* حكومات الانقلاب تعيش حالة من التخبط ويديرها فرد واحد
* كثرة إصدار أذون الخزانة جعل 35% من الموازنة يذهب لخدمة الدين
* التوسع في طباعة البنكنوت خطر اقتصادي يؤدي إلى رفع الأسعار
* الأسعار العالمية زادات في فبراير ومارس وأثرها في مصر بعد شهرين
* الانقلاب راوغ في تطبيق الحد الأدنى للأجور ولم تلتفت للقطاع الخاص
* تطبيق الحد الأقصى "وهم" تضحك به حكومة الانقلاب على الشعب
* البنك المركزي زاد الأثر السلبي لارتفاع "الدولار" وأنعش السوق السوداء
* المواطن أكثر المتضررين من زيادة سعر الدولار لأنه يرفع الأسعار
* الاحتياطي النقدي الأجنبي متآكل ويجب معرفة أين ذهبت مليارات الخليج
* الدعم الخليجي بدأ في الانكماش وهذه الدول بدأت تهتم بمشاكلها أولاً
* إجمالي الاستثمارات الخليجية الداعمة للانقلاب 125,5 مليون دولار
*العوامل المعيشية ستكون محركة للناس في رفض الانقلاب العسكري
* أتوقع فشل قائد الانقلاب لأنه ليس لديه رؤية ويعتمد على المعونات
* بعد سقوط الانقلاب ستزول كثير من عوامل ضعف الاقتصاد الحالية
حوار: أحمد الجندي
توقع الخبير الاقتصادي ممدوح الولي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، ونقيب الصحفيين السابق، سقوط الانقلاب العسكري قريبًا، مؤكدًا أن قائد الانقلاب العسكري إذا وصل للحكم فلن يستمر فيه شهور بسبب الفشل الذريع في التعامل مع الملف الاقتصادي، والذي دفع الاقتصاد المصري إلى منحدر خطير.
وأشار في حواره لـ(إخوان أون لاين) إلى أن سوء الأحوال المعيشية وغلاء الأسعار وأزمة انقطاع التيار الكهربائي ونقص الطاقة، بالإضافة إلى عدم الاستقرار الأمني والسياسي ستكون مؤثرة بشكل كبير جدًّا في الحراك الشعبي المناهض للانقلاب العسكري، وستكون محرك لفئات جديدة من الشعب إلى رفض الانقلاب والسعي لإسقاطه.. وإلى تفاصيل الحوار:
* بداية ما تقييمك للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد؟ وأداء الحكومات الانقلابية المؤقتة في الملف الاقتصادي؟
** التخبط الكبير واضح في أداء حكومة الانقلاب سواء الأولي أو الثانية لأنه لا توجد سلطة اتخاذ قرار فالمنظومة تدار من جانب شخص واحد هو قائد الانقلاب ولا توجد حرية حركة للوزراء. وأبسط مثال على ذلك وزير المالية الجديد عقب توليه عقد مؤتمر صحفي وأعلن عدد من الإجراءات لكي يزود إيرادات الموازنة ويقلل العجز في الموازنة، وقال أنه سيقوم بهذه الإجراءات ويعلن عنها خلال أيام قليلة، ورغم مرور حوالي أكثر من شهر لم يتم شيء، حتى أن المؤتمر الصحفي التالي عمله رئيس مصلحة الضرائب وليس الوزير بما يشير إلى أن هناك ضغوط عليه بأنه يؤجل أي أمور من هذا القبيل إلى ما بعد إكمال اغتصاب قائد الانقلاب لمنصب الرئاسة.
*عقب إعلان قائد الانقلاب ترشحه للرئاسة منيت البورصة بخسائر كبيرة.. ما سبب ذلك؟
** أي متابع للبورصة المصرية سيجد أن انخفاض البورصة بعد إعلان قائد الانقلاب ترشحه للرئاسة ظاهرة صحية، تطمئن على أحوال البورصة، بمعني أن الطبيعي أن تكون البورصة في أي بلد في الدنيا هي المرآة لأوضاع الاقتصاد أي إذا تحسن الاقتصاد صعدت البورصة، وإذا كانت هناك أي مشكلة تهبط البورصة، والبورصة المصرية من 3 يوليو وحتى 26 مارس وهو تاريخ إعلان قائد الانقلاب ترشحه للرئاسة، وهم يعلنون أنها تحقق مكاسب، فتجد أن الجرائد تنشر في عناوينها : حدوث انفجارات وحمامات دم تسيل، وفي المقابل ارتفاع البورصة وهذا أمر لا يصدقه عقل.
ونحن الآن في بلد حصل فيها انقلاب عسكري، وفرض طوارئ، ومذابح وانقسام مجتمعي، وزيادة دين خارجي وزيادة دين محلي، وعجز موازنة وعجز تجارى، وتصنيف ائتماني منخفض، والعديد من المتغيرات السلبية ومع ذلك نجد أن البورصة ترتفع، فهذا منطقيًّا.. واقتصاديًّا غير واقعي.
* طرحت الحكومة الانقلابية أذون الخزانة .. ماهي فلسفة أذون الخزانة؟
** الدولة تعاني من عجز الموازنة (إيرادتها أقل من مصروفاتها) ولذا تلجأ إلى الاقتراض، بأكثر من صورة، مثل الاقتراض من البنوك ومن البنك المركزي، وطباعة العملة لكن الشكل الكبير الذى تقترض به الحكومة في الفترة الحالية هو إصدار أذون وسندات الخزانة، أذون الخزانة وهي صكوك لقروض قصيرة الأجل أقل من سنه، أما سندات الخزانة فهي صكوك لقروض طويلة الأجل أكثر من سنة قد تصل إلى 20 سنة، حتى أن الحكومة الآن تحاول تقليل إصدار الأذون قصيرة الأجل وتتجه إلى زيادة السندات طويلة الأجل.
* من أين تأتي الأموال التي تمول بها أذون الخزانة؟ وما أثر إصدار هذه الأذون على المواطن؟
** أموال أذون الخزانة تأتي من أموال المودعين داخل البنوك المختلفة وهذه الأذون تضاف للدين المحلي على الحكومة، وهو ما يزيد تكلفة خدمة الدين التي تنقسم إلى شقين هما (فوائد الدين، أقساط الدين)، الموازنة الحالية فيها بند فوائد الدين 182 مليار جنيه، أما الأقساط 114.5 مليار، وهذا يعني أن تكلفة الدين على الحكومة في سنة واحدة 296,5 مليار جنيه، وهذا يمثل 35% من مجموع إنفاق الموازنة، ويمثل أعلى بند فهو أعلي من الأجور والدعم والاستثمارات، وهذا أن يعني أن 35% من الموازنة ضائع، ولو كانت وجهت للأجور أو الخدمات أو للصحة أو للاستثمارات لكانت حققت طفرات بها وهذا يمثل الأثر السلبي للدين العام على المواطن.
* قلت إن طباعة البنكنوت أحد أشكال الاقتراض الحكوميوثارت ضجة في الفترة الأخيرة حول طباعة 25 مليار جنيه طبقًا لكلام الدكتور على لطفي رئيس الوزراء الأسبق.. ما حقيقة ذلك؟
** البنك المركزي يصدر بيانات إصدارات النقد بعد الشهر الذي تطبع فيه العملة بشهرين يعني ما طبع في شهر يناير (2,5) مليار جنيه لم نعلم به إلا في شهر أبريل، الدكتور على لطفي عرف من مصدر داخل البنك أن فيه إصدار بطبع مبلغ كبير من الجنيهات، ولم يعلن بشكل رسمي، فعندما أعلن عن ذلك شعر البنك بالأثر السلبي، سحب في شهري (نوفمبر وديسمبر) جزء من المعروض النقدي فامتص الأثر لكلام على لطفي، وعندما هدأت الأمور رجع تاني في يناير، وتم طبع فلوس جديدة.
* ما آثار طباعة العملة على المواطن؟
** التوسع في هذه المسألة خطير لأن استقرار الأسعار الموجودة في السوق يأتي من التوازن بين الأموال الموجودة في أيدي الناس، وكمية السلع والخدمات الموجودة في المجتمع، فالتغير في كمية أي واحدة من الاثنين تؤثر على الأخرى، فلو كان هناك فلوس كتيرة مطبوعة ولم تزيد المعروض من السلع والخدمات بنفس النسبة تكون المعادلة (أموال كثيرة+ سلع قليلة= ارتفاع أسعار).
ونحن الآن في ظل الانقلاب والتوتر الأمني وعدم الاستقرار ورفض البنوك للإقراض وانخفاض التصنيف الائتماني لانسطيع زيادة السلع والخدمات، فخطر جدا زيادة الفلوس في أيدي الناس.
خديعة الحد الأدنى
* وعدت الحكومات الانقلابية بتطبيق الحد الأدنى للأجور ولكنها طبقته جزئيًّا وعلى المرتب الشامل وليس الأجر الأساسي.. ما سبب ذلك؟
** الحكومة الحالية تعاني من عجز كبير من الموازنة ودين كبير، الشيء الطبيعي أنها لا تعد المواطنين بتطبيق الحد الأدنى، ولكن حدث أن حكومة الانقلاب كانت تريد صنع شعبية لها ولقائد الانقلاب في ظل الظروف الصعبة التي يمرون بها، ووعدوا المواطنين بتطبيق الحد الأدنى، ووجدوا أنفسهم أنهم لا بد أن يطبقوها، وعند التطبيق حاولوا الالتفاف على الوعد من خلال جعل الحد الأدنى على إجمالي الراتب (الأساسي والمتغير) ليصبح 1200 جنيه، وليس على الأساسي فقط، وهنا هرب من أن يزود الأساسي إلى 1200 جنيه، وأعطى للموظفين القدامى أرقامًا ضعيفة، والموظفين القدامى اضطروا للقبول بالزيادات الـ100 جنيه والـ 200 جنيه، والملاحظ هنا أنه يلعب في ملعب الموظفين الحكوميين فقط.
* قلت إن الانقلابين التفوا خلال تطبيق الحد الأدنى للموظفين الحكوميين فقط.. فأين موظفي القطاع الخاص والعمال من تطبيق الحد الأدنى؟
** القطاع الخاص ليس للحكومة سلطان عليه، والمسألة هنا تكون بالتشاور بين جمعيات رجال الأعمال واتحاد الصناعات، كنوع من الاتفاقات التي تتم بين وزارة القوى العاملة والمجلس الأعلى للأجور وممثلين عن الكيانات المعبرة عن القطاع الخاص، ولكن .... القطاع الخاص من أول لحظة كان رافض، وقالوا لا نستطيع لأن هناك اضطرابًا في السوق والظروف الاقتصادية، ورفضوا أن يزود عليهم العبء الخاص بالأجور، وأنه مع إجبارهم على زيادة الأجور سيكونوا مضطرين لتخفيض جزء من العمالة، وبالتالي تزيد البطالة، ونجحوا في عدم تنفيذ الحد الأدنى للأجور رغم الوعود المتكررة من أكثر من مسئول بالحكومة ، وإلى هذه اللحظة لم يتم تنفيذ الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص.
* هل ترى أن هناك بادرةً لتطبيق الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص قريبًا؟
** لا أعتقد أنه سيحدث في الوقت الحالي؛ من أجل إرضاء رجال الأعمال حتى انتخاب قائد الانقلاب رئيسًا، لا سيما أنهم ينفقون على الحملة الانتخابية له، ويقيمون له الدعاية في كل مكان من جيوبهم رغم أنفهم.
* نشرت الجريدة الرسمية أن رئيس الوزراء الانقلابي إبراهيم محلب أصدر قرارًا بتطبيق الحد الأقصى على موظفي الحكومة بدايةً من 26 مارس.. هل بالفعل تم تطبيق الحد الأقصى بالصورة المطلوبة؟
** لا.. ما تم قاصر على موظفى الحكومة فقط وما حدث أنهم التفوا أيضًا على تطبيق الحد الأقصى للأجور لأنه عندما تطبق الحد الأقصى يطبق على الأجر الموجود في سركي القبض ، بينما ليس كل ما يدخل جيب الموظفين هو الأجر فقط، ولكن هناك بدلات أخرى كثيرة، حضور اجتماعات وبدلات سفر وبدلات انتقال، وهذه "اللي فيها الفطيرة أو الهبرة كما يقولون"، والتي يجب أن يشملها الحد الأقصى، ولذا فإن تأثيره لن يكون كبيرًا ولن يقلل الإنفاق الحكومي في بند الأجور كثيرًا.
* هل هناك علاقة بين ذلك و ما قاله سمير رضوان وزير المالية الأسبق، من أن الحكومة تبيع الوهم للشعب؟
** بالطبع نعم.. فلا أحد يعلم ما يتقاضاه كبار الموظفين في مصر أموال، فكما قلنا أن هناك بدلات وعمولات وحوافز لا تدخل ضمن شريط القبض، وبالتالي هي غير محددة، ولا يشملها الحد الأقصى للأجور؛ لذا يجب البحث عن آلية حقيقة لحساب المرتبات ومن ثم تطبيق الحد الأقصى عليها، أما يحدث الآن فهو "ضحك على الشعب المصري" كما قال سمير رضوان.
تراجع الجنيه
* انخفض سعر الجنيه أمام الدولار مؤخرًا ليسجل 7 جنيهات في السوق الرسمية، و7,5 جنيهات في السوق السوداء.. ما سبب هذا التراجع الكبير أمام الدولار؟
** الطبيعي أن المعروض الدولاري يدخل إلى الدولة من خلال موارد ميزان المدفوعات والتعاملات مع الخارج مثل الصادرات والسياحة والاستثمار، ومن بعد 25 يناير موارد السياحة انخفضت، وموارد الاستثمارات الأجنبية قلت، تحويلات المصريين بالخارج قلت، ومحصلات الخدمات الحكومية التي تقدم في القنصليات بالخارج قلت، الشئ الطبيعي أن هناك مسألة نقص فى المعروض الدولارى وبالتالي زاد الطلب على الدولار فارتفع سعره.
كما أن البنك المركزي زود الأثر السلبي لأنه امتنع عن تمويل كل طلبات استيراد السلع وقصرها على طلبات استيراد السلع الأساسية والغذاء وقطع الغيار وبالتالي رفع الطلب على الدولار لدي شركات الصرافة التي تأسست أصلا لتلبية الطلبات الصغيرة على العملة ( للعمرة، الحج، للعلاج، للمسافرين)، مما دفع المستوردين لطلب ملايين الدولارات من شركات الصرافة، فزاد الطلب على الدولارات لدي شركات الصرافة فظهرت السوق السوداء وارتفع سعر الدولار بها بعد ما كان أقصي سعر للدولار 720 قرشًا، أصبحنا نسمع عن أرقام وصلت إلى 750 قرشًا للدولار، طالما أن هناك سعرًا ثانيًا غير السعر الرسمي للدولار حتى ولو الفرق "2 قرش" يكون هناك سوق سوداء وأزمة في العملة.
* ولكن الانقلابيين يزعمون أنه ليست هناك أي أزمات في العملة الصعبة؟
** يكون هذا الكلام صحيحًا عندما يكون متاحًا لأي شخص مهما كان أن يذهب إلى البنك ويأخذ كمية الدولارات التي يريدها حتى لو بالملايين لتمويل الاستيراد مثلاً، دون أن يرفض موظف البنك إعطاءه أو يحدد مبلغ معين أما إذا كان غير ذلك فيعني أن هناك أزمة في العملة.
* ما أثر ارتفاع سعر الدولار المباشر على المواطن؟
** الأثر المباشر على المواطن يتمثل في ارتفاع أسعار السلع المستوردة فمثلاً نحن نستورد (الزيت والفول والعدس، الذرة، الملابس، الحديد الخام، الأدوية) ومنتجات كثيرة جدًّا سواء كانت غذائية أو غير غذائية، فمثلاً عند استيراد الملابس كان سعر (التي شرت) بـ10 دولار أي ما يعادل 70 جنيهًا بسعر الصرف الرسمي، ولكن النهاردة سـعر الصرف أصبح 7,5 جنيهات، فالمستورد سيدفع في (التي شيرت) 75 جنيهًا، هنا سيتم تحميل فرق سعر السلعة على المواطن.
وهذا سيزيد رغم أن سعر السلعة كان في الخارج ثابت، أما الآن فأسعار السلع الغذائية في الخارج زادات خلال شهري فبراير ومارس طبقا لمنظمة الفاو.
أين الدعم الخليجي؟
* بالرغم من تدفق الأموال الخليجية الداعمة للانقلاب إلا أن هناك نقصًا كبيرًا في الاحتياطي النقدي الأجنبي.. ما سبب ذلك؟
** الانقلاب استلم الاحتياطي النقدي الأجنبي 15 مليار دولار ، وفي آخر مارس 2014 بعد 9 شهور من الانقلاب وصل إلى 17,4 مليار، أي أن هناك زيادة قدرها 2.4 مليار دولار ، لكننا نعرف أن الخليج أعطي الانقلاب معونات وودائع بحوالي 11 مليار طبقًا لما أعلنه الببلاوي، المفترض أنه جاء 5 مليارات مواد بترولية، كنت ستضطر لشرائها، فتم توفير 5 مليارات، والإمارات أعطت الانقلابيين 1 مليار دولار منحة، والدول الثلاث (السعودية، الإمارات، الكويت) وضعت 6 مليارات دولار كودائع بمقدار كل دولة 2 مليار دولار، فكان من المفترض المليار المنحة الإماراتي بالإضافة إلى المليارات الـ6 يكون 7 مليارات دولار، يضافوا إلى الاحتياطي الموجود الـ 15 مليار فيكون هناك 22 مليار دولار كاحتياطي وليس 17,4 مليار دولار، كما أن المليارات الـ5 وفروا لحكومة الانقلاب فائض، فمعني أن الاحتياطي يزيد فقط 2,4 مليار فهذا يعني أن هناك تناقص حقيقي في الاحتياطي النقدي الأجنبي.
* المفترض وفقًا لذلك أن يكون الاحتياطي النقدي الأجنبي 22 مليار دولار بدون حساب الـ 5 مليارات التي خصصت للمواد البترولية.. أين ذهبت هذه المليارات؟
** لا يوجد أي تصريحٍ رسمي يفسر زيادة الاحتياطي 2,4 مليار دولار فقط بالرغم من ضخ 7 مليارات دولار من الخليج بالإضافة إلى الـ 5 مليارات التي وفرتها المواد البترولية، ويجب على الحكومة الانقلابية أن تصدر بيان للشعب توضح فيه أين ذهبت هذه الأموال.
* ألا يمكن أن يقال إنها ذهبت لتمويل أقساط الدين الخارجي وشراء سلع غذائية؟
** إذا كان المبرر أنهم دفعوا فلوس فوائد وأقساط الدين الأجنبي فهذا أمر معتاد وليس جديد، فهو قسط ثابت يسدد كل نصف عام، وإذا قيل انه ذهب لاستيراد السلع الأساسية مثل (الزيوت، السكر، غيرها)، فهذا كله لن يستهلك هذا الرقم الكبير، فمطلوب أن يكون هناك شفافية أكثر ليعلم الشعب أين ذهبت هذه الأموال.
* كيف يستثمر الاحتياطي النقدي الأجنبي ؟ وما هي أوجه إنفاقه؟
** كان هناك دعوات قديمة لاستثمار جزء من الاحتياطي، تستثمر في أذون الخزانة الأمريكية بالرغم أن فائدتها قليله أقل من 3% ولكن البنك المركزي يلجأ إليها لأن عوامل الأمان فيها أكثر، أما أوجه الإنفاق فالاحتياطي غرضه التدخل السريع في المشاكل، مثلا أزمة المواد البترولية، أو شراء القمح، فهي توظف في الظروف الطارئة، لذا لايحاول البنك المركزي توظيفها في حاجات قصيرة الأجل.
* متى تتوقف التدفقات الخليجية الداعمة للانقلاب العسكري في مصر؟
** المعونات الخليجية بدأت بالفعل في الانكماش يعني الـ6 مليارات الوديعة والمليار دولار المنحة كلهم كانوا في الربع الأول من عمر الانقلاب أول 3 شهور، والـ3 شهور التاليين لم نشاهد تدفقات بنفس الحجم، وأصبحت المسألة قاصرة على دعم المنتجات البترولية.
كما أن وزير البترول في حكومة الانقلاب صرح أن مؤسسة البترول الكويتية ستمنح الانقلابيين مهلة 9 شهور لسداد قيمة البترول الخام التي حصلت عليه حكومة الانقلاب من الكويت، وهذا يشير إلى أن البترول الخام الكويتي له ثمن وليس منحة.
* ما حجم الاستثمارات الخليجية التي وجهت لمصر بعد الانقلاب؟
** الاستثمارات الخليجية التي أتت إلى مصر من الدول الثلاث الداعمة للانقلاب وكان البعض يعول عليها، وأنها ستعوض تراجع الاستثمارات الأجنبية، عندما نري أرقام الاستثمارات التي أتت في الربع الأول من عمر الانقلاب نجد أن الإمارات أعطت للانقلابيين استثمارات بمبلغ 59,5 مليون دولار، السعودية 51 مليون دولار، الكويت 15 مليون دولار بمعني أن إجمالي الاستثمارات التي قدمتها الدول الخليجية الداعمة للانقلاب العسكري 125,5 مليون دولار أي لم تكمل حتى الربع مليار دولار، في حين أن الإمارات تعلن عن أرقام فظيعة.
* ما أسباب انكماش الدعم الخليجي للانقلابيين؟
** هذه الدول لديها أولويات فبعد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب أصبح أمن الخليج هو رقم 1 عند هذه الدول، فمن الأولي أن يساعدوا بأموالهم البحرين (التي بها أغلبية شيعية) وسلطنة عمان ( التى لها علاقات مع إيران).
الأمر الثاني أن هذه الدول لديها مشاكل اقتصادية فالإمارات عليها ديون خارجية تقدر بـ 168 مليار دولار، والسعودية ديونها الخارجية 149 مليار دولار، وتعاني من ارتفاع نسبة البطالة، واستغنت العام الماضي عن مليون من العمالة الأجنبية بها، فهذه الحكومات أصبحت تنظر إلى مشاكلها الداخلية ولم يعد التدفق الذي حدث في الهوجة الأولي بعد الانقلاب بنفس الحجم، ومن الوارد عقب أن يحصل قائد الانقلاب على الرئاسة أن يعطوا له دفعة ولكنها لن تطول بسبب مشاكلهم الداخلية فمثلا هناك بعض الآراء داخل مجلس النواب الكويتي تتحفظ على التوسع في دعم الانقلاب، خاصة وأن المعونات توجه نحو التسليح وقمع المعارضة وشراء قنابل الغاز وأدوات قمع المتظاهرين، وتستخدم لأغراض غير تنموية.
* ولكن ما عوائد دعم الانقلاب بهذه المليارات على دول الخليج؟
** العوائد التي تحصل عليها دول الخليج من دعم الانقلاب تفوق بكثير الـ 11 مليار دولار، فنحن هنا نتحدث عن حماية عروش لأسر حاكمة منذ عشرات السنين، وتريد أن تستمر في مواقعها التي تحصل من خلالها على مئات المليارات من الدولارات نتيجة استحواذها على عائدات البترول.
فالهدف الرئيسي من دعم الانقلاب هو إطفاء الربيع العربي وإطفاء جذوة الدعوة للحريات وتغيير أنظمة الحكم، وإحداث نوع من الإحباط أو اليأس لدي الشعوب في الدول الثلاثة، فتحقيق هذا الهدف بمبلغ الـ 11 مليار هو ثمن بخس لأنها أقل من فقة سلاح من الذي يشترونه ويخزنوه عندهم، واعتقد أن لديهم استعداد أنهم يدفعوا أكثر من ذلك.
* ولماذا هذا الرقم الهزيل الموجه للاستثمارات في مصر من دول الخليج؟
** بالنسبة لما يخص مسألة الاستثمارات فالقطاع الخاص في أي دولة هو الذي بدأ يأخذ الدور الأكبر من الاستثمارات فيها، كما أن مؤتمر الاستثمار الخليجى الذي تم من أكثر من شهر لم يسفر عن مشروع واحد، كما أن لقاء رجال الأعمال المصريين والسعوديين هو الآخر لم يسفر عن شئ، لأن رجال الأعمال حريصين على أموالهم ومن الصعب أن يستثمروا أموالهم في بلد غير مستقر خصوصا أن هناك رفض شعبي لدولهم، وبالتالي دخولهم للسوق ليس بالحماس المطلوب، كما أن أمامهم بدائل في دول أكثر استقرارا وأمنا .
كما أنهم أمامهم صور لأحكام الخصخصة التي صدرت مثل (عمر أفندي – غزل شبين )، فهناك مشكلات موجودة حتى الآن لم تحل، فبالتالي لن يدخلوا أسواق حتى يطمئنوا على البيئة القانونية والتشريعية بها ، كما أنهم يسمعون عن زيادات قادمة في الضرائب على أرباح الدخول.. كل هذه العوامل ستجعلهم يترددون قبل الإقدام على الدخول للسوق المصري.
* بعد سقوط الانقلاب.. ما مصير التعاقدات والاتفاقيات التي منحها الانقلابيون للدول الداعمة للانقلاب؟
** طالما انه لايوجد مجلس نواب حاليا يفتح المجال أمام الطعن على هذه الاتفاقيات مستقبلا، كما أن هذه الشركات متنبهة لهذه النقطة، وبالتالي لايقدموا على أي استثمارات ويلجئون إلى الاستثمار في البورصة فقط باعتبار أنها أموال ساخنة سهل سحبها في أي وقت.
* يراهن مناهضو الانقلاب العسكري على الملف الاقتصادي للقضاء على الانقلاب.. ما أهم العوامل الاقتصادية التي ستنهي الانقلاب؟
** هناك أبعاد تضاف إلى المشهد الحالي ستحد من إمكانية تحقيق أيه نجاحات لحكومة الانقلاب الحالية، فعلي المستوي الدولي مؤشر أسعار الغذاء الذي تصدره منظمة الأغذية والزراعة يشير إلى طفرة في أسعار السلع الغذائية خلال شهري فبراير ومارس، وهذا سينعكس على الأسعار في مصر وإحنا داخلين على شهر رمضان، ودائما المراكب عندما تشحن سلع تصل بعد حوالي شهرين أو ثلاثة، وطبعا أثر هذا الارتفاع في أسعار السلع الغذائية العالمي سوف ينتقل إلى السوق المحلية.
ونلاحظ أنه قبل ارتفاع الأسعار العالمية كانت الأسعار العالمية تنخفض خلال الشهور الماضية ومع ذلك كنا نزيد في مصر بأكثر من 10% فما بالنا الآن لما الأسعار العالمية ابتدت في فبراير ومارس تزيد أو زادت بالفعل، وبالتالي ملف الأسعار سيكون مؤثر جدا، وسيثير سخط شعبي ضد حكومة الانقلاب في الشارع المصري.
الأمر الآخر الواضح تأثيره هي مسألة الكهرباء حيث أن أخر تصريحات لوزير الكهرباء يطلب توفير الكميات المطلوبة من المازوت والغاز لإدارة محطات توليد الكهرباء ويطلب أن الناس تدفع كل ما عليها من المستحقات والفواتير، كما أنه طلب من الحكومة مبلغ لإنهاء عمليات الصيانة للمحطات قبل دخول الصيف، وكان يقول انه فيه طاقات إضافية مقدارها 2400 ميجاوات ستدخل الشبكة قبل بداية الصيف، وقال لو أن هذه العوامل الأربعة اكتملوا سيكون هناك انقطاع في الكهرباء خلال الصيف في الأيام التي ترتفع فيها درجات الحرارة، لأن حرارة الجو المرتفعة تؤثر على قدرة محطات التوليد وبالتالي بتحدث الانقطاعات، هذا بالإضافة إلى الانقطاعات الفجائية الواردة في أي نظام، وهذا يشير إلى أن ملف الكهرباء سيكون من الملفات التي ستؤثر على مصداقية الحكومة الحالية.
وهناك عامل آخر في رفع الأسعار هو أن أسعار تأمين السلع المستوردة في المراكب زاد في مصر بعد الانقلاب العسكري بسبب التوترات الأمنية وعدم الاستقرار.
كما أنه عندما يكون هناك بلد فيه توترات أمنية وعدم استقرار، المكاتب التي تقدم تسهيلات مصرفية للمستوردين في الخارج، ترفع سعر الفائدة، فهذه العوامل ( سعر الصرف، تغير الأسعار العالمية، مصاريف التأمين، رفع الفائدة على التسهيلات المصرفية) تؤثر في رفع أسعار السلع.
* كيف ترى مصر اقتصاديًّا خلال الفترة المقبلة في ظل استمرار الانقلاب العسكري، واستيلاء قائده على الحكم؟
** أتوقع أن تسوء الأحوال المعيشية، استمرار انقطاع الكهرباء في البيوت، خاصةً أن الاستهلاك يزيد في الصيف أعطال المحطات تزداد أيضًا في الصيف لأسباب فنية، كما أن هناك نقص في الطاقة، حتى عندما حاولوا استيراد كميات بدأو متأخرين وبالتالي ستصل الشحنات متأخرة فأولي الشحنات ستصل في أغسطس وما يلي ذلك حتى ديسمبر ويكون شهر رمضان قد انقضي والاستهلاك فيه يزيد بنسبة 12%، حتى إن شحنات الغاز الـ 6 التي تعاقدت عليها حكومة الانقلاب ليست هي التي تحل أزمة لان الشحنة الواحدة تكفي فقط يوم وثلث.
الأمر الثاني فيما يخص الأسعار، وسيكون هناك زيادة متوقعة في الأسعار كما أشرنا سابقا بسبب زيادة التضخم، وارتفاع الأسعار العالمية، وارتفاع سعر الصرف، ومصاريف التأمين، و ارتفاع فوائد التسهيلات المصرفية.
كما أن الاستقرار الأمني والمشكلات التي تواجه المنتجين المحليين تدفع نحو نقص الإنتاج لأنهم يعانون من عدة مشكلات في التمويل والعمالة، وبالتالي سيكون هناك انكماش في الإنتاج المحلى، فمثلا اللجوء للاستيراد يزيد السعر، والإنتاج المحلي قليل وهو ماينعكس على ارتفاع الأسعار .
كما أن المواصلات ستتأثر أيضا، فمثلا قرار منع استيراد الموتوسيكل لمدة سنة، من شأنه أن يرفع أسعاره وأسعار قطع الغيار، كما أن منع ركوب أكثر من 1 فيؤثر سلبا على الحرفيين والعمال، وكذلك منع التوكتوك .
كذلك موضوع إصدار البطاقات الذكية للمنتجات البترولية وتحديد كمية مدعومة وأخري خارج الدعم، هذا سيؤثر على أسعار خدمات النقل التي هي مكون أساسي في أسعار الدعم كما أن تحديد عدد أرغفة الخبز للمواطنين من شانه أن يزيد من حالة السخط الشعبي ضد حكومة الانقلاب.
فالعوامل المعيشية هي التي ستكون محركة للناس في رفض الانقلاب العسكري والسعي لإسقاطه .
* في حال انتهاء الانقلاب العسكري.. هل ستستطيع أي حكومة منتخبة أن تصعد بمصر من هذا المنحدر السحيق الذي أوقعها فيه الانقلاب؟
** لا يوجد مشكلة في الدنيا ليس لها حل، فمثلا نحن رأينا حكومة هشام قنديل عندما عملت قانون الصكوك كوسيلة للتمويل تخلق نوع من الشراكة بين الناس وبين المشروعات التي يتم تمويلها ويقلل من أعباء الدين على الحكومة التي ستأتي بعد الانقلاب، كما انه عندما يكون هناك استقرار تعود عجلة الإنتاج، ويعود الأمل المحرك لأي مشروع، وبه تتغير البلد كلها، فعندما يكون هناك أمل في المستقبل كل من لديه أموال سيبدأ جديًّا في استثمارهم في مشروعات، ويزيد الإنتاج وتكثر فرص العمل وتدور عجلة الإنتاج بمجرد وجود شئ اسمه الأمل.
كما أن الاستقرار السياسي وانتعاش الاقتصاد يرفع مستوي تصنيف مصر، وتنخفض فوائد التسهيلات المصرفية، وتنخفض تكاليف التامين على الواردات التي من بينها قطع الغيار التي تدخل في سلع، وهذا يقلل من قيمة السلع.
كما أن هناك بعض دول التي ستدخل في المساندة مثل قطر وتركيا، بالإضافة إلى كيانات دولية أخري لا يمكن أن تساهم في دعم الاقتصاد المصري.
* هل تتوقع تحقيق نجاح اقتصادي لقائد الانقلاب العسكري؟
** لا أتوقع له نجاح اقتصادي بالمرة فلم نرَ أي رؤية أو تصور لقائد الانقلاب لحل الأزمة الاقتصادية، فهو يعول فقط على المعونات الخليجية التي من الممكن أن تطيل عمر الانقلاب بعض الشهور لكنها غير كافيه بالمرة لإنقاذه، حجم المعونات 11 مليار دولار، وهو ما يوازي 77 مليار جنيه، عجز الموازنة ممكن يصل إلى 240 مليار، الدين الداخلي حتى ديسمبر الماضي 1652 مليار جنيه، وكل شهر يزيد 22 مليار جنيه في المتوسط يعني إلى اليوم 66 مليار؛ أي أن الدين فاق الـ 1700 مليار جنيه.
كما أن رئيس وزارء الانقلاب غير متخصص اقتصاديًّا، ومن معه من الوزراء ليسوا أصحاب خبرة اقتصادية، ورأينا أداءهم في حكومة الببلاوي، كما أن وزير المالية الانقلابي بعد توليه بأيام أعلن أنه سيلغي الإعفاءات الضريبية الموجودة في القانون، ومضى أكثر من شهر وهو صامت، وواضح أنه أتت له تعليمات ألا يقدم على هذه الخطوة في الوقت الحالي، وواضح أنه اذا تم سيحدث ارتباك في السوق وسيزيد الأعباء عليهم مأزق الدين الكبير، العجز في الموازنة.