- القانون الدوليُ سيحاكم قادة الانقلاب والمسئولين عن القتل
- الزند أعد خطة مسبقة للانقلاب لملاحقة مؤيدي الشرعية
- قادة الانقلاب يقدمون تنازلات للقوى العظمى والصهاينة
- كل ما ترتَّب على الانقلاب العسكري من آثار باطلة قانونًا
- أزمة القضاء سببها أنظمة الحكم العسكري طيلة 60 عامًا
- الملاحقات القضائية كانت أحد ركائز خطة الإطاحة بالشرعية
- الانقلاب ورث القضاء الفاسد من المخلوع واستخدمه لقمع معارضيه
- مهمة النيابة الآن في مصر التوقيع على قرارات الحبس وتجديدها
- أقول للقضاة إن الذي أذل وقتل إخوانكم لن يتورع عن إذلالكم وقتلكم
حوار: شيماء الجنبيهي
"إن في مصر قضاة لا يخشون إلا الله".. هتاف طالما هتف به الكثيرون خلال عهد الانتخابات المزورة أملاً في وجود قضاة لا يقبلون بالتزوير، والآن في عهد الانقلاب يهتف المتظاهرون بذلك الهتاف مقدمين التحية لعددٍ كبيرٍ من القضاة الذين ناصروا الشرعية ورفضوا الانقلاب عليها ورفضهم لكل المساومات التي تقع عليهم من جانب قادة الانقلاب وعدم خشيتهم من قول كلمة الحق في وجه الظالم.
المستشار عماد أبو هاشم رئيس محكمة النقص وأحد أبرز قيادات تيار الاستقلال القضائي وعضو المكتب التنفيذي لحركة (قضاة من أجل مصر)، كان واحدًا من هؤلاء القضاة الذي صدق فيهم هذا الهتاف.
(إخوان أون لاين) التقى به ليعرف رؤيته في الأحداث الجارية وتحليله لما يحدث منذ 3 يوليو حتى الآن.
ويكشف المستشار عماد أبو هاشم في الحوار، أن المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة والمحسوب على جهة الانقلابيين كان يعلم بقرار حلِّ مجلس الشعب قبيل صدور قرار المحكمة بالحل، فإلى تفاصيل الحوار:
* في البداية ما رأيك القانوني في بيان الرئيس مرسي الذي صدر مؤخرًا كأول بيانٍ بعد اختطافه؟
** إن بيانَ الرئيس مرسي للشعب المصري يكشف بجلاء ثبات الرئيس وتمسكه بشرعيته كرئيسٍ منتخبٍ وفق انتخاباتٍ شهد مؤيدوه ومعارضوه بنزاهتها، ويبلور حقيقة ما حدث في الثالث من يوليو هذا العام بأنه انقلاب عسكريٌ، ينحدر به البطلان إلى حدِّ الانعدام، وبالتالي فإن كل ما ترتب عليه من آثارٍ يكون- بالضرورة- منعدمًا هو الآخر؛ لأن ما بُني على باطلٍ فهو باطلٌ، وأدلل على ذلك بأن الدستور القائم- الذي حصد أغلبيةً تاريخيةً من الأصوات الصحيحة للناخبين- لم تتضمن نصوص مواده ما يبيح للقوات المسلحة التدخل- تحت أيِ مسمىً وبأي شكلِ- في شئون الحكم أو تعطيل العمل بنصوصه، بل إنه ألزم كل أجهزة ومؤسسات الدولة بالحفاظ على الشرعية، وبذلك فإن ما أقدم عليه العسكر لا يعدو إلا أن يكون انقلابا لا سند له من القانون، وإذا كان الدستور قد حصد أغلبية أصوات الناخبين الصحيحة فإن ذلك الانقلاب لا يستند إلى إرادةٍ شعبيةٍ تمنحه الشرعية، بل إن الإرادة الشعبية منذ الثلاثين من يونيو حتى اليوم تقف منه موقف الرفض التام رغم استخدامه أبشع صور القمع التي عرفتها الإنسانية من إبادةٍ وقتلٍ وحرقٍ وحبسٍ واعتقالٍ، وتؤكد- يومًا بعد يومٍ- استمرارية وجودها بشكلٍٍ متنامٍ، وبصورةٍٍ سلميةٍ تفضح أن استخدام القوة لقمعها لا مبررَ له إلا أن الانقلاب يسعى لصنع شرعيةٍ زائفة باستخدام القوة المفرطة.
* ولكن البعض يذهب إلى أن ما حدث مثلما حدث في 25 يناير حينما أمسك الجيش بزمام الأمور وتلا بيان تنحي مبارك.. فهل هناك تشابه؟
** لا وجه للمقارنة بين ذلك الانقلاب وثورة الخامس والعشرين من يناير؛ ذلك أن ثورة يناير كانت تستند إلى إرادةٍ شعبيةٍ حققت مطالبها الثورية بتنحي مبارك عن الحكم دون تدخلٍ
ن الجيش أو الشرطة لنصرتها، في حين فشلت تحركات العسكر في إرغام الرئيس مرسي على التنحي، كما فشلت في فرض الأمر الواقع على الشعب، وكل ما فعلته هو اختطاف السلطة بالقوة دون سندٍ شرعي.
* وماذا عن تعطيل العمل بالدستور تحت ذريعة رفض الكثير من القوى السياسية له؟
** القول بأن الدستور قد عُطِّل العملُ به بإرادة النخبة التي تواطأت مع الانقلاب، فمردودٌ عليه بأن تلك النخبة لا تملك تعطيل إرادة الأمة التي أفرغتها في دستورٍ يُعبِّر عنها، وأن
لأخيرة- وحدها- هي صاحبة الكلمة العليا في هذا الأمر دون وصايةٍ من أحد، وعلى كلٍ فإنه لا خلافَ على أن الدستور كان قائمًا وقت إعلان الانقلاب، وبالتالي فإن قواعده هي التي تحكم كل الأعمال والتصرفات والمراكز التي تنشأ في ظلِّه، وهو ما يؤكد أن الدستور هو الذي يحكم الوضع القانوني للانقلاب طالما نشأ ذلك الوضع في ظله، الأمر الذي يصم الانقلاب وما ترتب عليه من آثارٍ بالبطلان الذي ينحدر إلى العدم، ذلك أنه أنشأ وضعًا مخالفًا للدستور المعبر عن إرادة الأمة.
* يظن الانقلابيون أن بمساندة أمريكا وروسيا والكيان الصهيوني وبعض العرب حصلوا على التأييد الدولي؟
** على الصعيد الدولي فإن الغالبية العظمى من دول العالم لم تعترف بشرعية؛ ذلك الانقلاب، بل إن أغلبها صرَّح بأن الوضع الراهن في مصر ليس إلا انقلابا على الشرعية، وبالتالي
إن ذلك الانقلاب قد افتقد إلى ما يمكن أن يركن إليه لتبرير وجوده على كل الأصعدة القانونية والشعبية والدولية؛ ما جعل الطريق الوحيد المتاح أمام قادة الانقلاب في مصر هو تقديم تنازلاتٍ للقوى العظمى في العالم والكيان الصهيوني لدعم وجوده على الأرض، كإسناد تأمين قناة السويس إلى شركةٍ يهودية، أو إنشاء قواعد عسكرية لروسيا في مصر وما خفي كان أعظم، ومحاولة تشويه رموز الوطن ورئيس الدولة الشرعي كالتقول عليه بأنه أجرى مقابلاتٍ مع مسئولين عسكريين أو أنه أصدر تصريحاتٍ تخيب الآمال فيه، لكن بيان الرئيس الأخير قطع ألسنة المتقولين، ورد كيد الخائنين، وأكد شرعية الرئيس مرسي.
* بعد مجازر قتل المتظاهرين ورافضي الانقلاب هل يمكن محاكمة قادة الانقلاب دوليًّا؟
** أما عن المسئولية عن ارتكاب هذه الجرائم، فإن المادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لا تجعل الصفة الرسمية للشخص- كرئيسٍٍ أو مسئولٍٍ في الدولة- مانعًا من
لعقاب، ولا تجعل من ذلك سببًٍا لتخفيف العقوبة التي تُوقَّع عليه، ومن ثمَّ فإن تمتع الشخص بالحصانة خارجيًّا أو داخليًّا لا يُؤثِّر في مسئوليته الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، كما أن المادة 28 تقرر أن ارتكاب الشخص للفعل المكون لإحدى الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة لا يعفي رئيسه من المسئولية الجنائية أمام المحكمة إذا علم أو قامت لديه دلائل معقولة أن ذلك الشخص يستعد لارتكاب الجريمة أو ارتكبها دون أن يتخذ الرئيس الإجراءات اللازمة لمنع ذلك الفعل أو المعاقبة عليه، فضلاً عن أن المادة 33 لا تعفي الملتزم قانونًا بتنفيذ الأوامر من المسئولية أمام المحكمة إذا كان يعلم أن تلك الأوامر غير مشروعة، وكانت الأوامر غير مشروعة بطريق واضحة، وافترض النص أن الأوامر الصادرة بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية غير مشروعة بطريقة واضحة أي أنه افترض العلم بأن الأوامر الصادرة بارتكاب هاتين الجريمتين غير مشروع بما يرتب المسئولية الجنائية لدى المحكمة، فلا يجوز الدفع بانتفائها تأسيسًا على صدور أوامر من سلطةٍ أعلى إذ لا طاعةَ لمخلوقٍ في انتهاك حقوق الإنسان.
الأمر الذي لا يمكن معه لوزيري الدفاع والداخلية أن يتنصلا من مسئوليتهما الجنائية عما وقع من جرائم بعد انقلاب يوليو استنادًا إلى الزعم بتفويض الشعب لهما، لأنه- كما أسلفنا القول- لا توجد سلطة تلزم الشخص بارتكاب مثل ما ارتُكب من جرائم ولا حتى سلطة الشعب، فضلاً عن أن هذا الزعم من مرسل القول الذي لا دليلَ عليه، كما أنه غير منضبطٍ على النحو الذى ينهض كدليلٍ على تحقق أغلبيةٍ في التفويض باقتراف تلك الجرائم، ومن ناحية أخرى فإن ما يُسمَّى بالرئيس المؤقت، وهو- من حيث الشكل- صاحب السلطة الفعلية لا يستطيع التنصل من مسئوليته بالدفع بأنه لم يصدر الأوامر إلى وزيري الدفاع والداخلية بارتكابها؛ لأنه علم، وقامت لديه دلائل معقولة أنهما يستعدان لارتكابها، هذه الدلائل مستمدةٌ من التمثيلية الدرامية التي قاما بها طلبًا للتفويض من الشعب، بل إنه أعلن مباركته وموافقته على هذا الطرح، وهو بذلك لم يتخذ الإجراءات اللازمة لمنع تلك الجرائم أو المعاقبة عليها، وأخيرًا فإن المنوط بهم تنفيذ الأوامر قد افترض النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية علمهم بعدم مشروعية تلك القرارات ورتب مسئوليتهم الجنائية عما يسفر عنه تنفيذها من جرائم.
طبقًا لقانون العقوبات المصري فإن جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي ارتكبت في حق المتظاهرين السلميين يُعاقب عليها بالإعدام وفقًا للمادة 230 من قانون العقوبات، أما بالنسبة للعقوبات المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن العقوبات تتراوح- وفقًا لنص المادة 77- ما بين السجن المؤقت بما لا يجاوز ثلاثين عامًا على الأكثر والسجن المؤبد مدى الحياة فضلاً عن الغرامة والمصادرة والتعويض؛ وذلك في حالة مثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية.
* كيف ترى النظام القضائي الآن؟ وهل أخطأ الرئيس مرسي ونظامه في الدخول في صدام مبكر مع القضاة بإصدار قانون السلطة القضائية الذي يقلل سن التقاعد إلى الستين مما كان سيتسبب في عزل مئات القضاة؟
** إن أزمة النظام القضائي في مصر ليست وليدة اليوم أو أمس، بل هي سابقة في وجودها على فترة حكم الرئيس مرسي بعشرات السنين، إنها أحد أكبر المشكلات التي خلَّفتها الأنظمة العسكرية التي حكمت مصر قبل مرسي، ويكرسها الانقلاب اليوم لخدمة مصالحه، ويعمل لاستمرار بقائها، وإضافة أبعادٍ جديدةٍ لها، لتبقى دون حلٍ، إن السياسة التي انتهجها حكام مصر ما قبل مرسي في التعامل مع القضاء، كانت تقوم على الانتقائية في شغل الوظائف القضائية، فلم يكن معيار الاختيار قائمًا على أسسٍ موضوعية كالكفاءة الفنية والكفاية الشخصية، بل كان انتقائيًّا بحتًا يقوم على أسسٍ شخصية تجعل التعيين يكاد يكون قاصرًا على أبناء بعض النخب التي ترتبط- بشكلٍ أو بآخر- بالنظام الحاكم، ليس هذا فحسب، بل كان شغل الوظائف القضائية العليا كالنائب العام والمحامين العموم ورؤساء المحاكم الابتدائية والمفتشين القضائيين في النيابة العامة ووزارة العدل واستمرارهم- انتقائيًّا هو الآخر وقائمًا على مدى انصياع هؤلاء لما يلقى إليهم من تعليمات، وهو ما كان يضمن لأنظمة ما قبل مرسي الهيمنة الكاملة على مفاصل السلطة القضائية، فضلاً عن أن قوانين السلطة القضائية المتعاقبة كانت تبيح لهؤلاء ولوزير العدل سلطة مطلقة في تضييق الخناق على القضاة وأعضاء النيابة العامة، وفي ملاحقة المارقين منهم عن تنفيذ ما يخالف القانون ويتعارض مع ضمائرهم كالإحالة للتأديب والصلاحية، وإسناد دوائر مكتظةٍ بالعمل وتصيد الأخطاء لهم وغير ذلك الكثير، وأتاح القانون- أيضًا- لهؤلاء سلطة انتداب قضاةٍ لنظر دعاوى بعينها بدلاً من قضاة الدوائر المختصين أصلاً بنظرها وفقًا لقرارات الجمعيات العمومية، كما أن لهم توجيه دعوى بعينها لينظرها- ابتداءً- قاضٍ بعينه دون مبررٍ ظاهرٍ لتلك الانتقائية في نظر الدعاوى، إلا أن يكون الدافع لذلك أمرٌ غير مشروعٍ يسعون لإخفائه، وهو ما يلقي بظلالٍ كثيفةٍ من الشك والريبة على ما يصدر من أحكام في تلك الدعاوى.
وأذكر قبل ثورة يناير حين كنت رئيسًا لمحكمة جرجا الجزئية، وأصدرت حكمًا غيابيًا بحبس محافظ سوهاج- وقتئذٍ- وعزله من منصبه لارتكابه الجنحة المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة 132 من قانون العقوبات لامتناعه عمدًا عن تنفيذ حكمٍ قضائي يدخل تنفيذه في اختصاصه بعد مضي ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر، وكنا في محاكم الصعيد نقوم بأجازةٍ أسبوعًا كل شهر، عينت الجمعية العمومية للمحكمة- طول العام القضائي- قاضٍ آخر بالمحكمة ليحل مكاني في تلك الأثناء، على أن أحل مكانه أثناء قيامه بإجازته الشهرية التى تكون أسبوعًا غير الأسبوع الذي أقوم فيه بالإجازة، وبعد أن أصدرت الحكم المشار إليه، قمت بإجازتي الشهرية المحددة لي وفقًا لقرار الجمعية العمومية، ففوجئت أن محافظ سوهاج عارض الحكم الغيابي الذي أصدرته, وحددت جلسة لنظر معارضته أثناء قيامي بالإجازة، ووفقًا للقانون فإنني المختص بنظر معارضته أو القاضي الذي عينته الجمعية العمومية ليحل مكاني حتى عودتي من الإجازة، إلا أن الجميع فوجئ بقاضٍ آخر غيرنا ينظر القضية ويحكم فيها بالبراءة في ذات الجلسة، أما باقي القضايا تركت لزميلي الذي كان المفترض أن ينظر الجلسة برمتها ليقرر تأجيلها، كما أصدر رئيس محكمة سوهاج الإبتدائية كتابًا دوريًا يحظر فيه على الموظفين إدراج أى جنحةٍ مباشرةٍ ضد موظفٍ عامٍ بالجلسات إلا بعد عرضها عليه ليعين بنفسه القاضي الذي سينظرها.
وأذكر أنه في تلك الأثناء طلب التفتيش القضائي جميع الدعاوى التي فصلتُ فيها منذ أول العام القضائي في محاولةٍ لتصيد خطأٍ فيها، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، وكان وقتها المستشار محفوظ صابر- رئيس لجنة التأديب التي نمثل أمامها الآن- هو مساعد وزير مبارك ممدوح مرعى لشئون التفتيش القضائي، وفي العام القضائي التالي فوجئتُ بنقلي لدائرةٍ لم أكن أرغب العمل فيها، وفوجئتُ بأني رئيس المحكمة الجزئية الوحيد الذي سُلب منه اختصاص نظر الجنح والمخالفات، وأن اختصاصي يشمل دعاوى تفوق أضعاف ما يختص به زملائي، وبعد قيام ثورة يناير أخبرني مساعد رئيس المحكمة أن الأخير أخبره أن وزير العدل- وقتئذ- المستشار ممدوح مرعي ومساعده لشئون التفتيش المستشار محفوظ صابر أجبراه على نقلي لهذه الدائرة ووضعا بنفسيهما لها اختصاصًا واسعًا في محاولةٍ منهما لتصيد أخطاءٍ ظنًّا أني سأقع فيها نظرًا لتكدس الدائرة بالدعاوى، لكن هذا لم يحدث، وبقيت صفحتي بيضاء، وقد حدثت مضايقاتٌ كثيرة بلغت مبلغًا خطيرًا سأذكرها تفصيلاً في حينه .
أما بالنسبة لتعديل قانون السلطة القضائية الذي كان من بين نصوصه نصٌ لتخفيض سن القضاة، فإن من الإجحاف نسبة ذلك إلى الرئيس مرسي، فلم يكن هو الداعي لها بل مجلس الشورى الذي كان مخولاً- وفقًا للدستور- بالتشريع حتى انعقاد أولى جلسات مجلس الشعب بعد انتخابه، ولم يكن الرئيس مرسي- وقتها- مرحبًا بتلك التعديلات، إلا أنه لم يكن يملك التدخل في شئون التشريع وإثناء مجلس الشورى- الممثل الشرعي الوحيد لرأى الأمة- عن ذلك الأمر، وقد طالبناه في حركة قضاة من أجل مصر بعدم محاولة التدخل بحسبان أن ما نحا إليه مجلس الشورى يُعبِّر عن مصلحةٍ عامة في التحوط من كل ما يمكن أن يمس العمل القضائي من نقصٍ أو قصورٍ نتيجة مد سن التقاعد للقضاة إلى السبعين، وما يمكن أن ينجم عن التقدم في السن من خللٍ محتملٍ في الأداء الوظيفي للقاضي، وهو أمرٌ مرفوض، أما رغبة بعض القضاة الذين يطالهم تخفيض السن في البقاء في مناصبهم فهي من المصالح الخاصة التي يغلب عليها الصالح العام، وليس من نافلة القول أن أذكر أن الأمر لم يكن قد حسم في مجلس الشورى حول مادة خفض السن وجودًا وعدمًا، ومقدار التخفيض في حالة إقرارها، لقد كان مشروع تعديل قانون السلطة القضائية يحمل إصلاحاتٍ لمنظومة القضاء في مصر بخلاف مادة خفض السن حاربها أصحاب المصالح الخاصة والمغرضون.
أبناء النظام البائد
* كيف ترى أحكام القضاء تجاه المتظاهرين وتجديد الحبس لهم لفترات طويلة؟ وأين دور نائب عام الانقلاب الحالي لاسيما مع الاتهامات الملفقة والواهية لجميع الرافضين للانقلاب؟
** للأسف الشديد ورث الانقلاب نظام مبارك بكل رجاله الذين تربوا في حظيرته على ما يلقي إليهم من فتات، والذين أطلقهم على الشعب ينهشون فيه بلا رحمة، فأصبحوا قوةً ضاربةً
ذورها في كل مؤسسات الدولة، تسلم العسكر من مبارك زمام هذه الشبكة، ومفاتيح استخدامها واللعب بها، والقضاء كغيره من مؤسسات الدولة طاله من الإفساد ما طالها وزيادة، لقد كانت الملاحقات القضائية أحد ركائز خطة الإطاحة بالشرعية التي أعدت قبل تولي مرسي الحكم، وأذكر أن الزند اجتمع بعددٍٍ من القضاة في نادي القضاة النهري وكنت- وقتئذٍ- في مداولةٍ قانونية مع زملائي في العمل، فطلب منا الزند المشاركة في الاجتماع، وطلب من الحضور التقدم ببلاغات ضد عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط وعضو مجلس الشعب الذي لم يكن قد صدر الحكم بحله بعد، كما طلب التقدم ببلاغاتٍ ضد المحاميين سامح عاشور ومنتصر الزيات، وكان وقتها الخلاف محتدمًا بينهما وبين الزند بصدد مادة في مشروع قانون السلطة القضائية الذي كان سيقدم إلى المجلس العسكري لإصداره تتعلق بتخويل المحاكم الحق في حبس المحامين إذا بدر منهم ما يوجب الحبس أثناء انعقاد الجلسات، حتى إن الزند كان يذكر الأستاذ منتصر الزيات بأسماء منها: منهزم الزيات، منكسر الزيات، منتحر الزيات، وكان يشدد على ألا يقوم أي من الحضور بتسجيل اللقاء عبر هاتفه الجوال، فقلتُ له إن تقديم بلاغاتٍ في النائب عصام سلطان عبثٌ لأنه يتمتع بالحصانة البرلمانية ، فقال لي بالحرف الواحد إن مجلس الشعب سيصدر الحكم بحله بعدها سيكون عصام سلطان وغيره بلا حصانه، وإن لديه تأكيدات من النائب العام- وقتها- المستشار عبد المجيد محمود أن هذه البلاغات سيتم تحريكها وتقديمها إلى المحاكمة الجنائية، وبعدها بيومين تقريبًا كنتً في نادي القضاة ووجدت نماذج مطبوعة توزع على القضاة تحوي بلاغًا ضد عصام سلطان ومعه عددٌ من نواب مجلس الشعب- وقتئذٍ- ممن كانوا يطالبون بإصلاح منظومة القضاء في مصر، فكيف عرف الزند وتأكد أن مجلس الشعب سيصدر الحكم بحله وأن الحصانة ستسقط عن نوابه وأنه يمكن ملاحقتهم جنائيًا دون اللجوء إلى مجلس الشعب.
ولا أجد أبلغ مما قاله المستشار حسام الغريانى رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق "من كان يتصور بعد عامٍ من حكم مرسي أن يذهب القاضي منزوعَ الهيبة معصوبَ العينيين إلى مكانٍ مجهولٍ ليحقق مع معتقلٍ أو متهمٍ؟ من الذي سمح لسلطةٍ منقلبةٍ غير منتخبةٍ أن تسقط عنا الهيبةَ؟ كيف تسمح النيابةُ ألا يُعرض المتهمون عليها ولا يُسمح للدفاع أن يحضرَ التحقيقاتِ؟ لا تُوجد تحقيقاتٌ بل تُوجد قراراتُ حبسٍ احتياطى وتجديدُ حبسٍ على ورقة، مهمة النيابة الآن في مصر أن توقع عليها فقط، من سمح للداخلية أن تركب سلطةَ القضاء هكذا؟ وأين الأصواتُ والحناجرُ التي ملأت قنوات الإعلام نُباحًا أيام الرئيس مرسي لأتفه الأسباب، واليوم يختفون ويختبئون رغم أن ما يُرتكب اليوم في حقِّ قضاة مصر أبشع ما ارتُكب في حقِّ القضاة على مرِّ التاريخ؟!
دعونا نعلنها اليوم صريحةً وواضحةً أن مصر الآن بلا قضاءٍ وبلا سلطةٍ قضائيةٍ، قرارات النيابةِ تأتي مكتوبةً، وبشكلٍ غريبٍ، وغير مبررٍ تستجيب النيابة وتنحني، وتطعن عدالة الدولة بخنجر الظلم، وتساعد الظالم على نشر ظلمه وفرض واقع ظلامي لا يوحي بمستقبلٍ لا لديمقراطية ولا لتطبيق العدالة، وتصبح القوة للسلطان لا للحق.
لذا أقول: يا قضاة مصر أفيقوا فإن القاضي أقوى من السلطان، وكلمة القاضي ترتعش أمامها عروش السلاطين، يا قضاة مصر أقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان، يا قضاة مصر انفجروا في وجه مَن دمَّر قلعة عدالتِكم وهتك عرض هيبتِكم وجعل منكم ظلمةً ومفسدين، يا قضاة مصر أنتم أولى ألا ينال الصمتُ منكم، عارٌ عليكم أن تُسلب منكم الأحكامُ والقراراتُ، أعيدوا الشرعية إلى وضعها، واستعيدوا للناس إرادتَهم وأصواتَهم، فأنتم من أشرف على الانتخابات، وأنتم من استأمنكم الشعب على نتيجة الانتخابات، فلا تكونوا اليوم ظهيرًا لقومٍ مجرمين،. يا قضاة مصر فليكن كل قاضٍ اليوم منكم نصيرًا للمستضعفين. "
* وما رأيك في قانون التظاهر الجديد؟
** إن قانون التظاهر الجديد هو أحد أدوات القمع التي يحاول الانقلاب أن يتستر وراءها، وعبثًا يحاول، وأود أن أسال واضعيه، ماذا تظنون بشعبٍ لا يخاف فيه النساء والأطفال
صاصاتكم ونيرانكم ومعتقلاتكم وسجونكم؟ فما بالكم بالرجال؟ أيخشون- بعدما بان لكم من شجاعة النساء والأطفال- قانونًا يحظر عليهم التظاهر سلميًّا للتعبير عن رأيهم، لقد وصل بكم الحال إلى تعقب الأطفال في مرحلة التعليم قبل الإلزامي، فهل ستقدرون على إسكات آبائهم الذين ربوهم على الشجاعة والبطولة، لقد أرعبتكم هتافات النساء اللاتي يًنشَّأن في الحلية وهن في الخصام غير مبينات، فماذا ستفعلون مع رجالٍ تربوا في حجورهن وأرضعنهم حب الموت في سبيل الله والوطن؟!!
* هل ترى أن الانقلاب ينهار ويتساقط لاسيما مع صمود الشعب الرافض له؟
** إن التاريخ يثبت يومًا بعد يومٍ أن إرادة الشعب من إرادة الله، لأن الأمة لا تجتمع على باطلٍ، فهل ستنجحون في تغيير قدر الله الذي أراد لهذه الأمة أن تتحرر من براثنكم، تحصنوا
يفما شئتم وأغلقوا رياض الأطفال والمدارس والجامعات، فأنتم كمن يُحْكِم إغلاق قدرٍ به ماء على نارٍ موقدة، لابد لهذا القدر أن ينفجر في وجهه كلما أوقد النار تحته، فكلما ازددتم عنفًا ازداد الشعب صمودًا، وكلما ازددتم قتلاً ازداد الشعب إقدامًا، وكلما ملأتم سجونكم ومعتقلاتكم تحرر الشعب من أغلال الماضي البغيض، وكلما أمعنتم في الفساد والقمع اقترب النصر ولاحت الحرية.
* وما رسالتك لقضاة مصر لاسيما أن القضاء هو أساس العدل في الوقت الحالي؟
** أقول لقضاة مصر، إن الذي أذل وقتل الناس الذين تعيشون بينهم، لن يتورع عن إذلالكم وقتلكم، لأنه أحمق جاهلٌ مغرورٌ متغطرسٌ، كما استعان بكم لإخضاع الناس، سيستعين
غيركم لإخضاعكم، وكما جعلكم سيوفًا على رقاب الأبرياء، سيكون سيفًا على رقابكم، وكما حنث بيمينه مع غيركم، سيحنث بيمينه معكم، وكما انقلب على الشرعية فلن يعبأ بأحكامكم.
يا قضاة مصر إن التاريخ لن يُكتب برصاص القناصة في ثكنات العسكر، سيكتب التاريخ بدماء الشهداء في ساحاتِ الملاحم، إن التاريخ يكتبه العامةُ في الميادين والشوارع، لا النخب في المكاتبِ القصور، فاحفظوا مكانتكم في تاريخ الوطن، واعلموا أن الناس هم من أنزلوكم هذه المنزلة، ورفعوكم إلى هذه المكانة، بعدما حاز أسلافكم على ثقتهم بما أرسوه من عدلٍ ألزموا به الحاكم قبل المحكوم، فلا تضيعوا هذه الثقة، لا تخذلوا الأمة فيكم، ولا تكونوا للشيطان وليًا يا قضاة مصر إن في رقابكم حقوق العباد، ودماء الشهداء، أنتم ولى من ولى له، وأنتم ظل الله في الأرض، إن آلافًا من القتلى والجرحى والثكالى واليتامى ينتظرون عدلكم، ليس بينهم وبينكم إلا الله، وليس من رقيبٍ عليكم سوى ضمائركم، فطهروا أنفسكم، واتقوا الله، واحكموا بالعدل، وقولوا قولًا سديدًا، هل أدلكم على ركنٍ حصين، ما لاذ به بشرٌ إلا عُصم وعز وربح، وحفظ الله ذريته من بعده؟ إنه ركن الله المنيع قال تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).