وفي أسحار الأمة كواكب تتراءى.. تتجلى درية.. توقد من شجرة مباركة.. لا تعرف اليبس.. لا تعرف الأفول أو الانطفاء.. لا تعرف الانكفاء .
شاءت إرادة الله أن يضوع عبيرها في كل بقعة يُذكر فيها اسم الله.. وأن يتجدد ضياؤها ويتمدد رائقاً رائعاً ملهماً لكل من يتفيأ ظلالها، ويقتبس من نورها.. درية.. من خواصها أنها تزداد ألقاً عندما ترحل إلى دار المقامة .
خُلقت لتكون منارات، وجُبلت على الصدق مع الله، وصُنعت على عينه لتقاوم الاحتراق، ولتصقل من عزماتها سبائك وازنة، قادرة على كشف زيف الأدعياء، و إرثاً ثميناً للصفوة من الأتقياء ..
درية.. لم يعفّر إشراقها غفوة همة أو سويعة راحة.. لم تعرف شتات فكر أو قلب لتُلم شَعثه، فهي في تسام دائب إلى المعالي .
هي من سعت، وارتضت هذا الانتقاء والسمو والاختصاص. هي من باعت كل ذرة من كيانها وبنيانها وعمرانها، وخالقها البارئ الذي اشترى، فكان العزم على الوفاء لهذه البيعة والمضي بها درسا بليغا لكل الرواحل الذين وجدوا في الإخلاص والصبر متكأً ومفازة، فلم تنقطع عنهم معية الرحمن بالتوفيق والقبول، وبقي الأجر ثمنا محفزا مبشرا مرتقبا من صاحب الأمر والخلق بنفسه جل في علاه، (وأن سعيه سوف يرى) .
ولأنها درية، فقد صُمّت آذانها عن ثناء وعُجب السائرين، والتحفت بستر من الله أغناها أن تمد عينيها إلى لعاعة أسخمت أرواح اللاهثين.
كواكبنا الدرية امتلكت نواصي العلم، وامتطت صهوة الجهاد؛ فأحسنت صناعة الموتة الكريمة، فاصلة بين حياتين ثرية، وسعت لإلحاق الرحمة بالناس ودلالتهم على الخير، فكان معاشها في هذه الحياة لله، بل منها من كتب السطر الأخير بدمه ليظل وقودا يمد الأجيال بالنور والمضاء، وعهدا وموثقا لدى العارفين لا تبلو جِدّته، ولاتخبو جذوته .
كواكب اختارت الرشد مدارا ومسارا؛ فهو الحق والحقيقة والطريق القويم، ومن يقدر على اجتيازه إلا القوي الصدوق ، شديد العزم على احتمال مشاق المسير، وبسخاء ونبل لايعرف انعطافة، صاحب بصيرة يدرك بها هوان الدنيا وأجر المجاهدة ..؟!
خجلى هي الكلمات في مقام الدنو من محاريبهم ..!
وواهاً لخطى تتعثر وهي تقفو آثارهم ..!
السنون تنقضي، وعقود من العمر تنصرم، ومازالت النفس مهرة جامحة تصهل في مضمار الأماني !
فيارب خبيئة تُنجي، ومجافاة للدّعة تشفع، ودمعاً يهمي من مطالع الإخبات تثقل به الموازين .
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.