مع اندلاع المظاهرات المطالبة برحيله يحاول عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي خداع المصريين ببعض الإجراءات والتنازلات التافهة بهدف تهدئة الغضب الشعبي وتجاوز الأزمة واستمراره في "السلطة".

من أهم إجراءات السيسي الترويج لتعديل وزاري كبير خلال أيام، وتحميل حكومة الانقلاب مسئولية الغضب الشعبي، وفتح الباب للهجوم على حكومة الانقلاب وإعادة بطاقات التموين التي تم إلغاؤها بصورة عشوائية خضوعًا لمطالب صندوق النقد الدولي والإيحاء بأن السيسي لم يكن على علم بمثل هذه الأخطاء؛ حيث أعلنت وزارة التموين بحكومة الانقلاب إعادة مليون و800 ألف مستبعد إلى بطاقات صرف السلع التموينية.

كما تحرك برلمان العسكر بزعم تخفيف الضغوط المعيشية على المواطنين، وهذه التحركات غير مجدية، خاصة أن البرلمان كان شريكًا في إرهاق الشارع اقتصاديًا عبر تمرير تشريعات أدت إلى تقليص الدعم ورفع الأسعارن واعتمد البرلمان موازنات مالية بها مخصصات ضعيفة للصحة والتعليم، بالمخالفة للدستور.

الخبراء والمراقبون حذروا المصريين من الانخداع بألاعيب السيسي، مؤكدين أنه يحاول تجاوز الأزمة بأقل تكلفة: رجاجة زيت وكيلو سكر، وطالبوا بمواصلة الثورة حتى رحيل الخائن السيسي وإنهاء هذه المرحلة الكبيسة التي تسببت في تنازلات وأزمات غير مسبوقة للمصريين.

استراتيجية المخلوع

وكشف الخبراء عن أن سلطة المنقلب الخائن عبدالفتاح السيسي اختارت العودة إلى استراتيجية قديمة كان يتبعها نظام المخلوع حسني مبارك مع الأزمات الشعبية المتلاحقة، "خصوصًا في السنوات العشر الأخيرة من عهده، ليبدو "رئيس الجمهورية" وكأنه الملاذ الأخير للمواطن البائس، وأنه يعمل على تخفيف وطأة قرارات الحكومة، وكأنه منعزل عنها وعن سياساتها".

وأشاروا إلى أن هذه الاستراتيجية كانت قد نجحت مرات عديدة في التعامل الإعلامي والرسمي مع الأزمات في عهد مبارك، عندما كانت وسائل الإعلام تقصر هجومها على الوزراء دون الرئيس، وعندما كانت الحكومة تطلق بالونات اختبار عديدة لجس نبض الشارع إزاء قرارات اقتصادية ومشاريع، كان أبرزها إنشاء عاصمة إدارية جديدة وتطوير القاهرة وإزالة العشوائيات بين 2007 و2009، ثم يتدخل مبارك في الوقت المناسب لنزع فتيل الأزمة وإعلان التراجع عن بعض القرارات والمشاريع، بناء على نصائح مخابراتية وأمنية من ذراعيه الرئيسيين آنذاك عمر سليمان وحبيب العادلي.

وأوضح الخبراء أن سلطة الانقلاب ترى أن إجراء التعديل الوزاري خطوة لامتصاص الغضب الشعبي، مؤكدين أن مثل هذه الخطوة هي مجرد اصطناع "إجراء تغيير" أمام الرأي العام.

إصلاحات سياسية

وكشفت مصادر سياسية عن أن الحديث الذي تردد مؤخرًا عن إصلاحات سياسية وانفراجة ما، آخذٌ في التراجع داخل دوائر نظام العسكر، بعد مرور مظاهرات الجمعة الماضية.

وأكدت المصادر أن هناك من أوعز للسيسي بأن السبب الأساسي لخروج تلك المظاهرات وتجاوب قطاعات كبيرة شعبية معها، هو المعاناة الاقتصادية وبعض القرارات الأخيرة في هذا الصدد، وأنه ليس هناك أي اضطرار لتقديم تنازلات سياسية.

ولفتت إلى أنه رغم النصائح المقدمة لسلطة الانقلاب بتقديم حزمة امتيازات اقتصادية للمواطنين ومحدودي الدخل بعد إجراءات تخفيض الدعم الأخيرة، فإن الأزمة الاقتصادية وغياب التمويل تكبّل أيدي أجهزة سلطة الانقلاب في تلبية مقتضيات تلك الخطة لتهدئة الشارع وامتصاص غضبه.

وذكرت المصادر أن السيسي طلب من حلفاء ودول صديقة بالمنطقة تقديم يد العون له بمساعدات اقتصادية، إلا أن تلك المحاولات لم تكن مجدية في ظل أزمات يواجهها الحلفاء في الوقت الراهن؛ في إشارة الى الإمارات والسعودية، اللتين أكدتا أنهما ليس بوسعهما تقديم مساعدات اقتصادية، لكن في المقابل أبدتا استعدادهما لتقديم مساعدات سياسية وإعلامية عبر ما تملكانه من وسائل.

وبحسب المصادر، فإن هناك تحركات واسعة لدى نظام الانقلاب لتدبير السيولة المالية اللازمة لتنفيذ حكم واجب النفاذ صادر لصالح أصحاب المعاشات بأحقيتهم في ضم العلاوات الخمس؛ وذلك لكسب ثقتهم في ظل القوة العددية الهائلة لأصحاب المعاشات، وما يمكن أن يساعد به تنفيذ ذلك الحكم من حالة رضا لدى الشارع.

نقطة اللا عودة

في المقابل أكد الكاتب اليساري حسن حسين أن "الشعب المصري تجاوز نقطة اللا عودة، وترسخ في وجدانه عدم مصداقية النظام، وفقد ثقته بشكل مطلق فيه، وبالتالي لن تجدي أى حلول مؤقتة"، وشدد حسين - في تصريحات صحفية - على أن "باب التنازلات الذي أُجبر النظام على مواربته ستعمل الجماهير على فتحه على مصراعيه، لاستعادة حقوقها المهدرة"، لافتا إلى أن "المظاهرات الأخيرة تمكنت من فتح ثغرة لا يستهان بها في جدار الخوف".

وحول احتمالات تخلي المعارضة المدنية عن مطالبها من السيسي المجرم، مقابل فتح المجال العام أو تقليل القبضة الأمنية، يرى حسين أن ما يسمى بالمعارضة المدنية هي وهم تبخّر مع أول شعاع شمس؛ حيث لم تشارك تلك المعارضة في التحركات الشعبية الأخيرة، وليس لديها القدرة ولا الإرادة على التحرك للأمام خطوة واحدة.

أسلوب التنازلات

واعتبر أمين المهدي، الكاتب والمفكر السياسي، أن كل ما يفعله نظام المنقلب السيسي هو عملية احتواء للغضب الاجتماعي المخزون، ورد فعل على فيديوهات محمد علي، التي تركزت على فساد السلطة أولا والجيش ثانيا.

وأكد المهدي أن أسلوب التنازلات رغم هامشيتها ليس أسلوب السيسي، بحكم خبرتنا به طوال 8 سنوات منذ هتك أعراض فتيات ثورة 25 يناير 2011، وأرجع سبب هذا السلوك من السيسي إلى عدة أسباب "أولا: ضعفه الإقليمي، واهتزاز مكانة عراب الحكم العسكري في مصر وهو رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ومعسكر اليمين الصهيوني.

وأضاف: "ثانيا: انهيار محور نتنياهو العربي، بن سلمان وبن زايد، وهزائمهما في اليمن، بالإضافة إلى هزيمة السيسي والإمارات مع خليفة حفتر في ليبيا.

وأشار المهدي - في تصريحات صحفية - إلى أن ثالث الأسباب هي أن "أغلب القراءات خاطئة لموقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من السيسي؛ فقد كان موقفه منه متأففًا وعلى مضض؛ لأن العلاقات المصرية الأمريكية مأزومة جدًّا، ولا يوجد سفير لأمريكا في مصر منذ 5 سنوات؛ أي منذ مجيء السيسي، ولم تحصل مصر منذ 8 سنوات على طائرة F16 ولا أباتشي واحدة وتوقفت تماما مباحثات التجارة الحرة.

واعتبر أن "صفقة القرن" تعد سببا رابعا لتنازلات السيسي، مؤكدًا أن صفقة القرن - وهي المقابل وثمن استمرار الحكم العسكري في مصر - دخلت في عنق زجاجة ضيق جدًّا، وهذا معناه أن النظام العسكري نفسه مهدد لو أن فرص تنفيذ صفقة القرن تهددت.

ولفت المهدي إلى أن تزايد الديون إلى درجة الشلل الاقتصادي أيضا هو السبب الخامس الذي قلل من قدرة السيسي على المناورة وتقديم رشى إضافية للجيش وأجهزة القمع، وأكد أن كل الأطراف في مصر - وعلى رأسها سلطة الانقلاب - تسير في طريق مسدود، لافتًا إلى أنه قد يبدو من بعض تحركات حكومة الانقلاب أن السيسي يتراجع، ولكن مخطئ من يعتقد ذلك، هو فقط سيتحين الفرص للعودة إلى عهره وفجوره، وعلينا أن نحلل أسباب ذلك، هو يحاول شراء الوقت واحتواء الموجة الشعبية التي قد تبدو أضعف من أن تدفعه للخلف، ولكنه فزع، وضعيف جدًّا لأسباب محلية وإقليمية ودولية.

طبخة مسمومة

وحذر السياسي والبرلماني السابق أمين إسكندر الشعب من الانخداع بهذه الطبخة التي وصفها بالمسمومة، مطالبا السيسي بأن يجيب الشعب على سؤال: أين ذهبت الأموال الهائلة التي جاءت لمصر منذ انقلابه على السلطة؟ وكيف فرط في "تيران" و"صنافير"؟ وعما تنازل عنه من مياه مصرية في اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص واليونان والكيان الصهيوني؟

وتساءل إسكندر عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": ما هي المشروعات التي قام بها السيسي؟، ومع من تشاور بشأنها؟، وهل كانت في أولويات مشاكل الناس؟

وكحل عاجل طالب بحل البرلمان، وتعهد جيش الشعب المصري بالبعد عن البيزنس والبعد عن السيسي وعمل مسافة حتى لا يتحمل خسائر غضب الناس من سياساته.