بين أزمة الغاز وشح الدولار، أوقع نظام الانقلاب مصر صيدا ثمينا بأيدي شركات الاستثمار العالمية في إنتاج الغاز والنفط والتنقيب عنهما، بما يهدد باستمرار انقطاع التيار الكهربائي لفترات زمنية قد تمتد لعامين بدلا من الأسابيع التي حددها رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، في بيانه أول من أمس.
كشف خبراء اقتصاد ونفط لـ"العربي الجديد" عن مواجهة حكومة الانقلاب، الأسبوع الجاري، صعوبات مالية، في دفع مستحقات الشركاء الأجانب، من المتأخرات المتراكمة جراء استغلال حصتهم من الغاز والنفط لصالح وزارة البترول المصرية، بقيمة 6.7 مليارات دولار.
قال الخبراء لـ"العربي الجديد" إن الشركات الأجنبية الدائنة استغلت طلب نظام الانقلاب شراء الغاز من أطراف دولية عبر مناقصة مفتوحة بين الشركات العالمية، بنظام التوريد الفوري والدفع الآجل، وأخبرت الشركات المتقدمة لبيع الغاز لمصر، بالمشاكل المالية التي تواجهها الحكومة في دفع مستحقات الأطراف الدولية، حيث تصل مدة التأخير في الدفع إلى فترات تتراوح ما بين عامين وثلاثة أعوام.
وأوضح الخبراء أن الضغوط التي مارسها مستثمرو الغاز والنفط الأجانب على حكومة الانقلاب أدت إلى تعطيل الاتفاق مع شركات أوروبية وعربية لتوريد الغاز، خلال النصف الأول من يونيو الجاري، بينما تمكنت منذ أيام فقط، من الحصول على موافقة من شركات هولندية لتوريد الغاز بزيادة ثلاثة دولارات لكل مليون وحدة حرارية، بينما ستتولى دولة عربية توريد المازوت الخام بنظام الدفع الآجل، لتشغيل المحطات الحرارية خلال الأسبوع المقبل، بما يضمن تخفيض ساعات الإطفاء التي تتعرض لها المدن والقرى من نحو خمس ساعات إلى ساعتين يوميا.
تبلغ قيمة صفقات توريد 17 شحنة من الغاز و300 ألف طن مازوت خلال أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر، نحو 1.180 مليار دولار وفق تصريحات حكومة الانقلاب.
ونوه الخبراء إلى أن المبلغ الذي خصصته الحكومة لشراء الغاز والمازوت، كان كفيلا بأن يوفر احتياجات الدولة من الغاز طوال العام الجاري، في حالة التخطيط لشراء احتياجات الدولة، في الربع الأول من العام.
توتر مع شركة " إيني"
في سياق متصل كشفت مجموعة "ميس" Mees المتخصصة في تحليل صفقات الغاز والطاقة، عن توتر العلاقات بين نظام الانقلاب وشركة "إيني" الإيطالية المهيمنة على حقل "ظهر" الأكبر إنتاجية في البلاد، بسبب تراكم المدفوعات المالية المستحقة لها، لدى الحكومة. وأوضح خبير اقتصاديات الطاقة بالمجموعة، بتر ستيفنسون، أنه رغم حصول "إيني" على المبلغ الأكبر من المدفوعات التي قدمتها الحكومة لشركات النفط العاملة في مصر بقيمة 400 مليون دولار، الشهر الجاري، إلا أن هذا المبلغ يمثل 25% فقط من مستحقاتها البالغة 1.6 مليار دولار.
ووصف ستيفنسون في تقريره الأسبوعي الذي بثته "ميس" لكبار المتعاملين في صناعة الغاز والنفط، أنه رغم أن المبلغ المدفوع يزيد عما تعهد بسداده رئيس حكومة الانقلاب، الشهر الماضي للدائنين، والذي حدده بنسب من 20 إلى 25%، إلا أن "إيني" التي التزمت الصمت مع نظرائها الأجانب، تجاه أزمة المدفوعات، تطمح للحصول على دفعة نقدية أخرى، خلال الأسابيع المقبلة، من التدفقات المالية القادمة الشهر المقبل، من صندوق النقد الدولي بقيمة 820 مليون دولار، من حزمة مساعدات متفق عليها بين الحكومة والصندوق تبلغ 8 مليارات دولار.
على صعيد متصل، أشار التقرير إلى حرص نظام الانقلاب على ترضية مطالب "إيني" بعد تهديدها باللجوء إلى التحكيم الدولي جراء التأخير في سداد مستحقاتها المالية، التي نتجت من شح العملة الصعبة، والخسائر التي ترتبت على عدم قدرتها على تصدير الغاز من الآبار المصرية جراء تراجع الإنتاج وزيادة الاستهلاك المحلي.
كما أوضح التقرير أن التوترات التي ظهرت على السطح بين "إيني" والحكومة لا تقتصر على تأخير مستحقاتها، وإنما امتدت إلى أبعد منذ ذلك، عندما اتهمت الحكومة شركة إيني بسوء الإدارة والتشغيل لحقول الغاز، بما أدخل مياه البحر في حقل "ظهر" المنتج الرئيسي للغاز في البلاد، والذي انخفض إنتاجه منذ نهاية 2021، ليصل إلى 1.9 مليار قدم مكعبة يوميا أي أقل بنسبة 41% من القدرة الاسمية للحقل. وقد بلغ حقل "ظهر" ذروة إنتاجه منتصف 2021، بنحو 3.6 مليارات قدم مكعبة يوميا، بما يوازي 60% من احتياجات الحكومة لتشغيل محطات التوليد والمصانع وغاز المنازل والسيارات.
بالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى حالة التوتر التي ظهرت بين إيني وحكومة الانقلاب، تبعها ظهور مشاكل في تشغيل حقلين بحريين آخرين شمال شرق العريش (الثريا وفرحة)، وعدم وضوح حماسة إيني للمشاركة في عمليات الاستكشافات الجديدة عن الغاز شمال غرب دلتا النيل، بالرغم من مشاركتها مناصفة مع شركة شيفرون الأمريكية في تطوير استكشاف الغاز بحقل نرجس شمال العريش، الذي يبلغ احتياطي الغاز المؤكد فيه نحو 2.8 تريليون قدم مكعبة.
توقف المصانع بسبب الغاز
على صعيد متصل أدى انقطاع تدفق الغاز إلى شركات الأسمدة والبتروكيماويات إلى خسائر فادحة في مصر، إذ توقفت أكبر 4 شركات إنتاج أسمدة عن العمل تماما حتى نهاية الأسبوع الجاري، على أمل تنفيذ الحكومة وعودا بعودة التدفقات بشبكة الغاز الوطنية عند معدلاتها اليومية بما يوازي 6.2 ملايين قدم مكعبة يوميا الاثنين المقبل.
وقد أخطرت شركتا أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية وسيدي كرير للبتروكيماويات إدارة البورصة المصرية، بتوقف العمل بمصانع الشركتين منذ ثلاثة أيام، لحين إنهاء الحكومة مشكلة الغاز، في أسرع وقت، بينما أعلنت شركة " كيما" بأسوان عن عمل صيانة دورية لحين عودة التدفقات لمستوياتها الطبيعة.
في هذا السياق، تواجه شركة أبو قير للأسمدة خسائر بقيمة 59 مليون جنيه يوميا جراء انقطاع الغاز، بما يهدد بتراجع الزيادة المحققة في الإيرادات السنوية، التي بلغت 21.6 مليار جنيه عام 2023.
تسبب قرار وقف التشغيل بمصانع الأسمدة والبتروكيماويات، في تراجع أسهم شركات الأسمدة بالبورصة لليوم الثاني على التوالي أمس، مع ارتفاع حاد بأسعار الأسمدة في الأسواق، لمواكبة توقف المصانع عن الإنتاج، مع ذروة الطلب على الشراء المحلي للمحاصيل والخضروات والفاكهة الصيفية، والصادرات الموجهة للأسواق العربية والدولية.
وبسبب ذلك، التزمت الحكومة بتوفير الكهرباء لمصانع الحديد والألمونيوم والزجاج على مدار الساعة، خشية تدمير أفران الصهر في حالة التوقف عن العمل لدقائق، بينما طلبت من شركات الإسمنت الالتزام بجداول الحدود القصوى للإنتاج، بما يوفر نحو 25% من طاقتها الإنتاجية اليومية، مع اعتماد بعضها على التشغيل بالفحم والمخلفات.
وكان رئيس حكومة الانقلاب قد تعهد بإنهاء أزمة انقطاعات الكهرباء للمواطنين، نهاية يوليو المقبل، مع اتخاذ تدابير بغلق المحلات التجارية في العاشرة مساء، ودعوة المواطنين لترشيد الاستهلاك، بما يضمن تخفيض فترات انقطاع التيار من خمس إلى ثلاث ساعات ثم إلى ساعتين يوميا بعد انقضاء فصل الصيف.