https://ikhwanonline.com/article/266140
السبت ٢٥ رجب ١٤٤٦ هـ - 25 يناير 2025 م - الساعة 02:48 م
إخوان أونلاين - الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمون
البيت السعيد

المربع الذهبي حلٌّ للخلافات الزوجية

المربع الذهبي حلٌّ للخلافات الزوجية
الجمعة 6 ديسمبر 2024 03:33 م
بقلم: د. سمير يونس

نشرت الصحف خبرًا مفاده أن رجلاً من جنسية شرق آسيوية دفع حياته ثمنًا لخلافات زوجية، وفق اعترافات زوجته الشرق آسيوية أيضًا؛ حيث أقرَّت الزوجة في تحقيقات النيابة بأنها خطَّطت للجريمة، ثم انتظرت اللحظة الأخيرة المناسبة بعد أن جهَّزت أدوات الجريمة، وانقضت على الزوج على حين غفلةٍ منه، وطعنته في عنقه، ثم قطَّعته إلى أجزاء، وتخلَّصت من جثته؛ وذلك بإلقائها في المنطقة الصناعية بإمارة الشارقة؛ بمساعدة أحد معارفها!!

 

ولما سُئلت عن سبب اقترافها هذه الجريمة قالت المتهمة (س. ص. أ) أنها عاشت عشر سنوات في تعاسة بسبب الخلافات الزوجية اليومية، وأن زوجها لم يسمح لها بالحوار الذي تنفس بها عن آلامها ومتاعبها، عسى أن يتوصلا إلى حل، فباغتته بطعنة قاتلة في رقبته، شلت حركته، ولم يستطع المقاومة بسبب النزيف الحاد، وحاول الاستغاثة إلا أن صوته تحشرج، وما هي إلا دقائق معدودات حتى فارق الحياة!!

 

وذكرت الزوجة أنها بعد أن تأكدت من موت الزوج، قطَّعته بالساطور أجزاء صغيرةً، لفتها بقطعتين من القماش، ووضعتهما في حقيبتين، واتصلت بأحد معارفها من جنسية زوجها، وساعدها على نقل الزوج المقتول، وفي المنطقة الصناعية بالشارقة وضعت الزوجة جثة زوجها في شاحنة "بيك آب"!! ثم لاذت بالفرار هي وصديقها!!

 

إن هذه الحادثة تدفعنا لأن نفكر في الأمر بجدية وروية، فكثير من الأزواج، يتركون الخلافات الزوجية تتفاقم غير مبالين بعواقبها، وهم لا يدركون أنها بمثابة برميل بارود ترتفع حرارته تدريجيًّا كلما نشب خلاف جديد بين الزوجين.

 

والمحلل للخلافات الزوجية يجد لها أسبابًا، وبالنظر إلى دواعي الخلافات الزوجية وأسبابها، يتضح أن بالإمكان حلها أو احتواءها والتعامل معها بما يسميه خبراء التنمية الأسرية "المربع الذهبي في الحياة الزوجية".

 

فما المقصود إذن بالمربع الذهبي؟

"بالمربع الذهبي نواجه الخلافات الزوجية"

كثير من المتحدثين في شأن السعادة الزوجية يسرفون في إعلاء العاطفة والجنس، ويصورون العلاقة الزوجية على أنها تقوم فقط على العاطفة والجنس، فإن كانت العاطفة متقدة، والجنس مشبعًا، فهذا يعني أن السعادة الزوجية وفيرة، تظلل البيت وتملؤه، هكذا يزعم كثير من الناس.

 

وبرغم انتشار هذا الاتجاه في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة؛ فإن البيوت لا تزال بينها وبين السعادة خصومة ونفور!!

 

لا أقصد بكلامي هذا أن أقلل من تأثير العاطفة والجنس في تحقيق السعادة بين الزوجين؛ ولكن ما أقصده أن العاطفة والجنس لا يمكن أن يحققا وحدهما السعادة الزوجية، وأراهما زاويتين في المربع تحتاجان لزاويتين أخريين، كي تكتمل زوايا المربع، فما الزاويتان الأخريان المتممتان لزوايا المربع؟

 

إنهما العقل والنجاح، فمربع السعادة الزوجية الذي به نحل خلافاتنا الزوجية يتكون من 4 زوايا أساسية هي: العقل، والعاطفة، والجنس، والنجاح في الحياة.

 

وبناءً على ذلك فإن أي اضطراب في جانب من هذه الجوانب لا شك أنه سيؤثر سلبًا على الجوانب الأخرى، وسيحدث خللاً في العلاقة الزوجية.

 

1- العقل وحل الخلافات الزوجية:

فالعقل يوقظنا من الإسراف في أحلامنا، ذلك أن الشريكين يحلم كل منهما أحلامًا ورديةً قبيل الزواج وفي بدايته، ثم يُفاجأ كل منهما بالواقع، فغالبًا ما يكتشف كل منهما الآخر، ويُفاجأ بالعيوب والسلبيات التي لم تظهر له قبل ذلك، ومن ثم فشيء من التعقل واستشراف الواقع قبل الزواج، والتنبؤ بالسلبيات وتوقعها، يجعل كلاًّ من الشريكين مستعدًا لتقبل عيوب الآخر، كما يجعله أكثر تكيفًا مع الواقع.

 

كما أن العقل- في أثناء الحياة الزوجية- يعين كلا الطرفين على احتواء الخلافات والمشكلات الزوجية، فالعقل يمنح الإنسان الصبر والتحمل، وبعد النظر وعدم التسرع في الأحكام، وتجنب التهور في التصرفات والقرارات، كما أن العقل يؤهِّل كلا الزوجين ليصبح أكثر قدرة على حل المشكلات، وتجاوز المعوقات التي تعترض الحياة الزوجية، وتؤثر سلبًا في السعادة الزوجية.

 

والعقل يساعد الإنسان على التحكم في ذاته، ويمنحه الحكمة ساعة الغضب، ويعينه على حسم الخلاف لصالح الحياة الأسرية، ويجعله يجنح للسلم والحل، ويتجنب التعنت، ويجنب الإنسان السلبية والانسحاب؛ وذلك كله من الحكمة التي هي نعمة عظيمة من نعم الله وخيراته على عباده: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (269)﴾ (البقرة).

 

ولقد اهتم الطبيب النفسي الأمريكي "جونجوتما" بقضية الخلافات الزوجية وحلولها، وأسفرت بحوثه عن بعض التوصيات للزوجين، مردها جميعها إلى العقل والعاطفة، وهي تجاوز الأمور التي تثير العراك والمشاجرة بين الزوجين، وحسن الاستماع للطرف الآخر، وتفادي الوصول إلى مرحلة الانفجار، وتنقية النفس من الأفكار المسمومة.

 

2- العاطفة وحل الخلافات الزوجية:

لا شك أن كلاًّ منا يمر في حياته بمنعطفات وشدائد، فيحتاج وقتها إلى من يتعاطف معه ويؤازره، فإذا حدث ذلك من أحد الزوجين تجاه الآخر فإن تأثيره العاطفي يكون قويًّا، بل قد تعجز كل الوسائل في حل الخلافات الزوجية، وتوصد الأبواب كلها في وجه المصلحين، فيمر أحد الزوجين بمحنة أو شدة أو مرض، فيبادر شريكه بالفزع إليه وإغاثته، والوقوف بجانبه يؤازره ويساعده حتى يجتاز محنته، فتتحول المحنة إلى منحة، وكم من بيوت أصلح الله عزَّ وجلَّ حالها بسبب كهذا، فصدق فيها قول الله تعالى: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 216).

 

وثم نوع آخر من العاطفة بين الزوج وزوجته، هي العاطفة الخاصة، فإذا كانت هذه العاطفة بينهما إيجابية، وكان بينهما حب وثيق صادق، وكان كل منهما وفيًّا للآخر، حافظًا عهده، فإن ذلك سيكون له دور قوي في تجاوز أية خلافات زوجية، فالحبيب دائمًا يتجاوز عن زلات حبيبه، وما أشبه هذا الحب بالحصانة التي تحمي الحياة الزوجية من أية تصدعات وأمراض وخلافات!!

 

كما أن الاتزان العاطفي لدى كلٍّ من الزوجين- ما يقرره علماء النفس والصحة النفسية- يجعل كلا الزوجين قادرًا على تثبيت العلاقة الحميمة بينه وبين شريكه، ويعين الزوجين على إنعاش هذه العلاقة، بل وتنميتها باستمرار، ويحقق قدرًا كافيًا من التفاهم بين الزوجين.

 

وللتغافل والتغافر النابعين من عاطفة زوجية قوية صادقة تأثير كبير في تجاوز الخلافات الزوجية وحلها، وتجنبهما الخصام الطويل، الذي يهدد العلاقة الزوجية برمتها.

 

* الرسول صلى الله عليه وسلم وعاطفة الزوجية!

إن القارئ لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن رسول الإنسانية كان مثالاً يُحتذى في عاطفته مع زوجاته، فكان يواسي زوجته، ويكفكف دموعها، ويقدر مشاعرها ولا يهزأ بكلماتها، ويسمع شكواها ويخفَّف أحزانها.

 

صور نبوية عاطفية:

أ- الشرب والأكل من موضع واحد هو وزوجته:

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها:

"كنت أشرب، فأناوله- النبي صلى الله عليه وسلم- فيضع فاه على موضع فِيَّ، وأتعرق العرق، فيضع فاه على موضع فِيَّ" (رواه مسلم).

 

ب- التنزه مع الزوجة ليلاً:

فقد روى البخاري: "أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع السيدة عائشة يتحدث" (رواه البخاري).

 

ج- يعلن حبه لزوجته:

لقوله صلى الله عليه وسلم عن السيدة خديجة رضي الله عنها: "رزقت حبها" (رواه مسلم).

 

د- الاتكاء على الزوجة وملامستها:

وفي ذلك تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض" (رواه مسلم).

 

هـ- مساعدتها في أعباء المنزل:

فقد سُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم في البيت فقالت: كان في خدمة أهله.

 

و- الثناء عليها:

لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" (رواه مسلم).

 

ز- يحس بمشاعرها:

فمن أقواله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى، أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا، ورب محمد، وإذا كنت عني غضبى قلت: لا، ورب إبراهيم" (رواه مسلم).

 

ح- يتجنب الضرب:

تقول عائشة رضي الله عنها ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة قط (رواه النسائي).

 

ط- يرقيها حال مرضها:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد في بيته نفث عليه بالمعوذات (رواه مسلم).

 

ي- يلعب معها ويسابقها:

حيث سابق السيدة عائشة، فسبقته، ثم سابقها ثانية فسبقها فقال "هذه بتلك" (رواه البخاري).

 

ك- صور أخرى:

وكان صلى الله عليه وسلم يهتم بزوجاته عاطفيًّا، ولا يهجرهن أثناء الحيض، ويتفقدهن في الساعة الواحدة من الليل والنهار، فلا يهملهن، ونهى عن تلمس عثرات الزوجة وأمر بإطعامها مما يأكل الزوج، وكسوتها إن اكتسى، وكان يرفع اللقمة إلى فم الزوجة وحث الأزواج على ذلك، كما كان يحتمل صدود زوجاته ويسمح بمراجعته صلى الله عليه وسلم.

 

3- الجنس وحل الخلافات الزوجية:

الحاجة إلى الجنس فطرة طبيعية في الإنسان تمامًا كالحاجة إلى الطعام والشراب؛ لذلك نظَّمها الشرع، وجعل الزواج الشرعي تنفيسًا لها وطريقًا لإشباعها.

 

وفي أحايين كثيرة يغفل الزوجان أو يتغافلان أهمية هذا الأمر، برغم ما تشير إليه الدراسات الاجتماعية والسرية من خطورته على الحياة الزوجية والأسرية؛ حيث تشير كثير من الدراسات إلى أن الجهل بأصول الجنس والعجز عن ممارسته يؤديان إلى الطلاق؛ لذلك فقد اهتم القرآن الكريم كما اهتمت السنة المطهرة بتوجيه الزوجين في هذا الشأن، فذلك أدعى إلى إيجاد حياة زوجية سعيدة مستقرة، كما اهتم الأطباء بهذا الشأن وتحديد أنواع معينة من المأكولات والمشروبات التي تعين على تحقيق حياة جنسية سليمة بين الزوجين.

 

4- النجاح وحل الخلافات الأسرية:

نجاح أحد الزوجين في أي مجال من مجالات الحياة سيصب في صالح الزوجين، وخاصةً إذا اهتمَّ أحد الزوجين بنجاح الآخر، وشجَّعه، وأظهر قدراته، فقد أكدت الدراسات أن هذا يدعم السعادة الزوجية؛ لأنه يشعر الشريك الناجح بالتقدير والاحترام من قِبل شريك حياته، ويمكن وصف نجاح الزوج أو الزوجة بأنه الفيتامين الذي يغذي الحب، وبذلك يقي الحياة الزوجية من أي خطر يهددها.