التساقط على طريق الدعوة ظاهرة عامة وخطيرة ومتكررة، وهي لذلك تستدعى التأمل والدراسة بعمق وتجرد وموضوعية؛ لمعرفة أسبابها ومسبباتها ولاستكشاف العوامل الحقيقة التي تقف وراءها ...

والذي يتتبع تاريخ الحركة الإسلامية في كل قطر وعلى امتدا العالم الإسلامي يمر بأسماء كثيرة بلغ بعضها شأواً في مجال العمل والمسئولية، ثم لم يلبث أن اختفي من حياة الدعوة بشكل أو بآخر ..

فمن هؤلاء من ترك الدعوة ولم يترك الإسلام .. ومنهم من ترك الدعوة والإسلام معاً.. ومنهم من ترك الجماعة وأنشأ جماعة أخرى، أو التحق بجماعة أخرى وهكذا تتكاثر وتتعدد ظواهر التساقط .

وفي أكثر الحالات والأحيان تصبح ظاهرة الانسلاخ والتساقط هذه عاملا مساعداً على انتشار وشيوع ظاهرة أخرى هي التعددية في العمل الإسلامي

وبالتالي سقوط العاملين والدعاة في حمأة الصراع على الساحة الإسلامية ؟؟

من هنا كانت هذه المحاولة المتواضعة خطوة على طريق دراسة ظاهرة التساقط دراسة متأنية تهدف إلى ملامسة الأسباب واستكشاف البواعث، وهي كائناً ما كانت تؤكد وجود خلل ما، عيب ما وخطأ ما من هذه الجهة أو تلك، علها تساعد على المعالجة وحفظ الإنتاج من التلف والتآكل ..

ثم لا بد من الإشارة هنا إلى أن ظاهرة التساقط هذه تتناول أشد ما تتناول وتصيب أكثر ما تصيب الصف الأول والذين عملوا على تأسيس الحركة والسابقين وإن كانت لا تستثنى اللاحقين كذلك .

وتسببت وتتسبب ظاهرة التساقط في كثير من الإساءات البالغة على الساحة الإسلامية يكفينا أن نعرض هنا لبعضها ..

-لقد تسببت هذه الظاهرة في أكثر الأحيان في هدر طاقات الحركة وأوقاتها في المعالجات التي قل أن تجدي نفعاً ..

- وتسببت في إشاعة الفتن، والتفسخ، والتسمم في أجواء الحركة؛ مما يعتبر عاملاً مساعداً على خسارة قريبي العهد بالإسلام وبالدعوة ..

- وتسببت في كشف خبايا وأسرار ما كان لها أن تنكشف لولا أجواء الفتنة الضاغطة، ووقوع الألسن والآذان في قبضة الشيطان ..

-وتسببت بأضعاف الحركة وبإغراء العدو بها والاستعجال في ضربها وتصفيتها .

- وتسببت في بعد الناس عنها، وزعزعة الثقة بها، والتطاول عليها؛ مما يعطل دورها، وقد يوقف بالكلية سيرها .

وإذا كان البعض يعتبر وجود بعض المتساقطين ظاهرة عافية لابد منها لتجديد الخلايا والتخلص مما يعيق الحركة ويثقل كاهلها، ويعتبر كلا عليها فإن النتيجة حتى ضمن هذا التفسير والمعنى لم تكن خيراً محضاً، وإنما كانت أشبه بسيل أخذ معه الغث والسمين، وصدق الله العظيم حيث يقول: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } الأنفال 25].

فكم من أشخاص لم ينتهوا من حياة الدعوة إلا بعد أن أحدثوا فيها شروخات عميقة واسعة، وكم من آخرين خرجوا منها، وأصبحوا حرباً عليها، بل تآمروا عليها مع أعدائها ..

وأذكر أن ركناً من أركان جماعة خرج من صفوفها على أثر خلاف معها؛ فأرغى وأزبد، وهدد وتوعد، وأقسم ليهدمن بناءها حجراً على حجر ..

إن القلة ممن إذا تساقطوا انصرفوا بهدوء، ومن غير أن يثيروا وراءهم غباراً، في حين أن معظم أولئك يصطنعون كل المبررات لتغطية مسئوليتهم هم عن الانشقاق والسقوط ..

وفي كثير من الأحيان تختفي الحقائق، وتهتز الرؤى، وتختلط الأحكام؛ فلا يعرف الظالم من المظلوم، ولا يتميز البريء من المذنب، ولا المحسن من المسيء ،بانتظار محكمة من لا يظلم مثقال ذرة { وهو خير الحاكمين } الأعراف 78 ].

إنها محاولة كما قلت تعرض لهذه الظاهرة بشكل عام تتناول بعض أسبابها وخلفياتها فقد يكون السبب في الأشخاص وقد يكون في الحركات وقد يكون في الظروف ودراسة كل قضية في ضوء الجوانب الثلاثة مجتمعة بعيداً عن الغلو والتطرف وبشيء من التجرد يمكن أن يعيد كثيراً من الأمور إلى نصابها وبالتالي يساعد على المعالجة ابتداءً وانتهاءً والله المستعان وعليه قصد السبيل .

منقول بتصرف – من كتاب المتساقطون على الطريق . كيف .... ولماذا ؟ - للأستاذ فتحي يكن رحمه الله