إحسان الفقيه

شهرٌ مضى على تولي يحيى السنوار رئاسة المكتب السياسي للحركة، بعد اغتيال سلفه إسماعيل هنية في طهران، بينما يترقب الجميع ما الذي يسفر عنه هذا الانتقال غير المتوقع لرئاسة حركة حماس.

السنوار أبرز العقليات المدبرة لعملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر، وأكثر قيادات المقاومة فهما للعقلية الإسرائيلية، إذ قضى سنوات من عمره في سجون الاحتلال، وهو قيادي عسكري ميداني يدير الحرب من داخل القطاع، فجاء إجماع قيادات ومجلس شورى الحركة على اختيار السنوار، ليعكس وحدة قيادات الحركة، وقدرة حماس على سرعة اتخاذ القرار المناسب في أصعب الظروف.

لم يكن اختيار السنوار – الذي ارتبط بمظنّة التصعيد – ناتجا عن حالة غليان وسط القيادات لاغتيال هنية، بل هو اختيار رجل المرحلة، بعد أن أظهر الكيان الإسرائيلي اعتزامه المضي في الحرب وإفشال المفاوضات وعدم القبول إلا بالربح الكامل، بناء على ذلك صدّرت الحركة رجلا مقاتلا لا دبلوماسيا لقيادتها، في رسالة واضحة بتمسك حماس بخيار المقاومة والقتال حتى آخر رجل فيها. ومن الواضح أن التغيير في تكتيكات الحركة تحت قيادة السنوار كان سريعا، مناسبا للإيقاع السريع للحرب، وأبرز هذه التغيرات تتمثل في ثلاثة أمور:

أولا: مرونة أقل في المفاوضات، حماس تحت قيادة هنية كانت تناور جيدا في المفاوضات، وأبدت مرونة في مراحل التفاوض، سواء في صفقات تبادل الأسرى، أو في مقترحات وقف إطلاق النار. وبعد تولي السنوار قيادة الحركة، أبدت حماس مرونة أقل في شأن مفاوضات إنهاء الحرب، إذ أنها تتمسك بشكل قطعي بثوابتها المعروفة، المتمثلة في الوقف الكامل والنهائي للحرب، والانسحاب الكامل من غزة، وفتح المعابر وإدخال المساعدات وإعادة إعمار القطاع، بل كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الحركة أضافت في الأيام الأخيرة مطالب جديدة في ما يتعلق بإطلاق الأسرى الفلسطينيين، ونقلت عن مسئولين أمريكيين أن أمريكا تأمل في أن تتمكن قطر من إقناع الحركة بالتخلي عن هذه الشروط. هذا التصلّب هو عين ما تقتضيه المرحلة، فعلى الرغم من أنه منح الأمريكيين والإسرائيليين فرصة التأكيد على أن حماس هي من تعرقل المفاوضات، إلا أنه على أرض الواقع يحطم معنويات الاحتلال، ويثير غضب الشعب الإسرائيلي تجاه قيادته والضغط عليها للنزول عند مطالب حماس لافتكاك الرهائن.

ثانيا: إشعال الضفة، وهو أبرز التغيرات في عهد السنوار، إذ ازدادت وتيرة عمليات الطعن والدعس وإطلاق النار والعمليات الاستشهادية في الضفة الغربية، تزامنا مع العملية العسكرية التي يشنها الاحتلال على مخيمات الضفة. فخلال شهر تحت قيادة السنوار، نفّذ المقاومون عمليات عدة، منها إطلاق الشاب ربيع دراغمة النار على مستوطنة بكعوت قرب طوباس في الأغوار الشمالية، في السادس من أغسطس، وبعدها بخمسة أيام نفذت كتائب القسام عملية إطلاق نار ضد دورية إسرائيلية قتل فيها جندي وأصيب آخر. وفي يوم 18 أغسطس، وفي شرق قلقيلية، حدثت عملية الشاكوش، حيث قام مقاوم فلسطيني بضرب الجندي الإسرائيلي الذي شارك في الحرب على غزة جدعون بيري، بالشاكوش على رأسه فأرداه قتيلا واستولى على سلاحه. في التاريخ نفسه أيضا، قتل مستوطن إسرائيلي وأصيب آخر نتيجة انفجار حقيبة تحتوي على متفجرات، انفجرت قبل أوانها، كان أحد المقاومين قد نقلها من نابلس إلى تل أبيب لتنفيذ عملية استشهادية في ملعب بلومفيلد، تبنت كتائب القسام وسرايا القدس العملية وأعلنتا أنها رد على مجازر الاحتلال في غزة وتهجير المدنيين والاغتيالات. وفي 30 أغسطس نفذت القسام عملية مركبة في مستوطنتي «غوش عتصيون» و»كرمي تسور» قرب الخليل، أسفرت عن مقتل ستة من المستوطنين والجنود، وأصدرت القسام بيانا قالت فيه إن الاستشهادي محمد مرقة تمكن من تفجير مركبة مفخخة في محطة للوقود بمستوطنة غوش عتصيون لاستدراج القوة الإسرائيلية، التي قامت القسام باستهدافها وأوقعت فيها قتلى وجرحى، وعلى رأسهم غال ريتش قائد لواء عتصيون، بينما تمكن زهدي أبو عفيفة من اقتحام مستوطنة كرمي تسور بعد دهس حارسها، وقام بإطلاق النار تجاه المستوطنين قبل أن يفجر مركبته داخل المستوطنة. وفي مطلع سبتمبر الجاري نفذ المقاوم مهند العسود عملية إطلاق نار عند حاجز ترقوميا غرب الخليل، وأوقع ثلاثة من القتلى.

ويأتي خطاب القيادي خالد مشعل في نهاية أغسطس المنصرم معبرا عن عودة تبني العمليات الاستشهادية، إذ دعا إليها باعتبار أن هذه حالة لا يصلح لها إلا الصراع المفتوح. من شأن توسيع العمليات في الضفة تخفيف الضغط على قطاع غزة، وتنويع الخيارات أمام المقاوم الفلسطيني، والتصدي لمخطط ضم الضفة إلى المحتل، وهو ما يثير التكهنات حول ما إذا كانت هذه العمليات سوف تقود لانتفاضة جديدة.

ثالثا: ملف الأسرى، طيلة الفترة التي سبقت قيادة السنوار، كان التأكيد على الحفاظ على حياة الرهائن الإسرائيليين وإعطائه الأولوية، لأنها تمثل أوراق الربح في التعامل مع الاحتلال. في عهد السنوار، ظهرت تكتيكات جديدة في التعامل مع الأسرى، ففي البداية أطلق أحد الحراس النار على أسرى إسرائيليين، ما أسفر عن مقتل أسير وإصابة أسيرتين، فأصدر المتحدث باسم الكتائب أبو عبيدة بيانا، ذكر فيه أن الحارس أطلق النار بدافع انتقامي بعد تلقيه نبأ استشهاد طفليه في أحد مجازر الاحتلال، موضحا أنه تصرف فردي لا يعبر عن أخلاقيات الحركة، محملا الكيان الإسرائيلي المسئولية عن مثل هذه العمليات، نتيجة المجازر التي يرتكبها بحق سكان القطاع.

اللافت في الواقعة، هو إعلان القسام عنها، بما يعني أنها رسالة تحذيرية من إمكانية تكرار الحادث، ما مثل ضغطا جديدا على الاحتلال، استغلته القسام لمزيد من تأجيج الجماهير الإسرائيلية، ونشرت صورة للقتيل حملت عنوان «حادث مؤسف» وكتبت أسفل الصورة «وحشيتكم باتت خطرا داهما على أسراكم… الوقت ينفد». ومن مظاهر التغير الحادث في ملف الأسرى، ما صرح به أبو عبيدة من صدور تعليمات جديدة للمقاومين المكلفين بحراسة الأسرى، بخصوص التعامل معهم حال اقتراب جيش الاحتلال من مكان احتجازهم، وأضاف أن إصرار نتنياهو على تحرير الأسرى من خلال الضغط العسكري، بدلا من إبرام صفقة، سيعني عودة الأسرى إلى أهلهم داخل توابيت، وعلى عوائلهم الاختيار إما قتلى وإما أحياء، ونشرت القسام صورة يظهر فيها مقاتل يحمل مسدسا، بينما يقبع أسير على الأرض، ومكتوب على الصورة «ضغط عسكري = موت وفشل. صفقة تبادل = حرية وحياة.

وإذا أضفنا إلى ذلك المقاطع المصورة التي تبثها القسام ويظهر فيها أسرى إسرائيليون قبل مقتلهم بالغارات الإسرائيلية، وهم يلقون اللائمة على حكومة نتنياهو، ويتحدثون عن تعرضهم للموت كل لحظة بسبب القصف، سنجد أننا أمام قدرة هائلة للقسام على إدارة ملف الأسرى، واللعب بأعصاب الاحتلال، والإمعان في تأجيج الشارع الإسرائيلي، الذي بالفعل زاد من فعالياته الاحتجاجية المطالبة بإبرام الصفقة وإقالة نتنياهو، فأصبح هناك نصف مليون إسرائيلي في الشارع يصعّدون ضد الحكومة الإسرائيلية. التغيرات التي حدثت في عهد السنوار، تؤكد بقاء المقاومة على مسارها، وخلق مناخ انتفاضة جديدة، ويعقد الأوضاع في الداخل الإسرائيلي، ويزيد من خطر الهجرة العكسية للكيان، إضافة إلى أنه سيجبر ما يعرف بمحور المقاومة على الاستمرار في توجيه ضربات ضد الكيان، حتى لو كانت ضعيفة، والله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون.

المصدر: القدس العربي