قبل وصول صفقة الغاز المسال إلى الشبكة الوطنية للعمل بكامل طاقتها بهدف الحد من انقطاع التيار الكهربائي، تواجه حكومة الانقلاب أزمة جديدة مع شركة سيمنز الألمانية، أكبر شريك أجنبي لإنتاج وتوليد الطاقة في البلاد.
تطلب سيمنز من حكومة الانقلاب سرعة استلام المشروعات التي مولت إقامتها وتديرها حاليا بالعاصمة الإدارية وبني سويف جنوب القاهرة، مقابل الحصول على مستحقاتها المالية، قبل أن تتوقف رسميا عن تشغيل وإدارة وصيانة أكبر محطتين يوفران نحو ثلث قدرات التوليد المنتجة بشبكة كهرباء مصر.
وأضافت رغبة انسحاب سيمنز في تشغيل المحطتين عمقا كبيرا لأزمة الديون التي تراكمت على قطاعي النفط والكهرباء لصالح الشركات الأجنبية العاملة في مصر، وكشف عن أزمة جديدة في ملف نقص الغاز المتصاعد منذ عامين، مع عدم قدرة حكومة الانقلاب على تشغيل محطات وشبكات توزيع أنفقت عليها 620 مليار جنيه من قروض محلية وأجنبية على مدار عشر سنوات.
ضغوط سيمنز
تأتي ضغوط سيمنز أثناء محاولات لحكومة الانقلاب الجديدة وضع حلول لأزمتي الكهرباء والغاز على قمة جدول أعمالها بالفترة المقبلة، وسط انخفاض حاد بعائدات قناة السويس والتزامات خارجية بسداد نحو 32.5 مليار دولار قيمة فوائد وأقساط الدين، قبيل نهاية العام، وحاجتها الماسة للدعم المالي للسلع الأساسية، وشراء المزيد من صفقات الغاز والوقود لتشغيل محطات التوليد، وسط تذبذب إمدادات الغاز من الكيان الصهيوني والحقول المحلية.
ووضعت شركة "سيمنز" الألمانية حكومة الانقلاب في مأزق، حيث طلبت من وزارة الكهرباء استلام محطتي توليد كهرباء العاصمة الإدارية وبني سويف بقدرة 4800 جيجاواط لكل منهما، مع حلول موعد انتهاء عقد الإدارة والتشغيل والصيانة للمحطتين أول يوليو الجاري.
أكدت مصادر بوزارة الكهرباء لـ"العربي الجديد" رفض سيمنز الالتزام بتشغيل المحطتين، بعد انتهاء مدة العقد التكميلي الذي وقعته مع وزارة الكهرباء عام 2016، الذي ينفذ عبر مكتب سيمنز للشرق الأوسط بالقاهرة، لمدة ثماني سنوات، ويقضي بتأجيل سداد قيمة الأقساط السنوية لتكلفة شراء المحطتين بقيمة 6.2 مليارات يورو، لحين انتهاء عقد الإدارة والتشغيل.
تُعمق أزمة الغاز مخاوف سيمنز من الاستمرار في تشغيل المحطتين اللتين توفران 9600 جيجاواط، تمثل 30% من قدرات التوليد المنتجة، خصوصاً مع شكوك المستثمرين بقدرة حكومة الانقلاب على مواجهة العجز المالي وتلبية احتياجات الشركاء الأجانب في مشروعات الغاز والكهرباء من العملة الصعبة، في ظل تراكم الديون لموردي الغاز والوقود، بنحو ستة مليارات دولار، عدا 15 مليار دولار تمثل قيمة أقساط قروض أجنبية لمحطات التوليد.
وطرحت حكومة الانقلاب المحطتين للبيع لمستثمرين عرب وأجانب عقب بنائهما عام 2018، حيث أبدت شركات بلاك ستون الأمريكية وبتروناس الماليزية و"إدرا" الصينية للمحطات النووية، في مايو 2019، اهتماما بشراء المحطتين.
وتعطلت إجراءات إتمام الصفقة عدة مرات بسبب انخفاض قيمة العروض المقدمة من المشترين الأجانب إلى نحو 1.2 مليار دولار، بما يوازي 25% من التكلفة الكلية للمحطة.
كما بدلت حكومة الانقلاب بيع محطتي جبل الزيت والزعفرانة لطاقة الرياح إثر فشلها في بيع محطتي التوليد الحراريتين، ضمن برنامج الطروحات الحكومية عامي 2023-2024.
زادت الهوة بين المشترين والصندوق السيادي الذي آلت إليه ملكية المحطتين عام 2020، مع تقادم عمر المحطتين، وبروز مشكلة نقص الغاز، وعدم قدرة نظام الانقلاب على ضمان تدبيره من الشبكة الوطنية للغاز، وتأجيل برنامج رفع أسعار الكهرباء، الذي كان يضمن للمشترين بلوغها مستويات عالمية عام 2024، مع حلول موعد سداد قيمة المحطتين، على أقساط ربع سنوية، تستمر مدة سبع سنوات.
ارتفاع تكاليف صفقة البناء
يلزم الاتفاق الجانب الألماني سداد تكاليف الإنشاء والتشغيل والصيانة بالعملة الصعبة للمحطتين اللتين بدأ تنفيذهما بين عامي 2015 و2018، ما اضطر سيمنز إلى اللجوء للحكومة الألمانية لدخولها ضامناً للصفقة لدى "دويتشه بنك" وبنكي HSBC و AGKFW-IPEX الأوربيين، لتمويل عمليات التصنيع.
ورفع الاتفاق الجديد تكلفة صفقة بناء المحطتين إلى ثمانية مليارات يورو، مع حصول البنوك على عمولات مقابل تأمين التمويل والسداد للقرض، بينما وافقت الحكومة على سداد قيمة الكهرباء المستخرجة من المحطتين بسعر التكلفة بالعملة الصعبة، على أقساط ربع سنوية.
وضع الاتفاق حكومة الانقلاب الجديدة في مواجهة مع الشركاء الأجانب المساهمين في مشروعات الغاز والكهرباء، في وقت تسعى فيه إلى ضخ سيولة في مشاريع التنقيب والاستكشاف عن الغاز والنفط تزيد تكلفتها عن 12 مليار دولار، بالتوازي مع إصلاح العطب الفني الذي أصاب حقول غاز "ظهر" وأدى إلى فقدانه نحو 60% من قدرات الإنتاج المسجلة له صيف 2022.
تستخدم محطتا كهرباء العاصمة وبني سويف أنظمة تكنولوجية متقدمة في التشغيل وتوليد الكهرباء بالغاز الطبيعي، وتعمل بنظام الدورة المركبة، وتبريد المولدات بالهواء، ما يجعلها في حاجة إلى صيانة يومية ودورية باهظة التكاليف.
توسع المحطات العاملة بالغاز
سعت حكومة الانقلاب إلى التوسع الهائل في محطات التوليد العاملة بالغاز، في حينه، مدفوعة بدراسة أعدها برنامج تايمس إيجيبت Times-Egypt الممول من الاتحاد الأوروبي عام 2015، في صفقة استهدف الأوروبيون من ورائها المساعدة الفنية ودعم إصلاح مشروعات الطاقة في مصر. وصف رئيس سيمنز جو كابيير صفقة الحصول على المحطتين بالإضافة إلى محطة مماثلة لهما بمدينة البرلس شمال الدلتا، بأنها "عقود غير مسبوقة"، بينما أكد خبراء أنها "جاءت طوق نجاة لشركة سيمنز وحلفائها الغربيين من الإفلاس".
أكد مشروع الدعم الفني الأوروبي حاجة البلاد إلى مضاعفة قدراتها من محطات التوليد، متوقعا زيادة الطلب على الطاقة عام 2018 إلى ألف 35 ألف جيجاواط، تصل إلى 45 ألف جيجاواط عام 2024، و60 ألفاً عام 2030، و67 ألفاً عام 2035، بالمخالفة لواقع بلغ فيه الحد الأقصى للاستهلاك المحلي عام 2018 نحو 28 ألف جيجاواط وعام 2020 نحو 32 ألف جيجاواط وعام 2023 نحو 36 ألف جيجاواط.
يتوقع أن يصل الحمل الأقصى على شبكات الكهرباء إلى 37.2 ألف جيجاواط والاستهلاك الفعلي إلى 36.2 ألف جيجاواط في ذروة الطلب على الكهرباء خلال الصيف الجاري 2024، وفقا لتقديرات حددتها نائبة وزير الكهرباء والطاقة صباح مشالي، نهاية الأسبوع الماضي. يتوقع جابر دسوقي، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، أن يصل الحمل الأقصى على الشبكة الموحدة، خلال العام المالي الجاري 2024-2025، إلى 37.4 ألف جيجاواط بزيادة 5.4% عن العام السابق، بما يخدم نحو 43.7 مليون مشترك.
خصصت حكومة الانقلاب 1.182 مليار دولار لشراء 17 شحنة غاز مسال و300 ألف طن مازوت لتشغيل المصانع ومحطات الكهرباء خلال فصل الصيف، تمهيدا لوقف نظام القطع المستمر مدة ساعتين يوميا بحلول سبتمبر المقبل.
بعد سحب 20 مليار جنيه من البنوك العامة على المكشوف لمواجهة العجز النقدي في شهر مايو الماضي، اقترضت وزارة الكهرباء 51 مليار جنيه من البنوك المحلية الأسبوع الماضي، لسداد جزء من ديون هيئة البترول، بما يضمن توفير السيولة لشركات البترول، وحصول محطات التوليد على الوقود اللازم للتشغيل.
أزمات الصناعة وارتفاع التضخم
أرهق انقطاع الكهرباء المصنعين ورفع أسعار السلع والمنتجات الزراعية، وزاد من أرق المصريين الذين يتعرضون للموت في المصاعد عند انقطاع التيار فجأة، ما أفقدهم شهية التجوال خارج منازلهم، في صيف شديد الحرارة، خشية أن تنقطع الكهرباء أثناء تحركهم بعيدا عن مساكنهم، وفقا لرصد تتبعته "العربي الجديد" لحالة الأسواق والشارع المصري.
تنذر أزمة الغاز بزيادة معدلات التضخم عن المعدلات التي بلغها بنسبة 28.1% في مايو الماضي، كما تظهر دراسات اقتصادية، حيث أدى انقطاعه إلى تضاعف أسعار الأسمدة، وزيادة في تكلفة صناعات الحديد والإسمنت والثروة الحيوانية والداجنة، ورفع تكلفة التشغيل بالمحال والمراكز التجارية، مع تطبيق الإغلاق القسري للمحال في العاشرة مساء يوميا.
يتوقع أن يصل الحمل الأقصى على شبكات الكهرباء إلى 37.2 ألف جيجاواط والاستهلاك الفعلي إلى 36.2 ألف جيجاواط في ذروة الطلب على الكهرباء خلال الصيف الجاري 2024
انخفضت الصناعات التحويلية بنسبة 12.6%، مع تراجع صناعة المستحضرات الطبية والكيميائية والدوائية بنسبة 15.13% خلال شهر إبريل الماضي، متأثرة بشح الدولار وعدم توفر مستلزمات الإنتاج، وفقا لتقديرات جهاز الإحصاء، زادت حدتها في يونيو الماضي، مع ارتفاع معدلات الانقطاع الكهربائي.
في إفصاح لبورصة الأوراق المالية، أعلنت أكبر ست شركات للأسمدة والبتروكيماويات توقفها عن العمل مدة تجاوزت أسبوعين بسبب نقص الغاز، ولم تعد إلى كامل طاقتها الإنتاجية مع وصول أول شحنات الغاز المسال مطلع الأسبوع الجاري، رغم وعود رئيس حكومة الانقلاب الجديدة مصطفى مدبولي بالحد من أزمة الغاز، التي أثرت بشدة على الصناعات الغذائية والمعدنية والبتروكيماويات.
تبحث الشركات الكبرى عن استيراد شحنات من الغاز الصخري من السوق الأمريكية والجزائر للحفاظ على استقرار عمليات التشغيل التي تتسبب في تراجع أرباح شركات الأسمدة، وخفض معدلات التصدير إلى الخارج. شكلت أربع شركات حكومية وإحدى الشركات الخاصة تحالفا لاستيراد غاز الميثان المسال، بقيمة 600 مليون دولار، لمواجهة نقص كميات الغاز.
أعلنت شركة أبو قير للأسمدة بدء إجراءات إقامة مشروع الاعتماد على الهيدروجين بديلا للغاز الطبيعي، وتركيب محطة طاقة شمسية بقدرة 2.5 ميجاواط، لتقليل استهلاك الكهرباء.