمع كلمة المسلمين ووحدتهم، ويحذرهم من التفرق . وهل الأفضل أن نواجه أعداءنا ونحن مجتمعون أم ونحن أفراد متفرقون؟ وقد قال المولي سبحانه وتعالي: ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .

  2 – تعدد الجماعات والزعامات :

    ومن صور الانحراف كثرة تعدد التجمعات والرايات والزعامات؛ مما يوزع الجهود، ويفتتها، ويبلبل الشباب عندما يختار طريقه للعمل للإسلام مع أي جماعة يعمل، خاصة وأن قضية عمله للإسلام قضية ذات خطر، وليست قضية فرعية في حياته، والخطأ في اختيار الجماعة يترتب عليه نتائج خطيرة .

  صفات الجماعة المختارة :

    وهنا نقول للشباب : يجب أن تراعي توافر صفات أساسية في الجماعة التي يختارها :

    1 – أن يكون في منهاج عملها إقامة دولة الإسلام العالمية، ولا تكون مقتصرة على بعض جوانب من الإسلام، وأن تلتزم الفهم الصحيح الشامل النقي للإسلام ، الصحيح من كل خطأ أو انحراف، الشامل دون اجتزاء، النقي من البدع والخرافات وغيرها من الشوائب .

    2 – ومن المواصفات اللازمة أيضًا أن تلتزم طريق رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحركة بالدعوة لإقامة الدولة الإسلامية . ذلك بإرساء قوة العقيدة والإيمان، وقوة الوحدة والارتباط ثم قوة الساعد والسلاح .

    3 – وأن تهدف في عملها الساحة الإسلامية كلها؛ لتعد الأساس للدولة الإسلامية العالمية؛ فلا تحصر نفسها لهدف محلي .

    4 – وعلي الشباب أن يختار ذات الخبرة والرصيد، ولا تستهدف الشعارات البراقة والعلاقات الشخصية .

  3 – الجيوب الداخلية :

    ومن صور الانحراف عن هذا الأصل: إحداث محاور أو تكتلات داخل الجماعة حول أشخاص أو حول أفكار وآراء، أو إيجاد ما يشبه التنظيم المستقل داخل التنظيم العام للجماعة، أو محاولة ممارسة الضغط على القيادة لإلزامها برأي معين وإلا يعتزل ويحدث تصدعًا، أو استعلاء البعض على الخضوع لنظم الجماعة والالتزام بتعاليم القيادة، وكأنهم فوق القيادة .

    كل هذه الصور وما يشبهها انحراف عن مفهوم الجماعة، وعن مفهوم الالتزام، وما وضعت النظم واللوائح إلا لوقاية الصف من مثل هذه الانحرافات. وواجب القيادة في أي موقع أن تتخذ المواقف الحازمة إزاء مثل هذه التصرفات، ومن خلال النظم واللوائح دون تراخ أو مجاملة. معلوم أن الجماعة تحافظ على كل فرد فيها ولا تفرط فيه، لكن إذا أصر الفرد على إحداث بلبلة وتصديع في الصف؛ فالجماعة فوق الأفراد، مهما كانت منزلتهم .

  4 – التعلق بالأشخاص :

    ومن صور الانحراف عن هذا الأصل تعلق بعض الأفراد بأشخاص بذواتهم أكثر من ارتباطهم بالجماعة وقيادتها؛ فهذا انحراف يساعد على حدوث الانحرافات الواردة في البند السابق كما أنه يجعل شخصية هؤلاء الأفراد تذوب في شخصية من تعلقوا بهم، ولا تكون لهم شخصيتهم المستقلة الفعالة في صف الجماعة . قال تعالي: ( وما محمد إلا رسول قد خلت الرسل من قبله أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ).

 

منقول بتصرف من كتاب – طريق الدعوة بين الأصالة والانحراف – للأستاذ مصطفى مشهور  رحمه الله .