تثير محاولة اغتيال "الرنتيسي" تساؤلات عن مستقبل الدور المصري كوسيط بين الأطراف الفلسطينية, حيث تدفع هذه المحاولة باتجاه تدهور العلاقات بين الفلسطينيين من جهة, وبين حركات المقاومة وإسرائيل من جهة أخرى, بصورة يصعب معها التحكم في هذه التطورات. ويذكر أن مصر كانت في الطريق نحو الإعداد لجولة جديدة من المباحثات تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين؛ مما يؤدي إلى وقف العمليات العسكرية ضد الإسرائيليين, وهذا ما يتطلب خضوع حركات المقاومة للحكومة الفلسطينية والارتباط بأهدافها وبرامجها.
وإزاء تعقد الأوضاع ما بعد بيانات العقبة, أعلنت مصر عن نيَّتِها إرسال مبعوث للالتقاء بالفصائل الفلسطينية وبمسئولي السلطة؛ من أجل بدء التفاهم حول التكيف مع مشروع التسوية الجديد (خريطة الطريق), وتنفيذ المرحلة الأولى منه, ويبدو أن الوقت غير ملائم لإرسال مبعوث مصري.
وقد سبق لمصر أن استضافت جولات حوار بين الفصائل الفلسطينية, كان آخرها في يناير الماضي, وقد اكتسبت مصر مصداقيتها من كونها طرفًا أقرب للحياد في مسائل العلاقة بين الفصائل الفلسطينية, وهذا ما كان دافعًا لاحترام الفصائل للدور المصري في هذا النطاق.
ورغم عدم تحقيق هذه الحوارات نتائج ملموسة إلا أنها أبقت على عنصر هام, وهو أن الدور المصري قائم ومقبول، وتستطيع مصر استكشافه في أي وقت تشاء, وهذا يرجع إلى أن مصر لم تكن عنصر إكراه على أيٍّ من الفصائل الفلسطينية, وهذا ما يفسّر قبول الفصائل الفلسطينية للدور المصري, رغم الاختلاف على منطلقات التفاوض التي تشترط وقف العمليات ضد الإسرائيليين, وإدماج الفصائل في السلطة الفلسطينية.
وكانت آخر حالة توسط مصرية بين الفلسطينيين, هي في تسوية الخلاف بين "عرفات" و"أبو مازن" حول تعيين شخصٍ "وزيرًا للداخلية", وكان الهدف الوصول إلى حل وسط يؤمِّن الجزء المتبقي من سلطة "عرفات" ويمنح "أبو مازن" فرصةً ملائمة لبدء البرنامج الأمني لحكومته.
ومن الملاحظ أن مصر ربما أحرزت تقدمًا في تلك الفترة- كوسيط بين الفلسطينيين- إلا أن هذا الدور يواجَه بتحديات في الوقت الحاضر, قد تؤدي إلى إلغائه بشكل كامل, الأمر الذي يفرض ضرورة البحث عن خيارات أخرى للدور المصري.
فقد لوحظ وجود تطابقٍ في الرؤى المصرية الأمريكية الإسرائيلية والفلسطينية الرسمية حول تحديد مضمون الإرهاب, فقد توافق الجميع على إدانة "الإرهاب أيًا كان مصدره أو هدفه", ووفقًا لهذا التحديد فإنه يمكن اعتبار حركات المقاومة الفلسطينية حركاتٍ إرهابية, وبتقدير الموقف المصري إزاء المقاومة يمكن القول أنه قد لا يحظى بالرضا من وجهة نظر الفلسطينيين؛ لأنه لا يوفر مناخًا مواتيًا للتعاون مع المحاولات العربية للتوسط, حيث تعده فصائل المقاومة موقفًا لا يصب في صالحها, وهو ما يمكن أن تكون له دلالة عميقة وسلبية أيضًا في ظل التطورات الحالية, حيث إن السلطة الفلسطينية تفرط في الاستعداد لكبح المقاومة, وإن الأطراف الأخرى على استعداد لعمل الشيء ذاته.
إن النتيجة المنطقية للتطورات الحالية تتمثل في انهيار أي مشاريعِ بدءِِ حوار بين الفلسطينيين, وإن رغبة بعض الأطراف في تفكيك المقاومة قد يعود بضررٍ مباشرٍ على أطرافٍ كثيرةٍ على المستوى العربي.