رفع نظام الانقلاب أسعار الوقود بنسبة 15% اعتباراً من صباح أمس الخميس. وقرر زيادة سعر البنزين فئة 80 أوكتان من 11 إلى 12.25 جنيهاً، وفئة 92 من 12.5 إلى 13.75 جنيهاً، و95 من 13.5 إلى 15 جنيهاً.
شملت الارتفاعات زيادة في سعر السولار والكيروسين من 10 جنيهات إلى 11.50 جنيهاً، والمازوت من 7500 إلى 8500 جنيه للطن، عدا المورد لمحطات الكهرباء والمخابز. تعد الزيادة في أسعار المحروقات الثانية من نوعها خلال العام، حيث ارتفعت في
تبرر حكومة الانقلاب القرار برغبتها في الحد من زيادة الدعم الموجه للمواد البترولية، الذي فاق نحو 155 مليار جنيه عام 2024، بزيادة 25 ملياراً عن 2023. وتتجاهل التراجع في قيمة الجنيه، الذي أدى إلى تراجع مخصصات الدعم من 3.5 مليارات دولار إلى نحو 3.2 مليارات دولار في الفترة نفسها.
وجاء القرار متوقعاً في توقيت صدوره من قبل المواطنين الذين اندفعوا نحو محطات الوقود ليلة الأربعاء لتعبئة السيارات، قبيل منتصف ليلة الخميس، بعد تسرب أنباء اجتماع اللجنة العليا لتسعير الوقود التابعة لمجلس الوزراء، الذي عقد الأسبوع الماضي، وظلت قراراته في طي الكتمان، لحين تنفيذه فجأة في منتصف الليل.
انتظر المستهلكون القرار نهاية الأسبوع الماضي، بينما فضلت حكومة الانقلاب تأجيله لحين الانتهاء من احتفالات مرور 72 عاماً على قيام ثورة 23 يوليو.
بدأ تنفيذ القرار على غير العادة في السادسة من صباح أمس، بدلا من منتصف الليل، حيث استهدفت الحكومة من ورائه مراوغة المستهلكين الذي تجمعوا مساء الأربعاء في محطات الوقود، مع خشية وقوع صدامات بين عمال محطات الوقود والمواطنين في المناطق الزراعية والصناعية الذين تجمعوا للحصول على كميات كبيرة من السولار المستخدم في تشغيل المعدات الثقيلة ومولدات الكهرباء، وسيارات النقل والحافلات.
ارتباك حركة النقل
رصدت "العربي الجديد" ارتباكاً واسعاً في حركة النقل الداخلي وبين المحافظات بعد ارتفاع أسعار الوقود، وخضعت تسعيرة الخدمات للتفاوض بين الجمهور والسائقين، بينما ينتظر مديرو شركات النقل ومواقف النقل الجماعي صدور قرارات يوم السبت من وزارة التنمية المحلية والمحافظين بتحديد تعرفة النقل الداخلي وبين المحافظات. كما أسرع محافظو الدقهلية وبعض المدن بتحديد أسعار تعرفة النقل الداخلي، للحد من مشاحنات الركاب والسائقين، ومواجهة الإضراب الصامت الذي يقوده ملاك سيارات الأجرة، بالامتناع عن العمل، لحين صدور تعرفة النقل الملزمة للسائقين والجمهور.
وتتوقع شركات النقل الذكي زيادة في أسعار رسم الكيلومتر، مع ارتفاع في سعر بداية التشغيل إلى نحو 15 جنيهاً لفتح عداد سيارات الأجرة في أنحاء المحافظات.
رفع أسعار المحروقات قربان لصندوق النقد
وصف اقتصاديون قرار حكومة الانقلاب بزيادة أسعار الوقود بأنه "قربان لصندوق النقد" اتخذته قبيل اجتماع مفصلي، يوم الاثنين المقبل، لمجلس المحافظين والمديرين التنفيذيين للصندوق، الذي يعرقل اعتماد برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه في مارس 2024، وصرف الشريحة الثالثة، التي تبلغ 820 مليون دولار من إجمالي قرض قيمته ثمانية مليارات دولار، ويوقف قرضاً تكميلياً آخر من صندوق الصلابة والاستدامة يبلغ 1.2 مليار دولار، لحين رفع الحكومة أسعار الوقود والكهرباء وتحديد الشركات العامة وجدول زمني حول طرح الأصول الحكومية للبيع.
وتدفع متأخرات حكومة الانقلاب لشركات النفط والغاز إلى تشكيك المصريين والأجانب في قدرة الدولة على سداد مستحقاتهم المالية، وقدمت بعضها شكاوى ضد مصر لدى صندوق النقد باعتباره الجهة الضامنة مالياً للدول والجهات الداعمة للاقتصاد المصري.
وفي السياق، يشترط صندوق النقد وقف دعم المحروقات خلال العام المالي الجاري 2024/ 2025 بما ينذر بتصاعد أسعار المحروقات عدة مرات خلال عشرة أشهر، مع تطبيق سعر اقتصادي لبيع الكهرباء لكافة المستهلكين، على فترة زمنية لا تتعدى عامين. وتؤكد خبيرة التمويل والاستثمار حنان رمسيس لـ"العربي الجديد" أن صندوق النقد طلب من الحكومة وضع استراتيجية السداد وتسوية المدفوعات المتراكمة لمتأخرات الهيئة العامة للبترول عن عقود توريد الغاز والمحروقات للشركات الأجنبية، والتي أسهم الصندوق في حل أزمتها المزمنة، وساهم في إنهائها خلال السنوات العشر الماضية. وأوضحت رمسيس أن صندوق النقد يطلب من الحكومة عودة مصر إلى برنامج الطروحات الحكومية في البورصة لاستكمال برنامج "وثيقة ملكية الدولة، وإطلاق مؤشر لتتبع تنفيذ سياسة ملكية الدولة"، ليبدأ العمل به خلال السنة المالية 2024-2025. كما تسعى الحكومة إلى مراجعة صندوق النقد الدولي سياسة الرسوم الإضافية التي تدفعها على القروض، باعتبارها ثالث أكبر دافعي تلك الرسوم، بعد الأرجنتين وأوكرانيا، خلال اجتماعات مجلس إدارة الصندوق بواشنطن، المكون من 24 عضواً يمثلون 190 دولة، بعد أن تسببت زيادة أسعار الفائدة على القروض الممنوحة لمصر من تكاليف الإقراض، متأثرة بارتفاع أسعار الفائدة على الدولار واليورو.
التضخم والمصانع
تجاهلت حكومة الانقلاب دعوة ممثلي الأحزاب في البرلمان، الأسبوع الماضي، بوقف رفع أسعار الكهرباء والمحروقات، لخطورتها على دفع معدلات التضخم الذي تحاول الدولة السيطرة عليه، من أجل تهدئة الأسواق، وتشغيل الشركات التي تواصل البقاء في بؤرة الركود منذ أربعة أعوام.
وأكد أعضاء في جمعية رجال الأعمال المصريين لـ"العربي الجديد" خطورة الزيادة المتكررة في أسعار الطاقة على تشغيل المصانع، لافتين إلى أن الزيادة الجديدة ستدفع معدلات التضخم إلى اتجاه صعودي جديد بعد تراجع رصده جهاز الإحصاء في معدل التضخم للشهر الرابع على التوالي، إذ انخفض من 28.1% في مايو 2024 إلى 27.5% في يونيو الماضي. وتوقع خبراء أن تصل معدلات التضخم إلى أكثر من 30% بنهاية العامة الجاري، بزيادة نحو 8% عن التقديرات المتشائمة للمحللين، وبنحو 12% عما يخطط له البنك المركزي، الذي يواجه التضخم برفع معدلات الفائدة في البنوك واستمرار التشدد النقدي.
في المقابل، تدفع زيادة الأسعار المستهلكين إلى الإحجام عن شراء السلع المعمرة، وتخفيض الاستهلاك للسلع اليومية، بما يكبح قدرة الشركات على النمو، ويسبب كساداً في سوق تعاني من ندرة الطلب وزيادة في العرض بأغلب السلع الصناعية المحلية والمستوردة. ويتوقع عدد من الخبراء أن يؤدي الإلغاء التدريجي لدعم الوقود إلى ارتفاع جديد في أسعار تذاكر المترو والنقل العام والشحن والخبز والخضراوات والسلع الأساسية اليومية، التي تقود الزيادة في معدلات التضخم، التي تضاعفت عدة مرات منذ فبراير 2022، بما يزيد من معدلات الفقر التي تلاحق نحو 60%، حسب تقارير دولية، من شعب تعداد سكانه في الداخل يفوق 106 ملايين نسمة.