بقلم: أحمد صلاح
أنا حزينٌ للطريقة التي يحتفل بها المسلمون بيوم مولد أشرف الخلق ومحرر البشر وحامل الرسالة ومتلقي الوحي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أنا حزينٌ لأن الاحتفالَ بذكرى مولد نبي نفخر أنه من أنفسنا ومن بيننا، نبي حمل إلينا شعلة النور والهداية وسلمنا مفاتيح الجنة، احتفالاً بالغ السطحية.
أنا حزينٌ ومتعجبٌ ومندهش من أن يتقلص الاحتفال بذكرى مولد أعظم رجل وأفضل الأنبياء وخاتم الرسل، بعلبة حلوى وبضع أغانٍ دينية، وقليل من الأفلام المستهلكة التي لا يراها أحد، وخطبة من هنا وحديث من هناك.
دائمًا نحبُّ أن نحتفل بالكلام لا بالعمل، أن نحتفي بالمظهر لا بالقيمة والجوهر، وهو صلى الله عليه وسلم قدَّم لنا ثلاثًا وعشرين سنة من الجهد والجهاد والعرق والفكر والحب والعطاء، وسينتظرنا في يوم مشهود ليحاول محاولاته الأخيرة لينقذ ما استطاع أن ينقذ من رقابٍ زلت وتعثَّرت خطاها في دنياها.
هو صلى الله عليه وسلم الذي عرَّفنا بالله وبرحمته وقوته وكبريائه وفضله وكرمه وقدرته.
هو صلى الله عليه وسلم أجزل لنا العطاء، فلماذا نبخل عليه عندما يطل علينا بذكراه؟!.
لماذا لا نحاول- مجرد محاولة- أن نُغيِّر من احتفالنا ليصبح أكثر قيمةً وأكثر فعاليةً وأكثر وفاءً؟ ألا يستحق منا الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بعض الوفاء؟.
ولنبدأ بحوارٍ بسيط بيننا وبين أنفسنا..
هل نحن ملتزمون بأخلاق الرسول؟ هل لدينا خلق الصدق في القول والأمانة والاجتهاد في العمل؟ هل نمتلك القدرة على قول الحق والثبات على المبدأ؟ هل ننصر المظلوم ونساند الضعيف ونُحسن إلى الجار ونُغيث الملهوف؟.
هل نبتعد عن الحرام وإن ضاقت بنا الأحوال، فلا نرتشي ولا نُثير فتنة ولا نُدبِّر كيدًا لغيرنا من أجل المال؟ هل نعتني بأبنائنا ونرعاهم ونُربيهم على ما نادى به الرسول وأمرنا أن ننادى به؟ هل نحن واجهة مُشرِّفة للرسول؟ هل يحب لنا الرسول أن نكون كذلك؟ هل يرضى الرسول لنفسه أن نكون نحن من أتباعه؟ هل نُقيم سننه ونُحيي منها ما تناساه الناس أو نسوه؟.
ربما كانت الأسئلة قاسية والحوار ثقيلاً على النفس، لكني أُريد أن يبلغ حبنا بحبيبنا- صلى الله عليه وسلم- بأن تكون ذكراه روحًا جديدةً تسري في دمائنا، فتجدد إيماننا وتحرك معول التغيير في مسارِ حياتنا، تمامًا كما كان الرسول، روحًا سرت في الكون كله، فبددت ظلامه ونشرت النور في أرجائه.
تعالوا نحاول أن نحتفل بتلك الذكرى بصورةٍ أكثر فعالية.. مجرد محاولة.
الدعوة والاحتفالات
تعد المناسبات ولا سيما الدينية منها، وسيلة جيدة للاستثمار الدعوي وتوصيل مفاهيم عديدة، مستفيدة في ذلك بحالة التهيؤ التلقائية لدى الناس واستعدادهم الكبير لقبول الدعوة إلى التحلي بالقيم، بل والاستعداد للعمل لتنفيذها.
حالة الحماس التي يكون عليها الناس لا تتوقف عند المناسبات الدينية فقط، بل ينبغي استثمارها في المناسبات الاجتماعية كعيد الأم والمناسبات الوطنية وغيرها، فالداعية النابه هو الذي يستغل فرص تجمع الناس حول فكرة أو مفهوم، ليدلي بدلوه، ويزيد من رصيدِ دعوته لدى الناس، ولا يترك المجال على مصراعيه للآخرين.
ومناسبة عظيمة كمناسبة المولد النبوي، لا ينبغي أن تمرَّ على الدعوة والداعية بدون استثمار حقيقي وفعَّال ومؤثر يليق بالمناسبة وصاحبها.
والأمر يحتاج إلى تغيير فكر الناس وتعاملهم مع هذه المناسبة ومع الرسول نفسه، والأمر يحتاج إلى نقل الناس من الاكتفاء بالصلاةِ على الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى التأسي بأخلاقه وإتباع منهجه وتفعيل ما كان يدعو إليه في حياتهم، تفعيلاً يحسن الواقع ويحل المشكلات وينقل حياتهم نحو الأفضل.
محاور للدعوة في ذكرى المولد النبوي
أرى أن تتركز محاور الدعوة في الخطب والندوات واللقاءات في ذكرى مولد الرسول- صلى الله عليه وسلم- في المحاور الآتية:
1- توضيح عظمة الرسول- صلى الله عليه وسلم- كإنسان، يعامل كل البشر حتى الذي اختلفوا معه ولم يؤمنوا به بأخلاق الإسلام الرفيعة، التي ظلَّ ينادى بها في رسالته- دين الإسلام، بل إنه اعتبرها هدفًا أسمى لها حين قال- صلى الله عليه وسلم-: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
2- حاجة المجتمع المسلم إلى الاقتداء بالرسول للخروج من الأزمات التي يعاني منها.
3- أن تصرفات المسلمين وابتعادهم عن تعاليم الرسول- صلى الله عليه وسلم، شوَّه المجتمع المسلم وجعله عرضةً للاستهزاء والسخرية والإيذاء، وهذه الإيذاء طال الرسول نفسه، وعندما خرج المسلمون للدفاع عن الرسول بالمظاهرات، أخطأ البعض بانتهاج أسلوب العنف؛ مما كانت له نتائج عكسية، ولم تحل المشكلة، بل استمر الإيذاء واستمرت الرسوم المسيئة، ينبغي التركيز على أن أفضل وسيلة لمنع تعرض الرسول بالأذى هو إتباع ما نادى به من أخلاق، والعمل لإرضائه وإرضاء الله، عندها يتحول المجتمع المسلم إلى مجتمع جميل قوى بأخلاقه وقيمه، أما الآن.. فالمسلمون مشاركون بأفعالهم فيما يلحق بالرسول من أذى.
4- إرضاء الرسول- صلى الله عليه وسلم- وحبه والاحتفال بذكرى مولده لا ينبغي أن يكون بصورة نظرية، بل بصورة عملية تثبت حبنا له واحترامنا لأوامره واعترافنا بفضله علينا، وهذه الصورة العملية ينبغي أن تكون قادرةً على الحدِّ من المعصية وزيادة الطاعة والقدرة على تغيير أنفسنا، وللوقوف بصورة مشرفه أمامه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
وسائل عملية للاحتفال
بالطبع من المستحيل أن نُغيِّر حياتنا كلها من جذورها في يوم واحد، مخطئ مَن يطلب من الناس ذلك؛ لأنه ضد قانون البشر، لكننا فقط نريد أن نحتفل بتغيير سلوك لا يرضى عنه الرسول إلى سلوك أفضل، نحتفل باتباع خلق مهجور طيلة العام لنحييه بذكرى حبيبنا، وتكون هذه هدايانا لرسولنا من محبيه وأتباعه، والتي أعتقد أنه سيكون أكثر فرحًا بها وبنا من "حلاوة المولد".
إنها دعوة للدعاة كي يتحركوا خلال الناس ليدعوهم إلى الاحتفال بالنبي الكريم، دعوة حركية فاعلة، وليس احتفالاً كامنًا ساكنًا.
وسأقدم الآن بعضًا من هذه الوسائل بنية الاحتفال بالمولد النبوي:
- في الأخلاق: اختر سلوكًا واحدًا وعدله لمدة يوم واحد، سلوك في المنزل مع الوالدين أو مع الزوجة والأبناء أو الوظيفة أو في المحل التجاري أو الجامعة أو المدرسة.
- العقيدة: توكل على الله في هذا اليوم، ولا ترتكب معصية أو تتنازل عن مبدأ خوفًا من ضيق الرزق.
- العبادة: أقم سنة هجرتها مثل سنن الصلاة أو صيام يوم أو اقرأ وردًّا من القرآن أو أقم ركعتين في جوف الليل.
- المعاملات: قم بحملة لعمل خيري في شارعك أو في منطقتك تخدم فيه أهلك وجيرانك (من الممكن أن يقوم الدعاة بتحريك هذه الحملة).
أرى أن هذه هي الهدايا القيمة التي يجب أن نُهديها نحن- المسلمين- لحبيبٍ لنا مثل المصطفى- صلى الله عليه وسلم-، ومن الممكن أن تتغير هذه الهدايا العام القادم، وتتنوع من عامٍ إلى عام، المهم أن تكون تشترك جميعها في عامل واحد.. العمل لا الكلام.
--------------