إن رفض الظلم ومقاومة كل أشكال الانحراف ثورة.
بالأمس شكلت ثورة يناير تحولا في مفهوم الحرية و الكرامة و دفع الظلم الذي كان يحيق بشعبنا جراء فعل النظام السابق من قتل و بطش و تهميش واعتقالات فلقد انطلقت شرارة يناير في مثل هذه الأيام المباركات في مشاهد بطولية و امتدت في جميع محافظات مصر و سطرها أبناء شعبنا من رجال و نساء و أطفال و شيوخ و بكل أطيافه و استطاع شعبنا أن يوصل للعالم رسالته العامة و للنظام خاصة خلال ثمانية عشر يوما . و سقطت دولة الخوف وانهارت عصابة مبارك وأجهضت مؤامرة التوريث وسقطت أقنعة الشياطين واللصوص، والأهم من ذلك عادت الروح للشعب وعاد الوعي وعلا الصوت للشارع المصري وأصبحت السلطة تعمل له ألف حساب وتخافه، فقد اعتدل الميزان في صالح الشعب ولم تعد هناك قوة ترهبه أو سلطة تستعبده، وعادت مصر المخطوفة، وتخلى الشعب عن خضوعه واستسلامه ولامبالاته وكسله وخموله وسلبيته، وتخلص من أخلاق العبيد. وتمت الانتخابات في النقابات والجامعات ومجلس الشعب و الشورى والرئاسة بإرادة شعبية كاملة،
و اليوم وفي ظل النظام الحالي أصبح الاستبداد أكبر و أفظع و ممنهج و في إطار القانون إلا أنه تظل أجواء يناير بعد مرور تلك الأعوام و السنين وبعد أن لعبت الثورة المضادة لعبتها القذرة سواء من انقلاب غاشم على العملية الديمقراطية و الشرعية و تشويه رموز الثورة و التنكيل و الاعتقال لكل من نادى أو شارك في الثورة و الانتقام من الشعب الذي قام و شارك في هذا التغيير العظيم بل و القتل المتعمد و الممنهج لرموز الثورة و على رأسهم الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب وكثير من رموز الثورة الآخرين ومع زيادة الظلم و الإستبداد و الفساد و الإفساد في مصرنا الغالية و وطننا الإسلامي بل العالم أجمع حتى فضحت خيانة التطبيع كل من يدعون الزعامة و يدعون حراسة الدين و مع هذا كله يبقى يوم 25 يناير ميلادا حقيقيا لشعب مصر ولثورة مصر على كل المعاني القميئة وعلى كل الزيف والخداع والقهر والاستبداد. تلك الذكرى التي تحي الأمل في النفوس و التطلع و العمل للغد الأفضل بإذن الله لنعيد لشعبنا حقه المسلوب و حريته المرجوة و أمنه المطلوب وذلك من خلال التوعية بحقوقه و الدفاع عن مقدراته المنهوبة التي أصبحت تباع للعدو قبل الصديق.
أيها الأباة إن ديننا و إيماننا و صبرنا و ثباتنا على مواقفنا الحقة هي ثورة قيم قبل أي شيء آخر ، ثورة على الظلم والاستبداد والاستعباد والاستفراد ، ثورة لتحقيق العدالة والمساواة والأمن الاجتماعي ، ثورة المستضعفين في وجه الطغاة والمحرومين في وجه المترفين والعبيد في وجه السادة ، وهذه ليست صورة من نسج خيالي أحاول أن ألصقها بالإسلام ، ولكنها حقيقة الدين كما أفهمه .., و قد حدث معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (………..ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار ، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب ، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم )، قالوا : يا رسول الله كيف نصنع ؟؟ قال :( كما صنع أصحاب عيسى بن مريم نُشروا بالمناشير وحملوا على الخشب ، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله ). فإسلامنا و ديننا ، هو صرخة المظلوم في وجه الظالم ، وثورة المقهور لاستعادة حقوقه الإنسانية ، وعلى كل من يحمل لواء الإسلام أن يدرك هذا المعنى ويعيشه سلوكا وينشره ثقافة إذا أراد لهذا الدين أن يكون نواة لجذب القلوب والعقول نحوه .فكل خطوة نخطوها نحو الظالم نبتعد فيها عن الإسلام خطوة ، وكل كلمة تنصر بها المستبد تنقض فيها عروة من عرى الإسلام … ووقفة صادقة مع أي مستضعف أو مظلوم – مهما كان دينه أو انتماؤه أو اعتقاده – خير من آلاف الخطب والدروس والمواعظ وربما الركعات والسجدات ..
الثورة قصة تدافع بين الحق والباطل
فالثورة قصة صراع أبدي بين الحق والباطل و الحرية والفرعونية والنور و الظلام و العدل و الطغيان والتاريخ يعيد نفسه، والفرعونية صامدة - عبر التاريخ كله - تقاوم الحق والعدل والرحمة، وتلبس أثوابًا مختلفة، وترفَع شعارات ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب، إنها قد تختلف في الألفاظ، لكنها لا تختلف في مضامينها النفاقية، ولا في أساليبها وأهدافها الفرعونية. والخلاف في مصر ليس خلافاً فكرياً أو عقائدياً، بل هو خلاف على منهج، هناك من يريد الحرية للناس وهناك من يتواطأ على إدامة استعباد المؤسسة العسكرية لهم. هذا هو الخلاف، ولا خلاف سواه.و فراعنة اليوم، يظلمون الجميع، لا يفلت من ظلمهم صاحب صوت حرٍّ مهما كان مسالمًا، إلا فئة قليلة ممن أخلصوا له الطاعة العمياء والعبودية الكاملة. فأهل الباطل لا يكفيهم بقاؤهم علي باطلهم وإنما يسعون إلي محق الحق وأهله وإزالة هذا الحق بالقوة وصد الناس عنه ببذل المال و القتل و الإستبداد وبكل ما يرون فيه قوة وقدرة لتحقيق ما يريدون. فإذا كان الأمر كذلك فلابد من ثورة تثورعلي طغيان الباطل وأهله وتمكن أهل الحق من محق الباطل والغلبة علي أهله. ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِين﴾ (البقرة :251)
ثباتك تحت راية تحقق الغاية وصمودك ثورة تؤلم أهل الباطل.
فأخذك بهذه الراية وإستظلالك بظلالها وحفاظك على موقعك تحتها وثباتك على ذلك ومغالبتك لكل مامن شأنه أن يبعدك عنها ويصرفها عنك تضمن بإذن الله إشراق النهاية بعد أن ضمنت إشراق البداية، ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (النساء:140) وتطمئن إلى حسن مقامك عند ربك وهو مطلب كل حر مؤمن إختار طريق تحبيب عباده إليه ، وانخرط على طيب خاطر منه في موكب دعوته ، وألزم نفسه أن يكون من صناع الحياة وحملة المشروع ودعاة التمكين ، هذا كله من مستلزمات ضمان المقام الاسمى والمكانة الارفع للمرء عند مولاه كما قال إبن عطاء الله السكندري :(إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك فأنظر فيما أقامك ).فالميزان الدقيق الذي يحدد نوعية الراية إذا هو ماتقدم عليه من عمل وموقف فإن كان مما يحبه الله كانت الاولى ، وإن كان مما يسخط الله ويغضبه كانت الثانية.
أيها الأبطال الأفذاذ
إن الدعوة والوطن بحاجة إلى ثلة من الرجال الأفذاذ ، يكونون على قدر كبير من الربانية والعلم والصلاح والتقوى والزهد والورع والثبات علي الحق ، ينتصبون مصابيحا هادية وقدوات مشعة ، يجسّدون المبادئ ويحفظون الأصول ، يكونون حجة للدعوة وللحركة لاعليها ، يستوعبون الآخرين ويأخذون بأيديهم بلسان حالهم قبل لسان مقالهم ، يحل الواحد منهم محل جيش بكامله في ميزان الصراع بإيمانه و بصفائه وإخلاصه وصلاحه وربانيته.إن وجود نماذج حية من هذا الصنف في الركب، تدفعه إلى الجد والفعالية ، حيث بهم ينتبه الغافل ويسرع المترهل ويلتحق المتخلف ويتحرك الفاتر ويمضي المتردد ويستحي المتقاعس ويستأنف المتوقف ويستأنس السائر ويرتدع المتجاوز وينتصح المفرط ويتيقن المتشكك فقد تختلف طرق الأعداء فى مجابهة الدعوة والدعاة، لكن المحصلة واحدة، وهي الكيد لأهل الحق وإيذاءهم . وينتهجون في ذلك أساليب شتى، كالحبس، والقتل، والنَّفي، ومصادرة الممتلكات. وعلى الدَّاعية أن يركن إلى ربِّه، وأن يثق به، ويتوكَّل عليه، ويعلم: أنَّ المكر السَّيئ لا يحيق إلا بأهله، كما قال عزَّ وجل: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ (الأنفال: 30)، ونحسب أن تلك شيم وسمات" الإخوان المسلمون" قادة وأفرادا في سجون هذا الانقلاب الباغي ؛ ثبات على الحق حتى آخر نفس ، دون أن يفرطوا قيد شعرة في الدعوة و سيظلون مضرب المثل والقدوة لأبناء الدعوة وأبناء الأمة ، وعلامات مضيئة على طريق الدعوة إلى الله ونصرة الحق والحرية
ونسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء عن دينكم ودعوتكم وأمتكم .