شعر أبناء نبي الله يعقوب عليه السلام بميل والدهم إلى أخيهم يوسف ومحبته له، فأثر ذلك في نفوسهم تأثيراً سلبياً، حتى عزموا أن يفرّقوا بين يوسف وأبيه حتى يخلو لهم وجه والدهم فينعموا بمحبته ومودته، ولا ينفقها ليوسف وحده،

فلما عزموا على ذلك استقر مكرهم على وضعه في بئر عميقة، ولما وضعوه جاءت سيارة فأخرجوه وحملوه معهم إلى مصر وباعوه،

ودارت حياة سيدنا يوسف عليه السلام في مصر بين الابتلاء بالعبودية وتطاول النسوة ودخول السجن، ثم تحولت الحال بقدرة الله تعالى ليصبح عزيز مصر.

أما والده يعقوب عليه السلام، فقد عاش على أمل اللقاء بولده يوسف عليه السلام طوال تلك السنين، رغم أن الإخوة أخبروا أباهم أن الذئب أكله، لكنه لم يفقد الأمل وظل ينتظر الفرج، ويقول لأبنائه: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ‌عَسَى ‌اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف: 83)، وأرسلهم إلى مصر قائلاً: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).

وفي هذا دليل على أن المؤمن لا ييأس من رحمة الله، بل يترقب فرجه وينتظر تأييده، مهما اشتدت الخطوب وعظمت الأمور، فانتظار الفرج أمر محبوب في الإسلام، وتتبين فوائده فيما يأتي:

أولاً: من أفضل العبادات عند الله:

أخرج الترمذي عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انتظار الفرج من الله عز وجل عبادة»، وعن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وأفضل العبادة انتظار الفرج»؛ والمعنى: ارتقاب ذهاب البلاء والحزن بترك الشكاية إلى غيره تعالى، والسبب في أن انتظار الفرج من أفضل العبادات أن الصبر في البلاء انقياد للقضاء(1)، وقال ابن رجب الحنبلي: انتظار الفرج بالصبر عبادة، فإن ‌البلاء ‌لا ‌يدوم(2)، وقال السعدي: اعلموا أن أفضل العبادة انتظار الفرج من الرب الرحيم، وقوة والرجاء والطمع في فضله العظيم(3).

ثانياً: تنمية الثقة واليقين في الله تعالى:

إن الله تعالى وعد المؤمنين باليسر بعد العسر، بل باليسر مع العسر، حيث قال تعالى: (‌سَيَجْعَلُ ‌اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق: 7)، وقال عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً {5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح)؛ ولهذا فإن انتظار الفرج وترقبه يدل دلالة صريحة على ثقة العبد المؤمن في صدق الوعد الإلهي وتحققه، وإن هذا مما يحمل النفس على الطمأنينة في نصر الله تعالى، فهو الذي وعد عباده المؤمنين بالنصر، بشرط أن يصبروا ويتقوا ربهم.

ثالثاً: الانتصار على اليأس والتمسك بالأمل:

يعد انتظار الفرج من عوامل الانتصار على اليأس وعدم الاستسلام له، فإذا ضاقت بالمسلم الأمور واشتدت به الخطوب؛ فإن فرج الله تعالى قريب، ويدل على هذا ما جاء في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ‌جَاءَهُمْ ‌نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ) (يوسف: 110)، أما إمهال الله تعالى للظالمين والمعتدين فإنه قد يكون من باب الاستدراج لهم، أو من باب اختبار المؤمنين على الصبر وترقب الفرج.

فقد روى البخاري عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «‌إِنَّ ‌اللهَ ‌لَيُمْلِي ‌لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)»، قال أبو عمران الجَوْنيُّ: لا يغُرنَّكُم من اللهِ تعالى طولُ النسيئةِ ولا حُسْنُ الطلبِ؛ فإنَّ أخذَهُ أليمٌ شديد(4).

وصدق القائل إذ يقول:

يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ مُنْفَرِجٌ        أَبْشِرْ بخيرٍ فإنَّ الفارجَ اللهُ

اليأسُ يَقْطَعُ أحيانًا بصاحِبِهِ           لا تَيْأسَنَّ فإنَّ الكافيَ اللهُ

اللهُ يُحْدِثُ بعدَ العُسرِ مَيْسَرَةً         لا تَجْزَعَنَّ فإنَّ القاسمَ اللهُ

إذا بُلِيتَ فثقْ باللهِ، وارْضَ بهِ       إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ(5)

رابعاً: تحصيل أجر الصابرين:

إن صبر المؤمن على البلاء وانتظار كشفه من الأمور المطلوبة شرعاً، حيث يعد ذلك دليلاً على الإيمان، ففي صحيح مسلم عَنْ ‌صُهَيْبٍ أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «‌عَجَبًا ‌لِأَمْرِ ‌الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، كما أن الصبر في انتظار الفرج من عزائم الأمور، حيث قال تعالى: (وَإِنْ ‌تَصْبِرُوا ‌وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (آل عمران: 186)، وأعلن النبي صلى الله عليه وسلم «أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، ‌وَأَنَّ ‌مَعَ ‌الْعُسْرِ ‌يُسْرًا»(6).

خامساً: حسن الظن بالله تعالى:

إن ظن المسلم بربه ينبغي ألا ينحرف عن اليقين في نصره وتأييده، فإذا كان هذا هو الثابت في قلبه فإنه يثاب عليه، قال ابن عثيمين: وإذا انتظر الفرج من الله عز وجل أثيب على ذلك، لأن انتظار الفرج حسن ظنٍ بالله عز وجل، وحسن الظن بالله عمل صالح يثاب عليه الإنسان(7)، فعلى المسلم أن يحدث نفسه بذلك ويحملها عليه، وفي هذا قال سيدنا علي بن أبي طالب: 

إِنّي أَقولُ لِنَفسي وَهيَ ضَيِّقَةٌ          وَقَد أَناخَ عَلَيها الدَهرُ بِالعَجَبِ

صَبراً عَلى شِدَّةِ الأَيامِ إِنَّ لَها          عُقبى وَما الصَبرُ إِلاّ عِندَ ذي الحَسَبِ

سَيفتَحُ اللَهُ عَن قُربٍ بِنافِعَةٍ        فيها لِمِثلِكِ راحاتٌ مِن التَعَبِ(8)

وعن ابن دريد قال:

إذا اشتملت على اليأسِ القلوبُ          وضاقَ بما بهِ الصدرُ الرحيبُ

وأوطنت المكارهُ واطمأنَّتْ          وأرستْ في مطامِنها الخطوبُ

أتاك على قنوط منك غوثٌ          يمنُ بهِ اللطيفُ المستجيبُ

وكلُ الحادثاتِ إذا تناهتْ            فمقرونٌ بها الفرج القريب(9)

______________________

(1) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: المباركفوري (10/ 17).

(2) مجموع رسائل ابن رجب الحنبلي (3/ 16).

(3) مجموع مؤلفات الشيخ عبدالرحمن السعدي (23/ 48).

(4) حلية الأولياء (2/ 309).

(5) المحاسن والأضداد: الجاحظ، ص 131.

(6) مسند أحمد (2803).

(7) فتاوى نور على الدرب (438).

(8) صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال (1/ 569).

(9) ديوان المعاني (2/ 243).