إعداد: عبد الحليم الكناني
1- فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي
(رجل غيور على دينه)
يقول فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر- رحمه الله- في مقدمة أول عدد من مجلة (المنار) حين كُلّف الأستاذ البنا بإعادة إصدارها بعد وفاة مؤسسها العلاَّمة المجدِّد محمد رشيد رضا، قال فيها:
"والآن قد علمت أن الأستاذ حسن البنا يريد أن يبعث (المنار) ويُعيد سيرتها الأولى فسرَّني هذا, فإن الأستاذ البنا رجلٌ مسلمٌ غيورٌ على دينه، يفهم الوسط الذي يعيش فيه، ويعرِف مواضعَ الداء في جسم الأمة الإسلامية، ويفقَه أسرارَ الإسلام، وقد اتصل بالناس اتصالاً وثيقًا على اختلافِ طبقاتهم وشغَل نفسَه بالإصلاح الديني والاجتماعي على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة".
**********
2- مفتي مصر الأسبق فضيلة الشيخ حسنين مخلوف
(من أعظم الشخصيات الإسلامية في هذا العصر)
"الشيخ حسن البنا أنزله الله منازل الأبرار.. من أعظم الشخصيات الإسلامية في هذا العصر، بل هو الزعيم الإسلامي الذي جاهد في الله حق الجهاد، واتخذ لدعوةِ الحق منهاجًا صالحًا، وسبيلاً واضحًا، واستمده من القرآن والسنة النبوية، ومن رُوح التشريعِ الإسلامي, وقام بتنفيذه بحكمةٍ وسداد، وصبرٍ وعزم، حتى انتشرت الدعوة الإسلامية في آفاق مصر وغيرها من بلاد الإسلام واستظل برايتها خلق كثير.
عرفته رحمه الله منذ سنين، وتوثَّقَت الصداقةُ بيننا في اجتماعاتِ هيئة وادي النيل العُليا لإنقاذ فلسطين الجريحة، وتحدثنا كثيرًا في حاضر المسلمين ومستقبل الإسلام، فكان قويَّ الأمل في مجد الإسلام وعزة المسلمين، إذا اعتصموا بحبل القرآن المتين، واتبعوا هدْيَ النبوة الحكيم، وعالَجوا مشاكلهم الاجتماعية والسياسية وغيرها بما شرعه الله في دينه القويم.
ففي الإسلام من المبادئ السامية، والتعاليم الحكيمة ما فيه شفاءٌ من كل مرض، وعلاجٌ لكل داء، وحلٌّ لكل مشكلة، وفيه من الأحكام ما لو نفِّذ، ومن الحدود والعقوبات ما لو أُقيم لسَعِد الناس في كل زمان ومكان بالاستقرار والاطمئنان، وعاد المسلمون إلى سيرتهم الأولى يوم كانوا أعزاء أقوياء.
تلك لمحةٌ من حديثه وهي عقيدة كل مسلم، وأمل كل غيور على الإسلام، غير أنَّ العلماء حبسوا هذا العلم الزاخر في الصدور، ولم يردِّدوه إلا في حلقاتِ الدروس وفي زوايا الدور.
أما الشيخ حسن البنا- رحمه الله- فقد أخذ على نفسه عهدًا أن يرشد العامَّة إلى الحق، وينشرَ بين الناس هذه الدعوة، وينظِّم طرائقَها ويعبِّد سبيلها، ويربِّي الناشئة تربيةً إسلاميةً تنزع من نفوسهم خواطر السوء، ويعرفهم بربهم ويدينهم بدينه الذي ارتضاه الله لهم، فكان له ما أراد، وتحمَّل في ذلك من المشاق والمتاعب ما لا يقدر على احتماله إلا الرجل الصبور، والمؤمن الغيور الذي يبغي رضاءَ ربه بما يعمل، ويشعر بدافعٍ نفسي قوي إلى إنقاذ أمته من شرٍّ وبيلٍ وذلٍّ مقيمٍ.
من الطبيعي- وهذه دعوته- أن يمس السياسة عن قرب، وأن يأخذَ في علاج مختلف الشئون على ضوء التعاليم القرآنية، وهنا يقول الأستاذ بحقٍّ ما نقوله نحن، ويقوله كلُّ من درَس الإسلام، وأحاط خبرًا بالقرآن: إن الإسلام دين ودنيا، وسياسة ودولة، والمسلم الحق هو الذي يعمل للدين والدنيا معًا، فقد جاء القرآن بالعقائد الحقَّة، وبالأحكام الراشدة في العبادات والمعاملات ونظم الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجاء بالأوامر والنواهي وما يصونها من العقوبات والزواجر، وألزم المسلمين كافةً العمل بها، وإقامة الدولة على أساسها، فإذا دعا حسن البنا إلى ذلك فقد دعا إليه الله ورسوله، ودعا إليه الصحابة والتابعون وسائر الأئمة والفقهاء وزعماء الإسلام في كل زمان.
يعيب عليه البعض أنه توغَّل في السياسة، وقد نوَّهت بالردِّ على ذلك في عدة أحاديث أذعْتُها في مناسبات شتَّى، فالسياسة الراشدة من صميم الدين، والصدارة فيها من حق العلماء بل من واجبهم، الذي لا يدفعهم عنه أحد، وما أصيب العلماء بالوهن والضعف وما استعلى عليهم الأدنون وتطاول عليهم الأرذلون إلا من يوم أن استكانوا لأولئك الذين يحاولون احتكار السياسة، ويستأثرون بالسلطان في الشعوب والأمم الإسلامية قضاءً للبناتهم واغتصابًا للحقوق.
وإذا صحَّ فصْلُ الدين عن السياسة أو بعبارة أخرى الحجر على رجال الدين في الاشتغال بسياسة الدولة _ بالنسبة لسائر الأديان _ فلا يصح بالنسبة للدين الإسلامي الحنيف، الذي امتاز على غيره بالتشريع الكفيل بسعادة الدين والدنيا معًا.
وقد كان الأئمة في مختلف عهود الإسلام أعلام دين وسياسة، فما بال الناس اليوم ينكرون على علماء المسلمين أن يعنوا بشئون الشعوب الإسلامية، ويغضبوا لكرامتها، ويجاهدوا لإعزازها، وتبصير الناس بما يموه به الاستعماريون من حيل، ويدبرون من فتن ويدسون من سموم.
وما الذي خولهم حق احتكار الساسة والحكم؟! إنَّ من حق العلماء وأعني بهم القائمين بالدعوة إلى الله، لا خصوص حملة الشهادات العلمية الرسمية أن يمثلوا في كل شئون الدولة وخاصة في السلطة التشريعية، حتى لا يشرع في الدولة الإسلامية ما ينافي أحكام الإسلام، وأن يكون للتشريع الإسلامي الذي لهم به اختصاص واضح الأثر الأول في التشريع والتنفيذ.
إن الدعوة في جوهرها دعوة واضحة المعالم، والقلوب الموفقة قد انعطفت إليها، والشعب قد آمن بها، ومن إنكار الحقائق أن يزعم زاعم انصراف السواد الأعظم من الأمة عنها.
وكلما أمضت السياسة في توهينها ازدادت قوة وذيوعًا، وأيقن الناس بما فيها من خير وصلاح ومن الإخلاص لولاة الأمور الصدق في القول والأمانة في الأداء، فليعلموا أن الدعوة عقيدة استقرت في النفوس، وأن مقاومة السياسة لها ولدعاتها لا يزيدها إلا ثباتًا ورسوخا، وإن من الراسخ في العقائد أن اليهود ومن ورائهم الدولة الغاصبة والدولة الاستعمارية هم الذين يكيدون لها ويبذلون كل ما في استطاعتهم لاستئصالها، ولكن هيهات ما يريدون!!
وبعد فإنا نسأل الله تبارك وتعالى للمسلمين خيرًا عميمًا ورشدًا أمينًا وتوفيقًا سديدًا لكل مَن يدعو إلى خير ورشاد ورحمة واسعة للأستاذ العظيم". (مجلة الدعوة- 13 فبراير 1951م).
************
3- فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف المصري الأسبق
(الإنسانية هي الخاسرة)
"في مثل هذه الأيام منذ عامين مضيا أذن الله أن يلقى الأستاذ المرشد عصا التسيار من دنيا الناس وأن يتفيَّأ في الملأ الأعلى مكانًا قدسيًّا في ظلٍّ من رحمة الله ورضوانه فاطمانت نفسٌ طالما أزعجها القلقُ واستراح جسدٌ شدَّ ما أرهقته الحركة والاضطراب.
كذلك أُصور لنفسي موتته رحمه الله كلمَّا استبدَّ بي الألمُ وساورني الجزع وأخذ الشعور بالفجيعةِ يُغشِّيني بمثْل لفحِ الهجير من قمةِ رأسي إلى أخمص قدمي، فلا يكاد ذهني يستوعب هذه الصورة حتى أجدُ برد العزاء ينسابُ في نفسي كما ينساب الماء المثلوج في أحشاء الصديان يلهبها الظمأ ويسعر نارها الهيام.
وكذلك أرجو للمؤمنين أن يصوروا لأنفسهم هذه الصورة كلما وجدوا لوعة الذكرى تغلي في قلوبهم مراجلها وتستعر في أحشائهم نيرانها، وإنهم لواجدون بها عزاءً مستنيرًا ومستبصرا قائمًا على تقدير منطقي خاص لا على مجرد أن الموت قدر لا حيلة فيه ولا سبيل إلى دفعه على نحو ما يقال لكل من ذاق الموت من هذه المخلوقات.
لم يخسر الأستاذ البنا بموتته تلك شيئًا- أي شيءٍ- هكذا يقول كل أحد، أو هكذا يجب أن يقول كل أحد، سواء المؤمن الذي يسمو بمعنى الجزاء حتى يلتمسه عند الخالق في خوالد الجنات، والكافر الذي يسف بمعنى الجزاء حتى يلتمسه عند المخلوقين في خلودِ الذكر واعتبار التاريخ.
لقد عاش الأستاذ حسن البنا لغايةٍ آمنَ بها إيمانًا شغلته عن كل ما يشغل الناس سواه، شغلته عن أهله وعن ولده وعن نفسه، فلو أنه سُئِل عن كل ساعةٍ أنفقها في تفكيرٍ محرق، أو رحلةٍ جاهدة، أو كتيبةٍ مؤرقة، أو صلاة خاشعة.. ولو أنه سُئل عن مقدار التضحية التي بذلها في سبيل إيمانه هذا لاستطاع أن يقول ضحيتُ بمالي، وبولدي وراحتي، ولم أقصرْ حياة الشظف والخشونة على نفسي حتى جاوزتُها إلى كل ما لهم صلة بي، ثم أخيرًا ضحيتُ بنفسي.
ولو أنه سُئل عن الغايةِ التي تحرَّاها من كل هذا العناء العالي لاستطاع أن يقول بارًا صادقًا: "لم أرد عرض الحياة الدنيا، وإنما أردتُ الله وابتغيتُ ثوابَه العظيم"، ومثل ذلك حق على الله أن يُرضيه حتى يرضى وأن يفتح له أبواب جنته يتبوأ منها حيث يشاء إن شاء الله.
ولقد عاش الأستاذ البنا في الناس حبيبًا إلى قلوبِ أوليائه، مهيبًا في نفوسِ أعدائه، وكانت الكلمة تنطلق من فمه لتملأ الأسماع والقلوب والعقول فيجد فيها الولي بسمة الأمل ونشر الغبطة، ويجد فيها العدو بلبلة الفكر وشوك المضجع، ومن حقه رحمه الله، وهو بهذا المحل الرفيع في أمته الإسلامية جمعاء أن يتحرك التاريخ مزهوًا ليروي سيرته بين مَن يُروى سيرهم، ممن قامت دعائم عظمتهم على الإيمان والإنتاج لا على الدعاية والتهريج.
لم يخسر الأستاذ إذن شيئًا بميتته تلك.. وإنما خسرت الإنسانية.. نعم خسرت الإنسانية، ولا أقول خسر الإسلام.. فإن الإنسانية تتعرض في هذه الظروف لأشدِّ محنةٍ تعرضت لها في تاريخها الطويل، وهي محنة المادية الثقيلة التي تريد أن تظفر بالمعاني الروحية، لتعود الإنسانية كلها بعد ذلك حيوانيةً تتحرك في دفع الشهواتِ كما تتحرك الآلاتُ في دفع البخار.
وقد كان حسن البنا لسان الروحانية المبين، وكان حجتها الواضحة ودليلها الهادي، وكان قوتها المليئة حيويةً ونشاطًا.. ولا نحب أن نستمرئ أحضان اليأس حتى نقول: "لقد كان الأستاذ كل شيء وبموته انهار كل شيء.. فإنَّ رحمةَ الله بالناس أرحب من هذا وأوسع، ولئن مضى حسن البنا إلى ربه، لقد كان فيمن ترك من أبنائه مجتمعين القوة التي تكفُل لهذه الدعوة أن تهدي وأن تنقذ إن شاء الله".
إن خير ما يحيى به المؤمنون ذكرى الأستاذ المرشد هو أن يجتمعوا على الحق، وأن يُعاهدوا الله في صدقٍ وإخلاصٍ أن يكونوا أصحابَ رسالةٍ وأعلام خيرٍ ودعاة أُخوة ورُسل إسلامٍ وسلام".
(مجلة الدعوة- 13 من فبراير 1951م)
*************
4- د. رؤوف شلبي- عميد كلية الدعوة الإسلامية بالأزهر
(قدَّم من التضحيات أغلاها)
"شغل نفسه بالدعوة، وقدَّم من الجهود أضناها، ومن التضحياتِ أغلاها وأعمقها، في سبيل إرساء دعائم الحق، ونُصرة الدين". (كتاب: حسن البنا ومدرسة الإخوان المسلمين)
************
5- فضيلة الشيخ علي حسب الله أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم
(البنا فهم الدين على أنه عمل متواصل لإعزاز الأمة)
"في صيف سنة 1927م دخلتُ مكتبةَ دار العلوم فوجدتُ الداعيةَ المخلص إلى الله في دعواه الشيخ: محمد عبد العزيز الخولي رحمه الله ومعه شاب ممن تخرجوا ذلك العام في دار العلوم، وما كاد الشيخ يرد التحيةَ حتى قال: تعال أسرع إن صاحبك هذا "حسن البنا" عُيِّن مدرسًا ببلدكم الإسماعيلية وهو غير مستريحٍ لهذا التعيين، فتحدثتُ إليهما حديث المعتز ببلده، وذكرتُ للزميل الكريم ما في طباعِ أهل تلك البلد من التودد إلى الوافدِ عليهم، وأنه سيجد فيهم أهلاً بأهل، وإخوانًا بإخوان، وقد صادف هذا الكلام هوًى في نفس الشهيد رحمه الله، ظهرت آثاره بعد سفره.
جاء الفقيدُ الإسماعيليةَ عقب نزاعٍ ديني انقسم فيه المسلمون قسمين: قسم متمسكٌ بالقديم على علاته، وآخر عاملٌ لإصلاحِ عقائد الناس وتطهيرها من أدران البدعِ والخرافات، وظهر الخلاف في مسائل فرعية كان كل فريق يتمنَّى أن يسمع من الداعية الجديد ما يؤيد وجهة نظره فيها، ولكن حسن البنا كانت غايته أسمى وأعمق من أن يُثير خلافًا أو ينصر فريقًا على آخر، كانت غايته أن يُؤلِّف بين القلوب بالمحبةِ ويوجهها إلى الله، ويعدها للتضحية في سبيل الحق، ويرى أن هذا كفيلٌ برفعِ أسبابِ النزاع، فإن النفوس الطاهرة والقلوب الخالصة في منعةٍ من وساوسِ الشيطان وعوامل الفرقة والخذلان.
وقد كان له ما أراد بالنيةِ الصادقة والإخلاص إلى الله، وإذا كان قد تقدمه من المصلحين في العصر الحديث من كان عمله نظريًّا يبدأ من أعلى أو من الوسط فإن حسن البنا رأى أن يبدأ من الأساسِ الذي بدأ به النبيون دعواتهم، وهو إصلاح العامة والفقراء، فلم يعتمد في بادئ أمره على المال ولا على الأغنياء، ولهذا كان يُفضِّل في دعوته أن يغزو المجالس الشعبية العامة كالمقاهي، وشهدت الإسماعيلية بجهوده انقلابًا هامًّا، فإن ذلك الشباب الذي أعماه الجهل وأضله الفساد الشائع بين الناس، والذي يئس العقلاء من إصلاحه، انقلب شبابًا متدينًا متحمسًا للدين معتزًّا به، وقد فهم لأول مرةٍ وبطريقةٍ عمليةٍ أنَّ الدينَ ليس عبادة في المحرابِ فقط، بل هو مع هذا عملٌ متواصلٌ قوي لجمع الشمل وتآزر القوى وإعزاز الأمة، وإحلالها المحل اللائق بها، ومن الرعيل الأول ألفت الجماعة "الإخوان المسلمون" التي كان أول شعار لها ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وأسمى غايتها ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾، ثم نمت الشجرة وأينعت وآتت ولا تزال تُؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها فبارك الله فيها، ومتَّع غارسها برضوانه، وآنسه بالذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا". (مجلة الدعوة- عدد 105).
*************
6- د. محمد يوسف موسى الأستاذ بكلية أصول الدين
(داعية أول عاش لرسالته)
"لا بد لكل رسالةٍ ما من دعاةٍ يقومون بها، ومن داعيةٍ أول يعيش لها وبها، ولعل أهم ما يميز الداعية الأول بعد ذلك عمله على كشفِ الأكفاء لمعاونته في تحقيقِ رسالته، وعلى كسبهم أنصارًا له واستبقائهم دائمًا بجانبه.
وقد كان صديقنا المغفور له الأستاذ حسن البنا "داعيةً" دينيًّا واجتماعيًّا من الطراز الأول، قد جمع الله تعالى له كل ما يجب لنجاحِ الدعوة، ولعل من أهم ذلك ما لمسته فيه من بصره النافذ بمَن يصلحون للقيام معه بدعوته، ثم عمله على ضمِّهم إليه بكل قلوبهم وعقولهم ومواهبهم، عرفت ذلك منه بخاصة، حين رغب إليَّ وآخرين معي في أن نكون رفقاء له في رحلةٍ من القاهرة إلى الإسكندرية ثم رشيد بعد الحرب الماضية.
وأملنا قوي في أن تزداد الدعوة.. دعوة الإخوان المسلمين.. كل يوم قلوبًا وعقولاً جديدةً، ولا سيما في الأيام التي تنتظر الأمة منهم الكثير، وتدعوهم إلى التقدم بما يرون من خططٍ ودراساتٍ ومشروعاتٍ للإصلاح". (مجلة الدعوة- عدد 105)
************
7- د. عبد العظيم المطعني الأستاذ بجامعة الأزهر
(دعوة البنا لن تموت)
"لم يستطيع الغرب أن يبتلع بلاد الشرق الإسلامي عن طريق الحروب الصليبية التي باءت بالفشل، ولم ينصرف الغرب عن التفكير في الشرق بعد فشل تلك الحروب، فحلت مساعي الاستعمار الحديث المسلحة محل تلك الحروب، وخرجت قوافل التبشير إلى ربوع أسيا ومجاهل أفريقيا يساندها تعصبٌ حاقدٌ على الإسلام والمسلمين، ووُضعت الخطط السرية لصرف المسلمين عن دينهم ووضعت بإزائها الاعتمادات المالية السخية للإنفاقِ عليها حتى تبلغ مرادها، فأصبح الإسلام والمسلمون بين فكي كماشة: صراع عسكري يدك المعاقل ويحطم الحصون.. وصراعٌ فكريٌّ ينتزع الإسلامَ من القلوب انتزاعًا أو يُشوه صورته في نفوس بنيه؟!
وقد تعرَّض الشرق الإسلامي لأحداث عنيفة أطاحت بالكثير من معالم حضارته فحروب أو غزوات التتار والمغول التي انتهت بسقوط بغداد ثم الحروب الصليبية ثم تآمر دول أوروبا على دول الخلافة وإسدال الستار على سياسية الباب العالي "الرجل المريض" وتقسيم ميراثه بينهم، وتقسيم الأقطار الإسلامية إلى دويلات كل هذه أحداث حرَّكت المشاعر وأيقظت الهمم في كل مكان، وقد انضم إليها سببٌ آخر داخل الأقطار الإسلامية نفسها وهو تخلف المسلمين وبُعدهم عن دينهم وتفككهم في وقتٍ كان ينبغي أن يكونوا على مستوى الأحداث المحيطة بهم لمقاومتها ورأب ما أحدثته وتحدثه من صدوع؟!
وكان من رد الفعل أن ظهرت حركات الإصلاح في مواقع متعددة من البلاد الإسلامية، قامت حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب المعروفة بالحركة الوهابية، وكانت ثورة على البدع المستحدثة في الدين ومحاولة لتنقيةِ الدين مما علق به من شوائب، وكان مسرحها شبه الجزيرة العربية وقامت الثورة المهدية في جنوب وادي النيل وكانت تهدف إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي في إطار التوجيهات الدينية التي حاول الاستعمار طمسها وتشويهها.
وفي شمال غرب أفريقيا قامت الحركة "السنوسية" لكنها كانت ترتكز على التربية الروحية والنزعة الصوفية أكثر من اهتمامها بمشكلات الحياة.
وقام الشيخ جمال الدين الأفغاني بدعوته المعروفة حول إنشاء الجامعة الإسلامية ولكن مطلبه كان عزيز المنال؛ لأنه مطلب سياسي يقل من يستجيب له من السادة الكبار.
والتف حول هؤلاء تلاميذ لهم اتجهوا إلى المنهج الأكاديمي في الدعوة، وظلت قطاعات الشباب في كل مكان تنتظر مَن ينفث فيها روح القوة، ويلمس بتوجيهه شغاف قلوبهم، وقد ادخرت العناية الإلهية لهذه المهمة الجليلة الإمام الشيخ حسن البنا الذي أصبح شعلةً لم تنطفئ رغم محاولات الحاقدين من عملاء الاستعمار وأعداء الإسلام محليين ومستوردين.
شاب يدعو الشباب إلى الإسلام:
بدأ الإمام الشهيد دعوةَ الشباب إلى التمسك بالدين في وقتٍ مبكرٍ من عمره إذْ كان في الثانية والعشرين منه بعد تخرجه من دار العلوم بعامٍ واحد، وشابٌّ في هذه السن المبكرة يضطلع بهذه المهمة الجليلة، فهو شابٌّ نشأ في طاعةِ ربه وعبادته ولم تعرف حياته "الباكرة" لهو الشباب وعبثهم، وإلا بدأ دعوته في مرحلةٍ متأخرةٍ قطعًا.
اتجه الإمام الشهيد- إذن- إلى إصلاحِ عقيدة الشباب وفكره فأنشأ أول دارٍ للإخوانِ المسلمين بالإسماعيلية فكانت القطرة التي انهمرت منها الغيث وعم القمم والسهول، وباشر دعوته بعقلٍ ناضجٍ وأسلوبٍ واضح.
منذ عام 1928م كانت دعوته من أول عهدها شعبية فيمم الشباب وجوههم شطرها، وسرعان ما خرجت من مدينة الإسماعيلية إلى كل أنحاءِ العالم ثم انتقلت إلى الأقطارِ الإسلامية والعربية في سرعةِ البرق ورقة النسيم.
وقد وَهَبَ الله الإمام الشهيد البيانَ الواضح والأسلوبَ الحكيم إلى ما عمرت به شخصيته من أدبِ النفس واستقامةِ السلوك وفقهه بمقاصدِ الإسلام، وحفظه للقرآن الكريم والوقوف على أسرارِه ومعانيه، وروايته للحديث، وإلمامه بعبر التاريخ وفهمه لسيرة أصحاب الرسول- صلى الله عليه وسلم-، ومعرفته بمواطن الضعف في الأمة، وبهذا قد استكمل الإمام الشهيد كل مقومات الداعية المؤثر، والمصلح المطاع كان يعرف إلام يدعو؟ وكيف يدعو؟ ومَن يدعو؟ ومتى يدعو؟ بقلبٍ شجاعٍ وسلوكٍ طيب، ولسانٍ فصيح، وحجةٍ ساطعة، فلا غرابةَ أن يلتف الشباب كله في عزمٍ وثباتٍ حول ذلك المصلح المخلص.. إلام كان يدعو الإمام الشهيد؟
كان الإمام متبعًا وليس مبتدعًا، والاتباع هو منهجُ كل مصلحٍ صادق، أما الابتداع فإنه مسلك كل دجال كاذب، كان الإمام متبعًا ولأنه اتخذ من التمسك بالدين طريقًا للإصلاح، وفي هذا يقول "دعوتنا إسلامية بكل ما تحمل الكلمة من معاني فافهم ما شئت، وأنت في فهمك هذا مقيدٌ بكتابِ الله وسنةِ رسوله، وسيرة السلف الصالحين من المسلمين، فأما كتابُ الله فهو أساس الإسلام ودعامته، وأما سنة رسوله فهي مبينة الكتاب وشارحته، وأما سيرة السلف الصالح فهم رضوان الله عليهم منفذو أوامره، وهم الصورة الماثلة والعملية لهذه الأوامر والتعاليم، وكان هدف الإمام من تلك الدعوة أن يعيد الشبابَ المسلمَ إلى الإسلامِ الصحيحِ بجلاءِ مفاهيمه، وإيضاح مراميه، فالإسلام منهج حياةٍ بكل ما تتسع له كلمة "الحياة" من معاني فهو عقيدةٌ وشريعة، ودنيا وآخرة، بيانٌ وفكر وجهاد ونضال قد وسع النشاط البشري كله، لكل مسألة فيه حكم وتوجيه، ولكل مشكلة حل، هو مع المسلم أينما حل في صحوه ونومه، في معمله ومصنعه، وفي محرابه ومصلاه، في أكله وشربه، هو معه في كل شئونه، وكل محاولةٍ للإصلاحِ لم تتخذ من إسلام زادها وعدتها باءت بالفشل، ولا سبيلَ لإصلاحِ شئوننا إلا بالعودةِ للإسلام، ولهذا فإنه يطالب بالخطوات الآتية:
1- إصلاح القوانين: وهذا يكون بموافقة القوانين لأصول الفقه الإسلامي
2- إصلاح مظاهر الاجتماع: وهذا يكون بموافقة السلوك لمبادئ الدين الحنيف.
3- محاربة الإباحية: وهي تتحقق بقمع الشهوات والتحلي بالفضائل.
4- تنظيم التعليم: بحث يهدف التعليم إلى حماية العقيدة واستقامة الخلق.
5- المؤاخاة بين المسلمين: بحيث يكون المسلمون رجلاً واحدًا وقلبًا واحدًا ويدًا واحدًا وكونوا عباد الله إخوانًا.
قيمة هذه الدعوة
جاءت دعوة الأستاد الإمام رد فعل هام للأحداث الخطيرة التي تجمعت آثارها في مطلع العشرين، فقد نشطت الأصوات التي كانت تنادي بترك الحجاب وتدعو إلى سفورِ المرآة، ونشطت الأقلام التي كانت تدعو إلى القضاءِ على اللغةِ العربيةِ الفصحى لتحل العامية محلها، بل وتطالب بأن تكون الكتابة بالحروف اللاتينية لتحل محل الحروف العربية، وأخذ مَن يُسمون أنفسهم "أنصار المرآة" ينادون بالاختلاطِ بين الرجال والنساء في كل مكان بحجة تحرير المرأة، كما فعلت المرأة الأوربية وتعرضت مبادئ الإسلام نفسه للإهمال فترك العمل بكتابِ الله وشريعته في الحكم ودور القضاء والنيابة، وحلت محلها القوانين الوضعية، وصار الربا مصدرًا من مصادرِ الكسب لدى الجماعات والأفراد، ونشط عملاء الاستعمار في توجيه الطعنات للإسلام في الصميم، فقبيل قيام الأستاذ الإمام بدعوته الشجاعة بعامين أصدر الدكتور طه حسين كتابه في الشعر الجاهلي، وقد طعن في صدق القرآن الكريم، وقال إنَّ ورود قصة إبراهيم وإسماعيل في القرآن ليس بدليل كافٍ على وجودهما التاريخي، كما شبَّه القرآن بقصائد أمية أبن أبي الصلت الشاعر الجاهلي وبرئ الدكتور طه حسين في مقدمةِ كتابه ذلك من دينه وعقيدته، وأخذ يُدرِّس تلك السموم التي احتوى عليها كتابه للشبابِ في الجامعة المصرية الناشئة.
هذه النزعات الخطيرة لو لم تقم في وجهها دعوةٌ صلبةٌ تؤمن بالحقِّ وتذود عنه- وقد تمثلت تلك الدعوة في جهودِ الإمام الشهيد- لانتزعت الإيمانَ من قلوبِ الناس انتزاعًا وخاصةً الشباب، ومن هنا تكتسب دعوة الإمام البنا قيمتها.
ولم يأبه أنصارها مما أصابهم في سبيلها من أذى، والتاريخ على هذا خيرُ شاهدٍ، قيامًا بالحق، وذودًا عن الدين وحراسةً لقيمه في إباءٍ وشمم، وما زالت دعوته تُؤتي ثمارها- ولا تزال حتى ينصر الله حزبه وجنده وجند الله هم الغالبون.
سر بقائها واستمرارها:
تجاوزت دعوة الإمام البنا الخمسين عامًا تعمل بجدٍّ وإخلاصٍ لنصرةِ الإسلام عقيدةً وشريعة، وهي قوة وصلابة لم يلحقها تغيير ولا تبديل في مبادئها الأصيلة التي عرفت بها من إنشائها، ولم يزهد أنصارها فيها أنهم تعرضوا لضرباتٍ غاشمةٍ ثلاث كرات استشهادًا واعتقالا وسجنًا واضطهادًا وتعذيبًا ورميًا لهم بالإرهابِ والوحشية، بل أنهم كانوا يخرجون من كل محنةٍ وهم أصلبُ عودًا وأثبت قدمًا، حتى أصبحت حركة الإخوان أكبر حركةٍ إسلاميةٍ في العصرِ الحديث وأبقى أثرًا.. فهل لذلك ولهذا سبب؟ نعم:
أما ثباتها واستمرارها فلأنها دعوة قامت على الحق والحق ثابت لا يتغير، فمبادئ الإسلام هي هي منذ أقرها عليه الصلاة و السلام، وكل دعوة تعتمد على مبادئ الإسلام لا ينالها تغيير ولا تبديل، أما النظم الأخرى عُرضةً للخطأ، ولهذا فإنَّ الخمسين عامًا هذه قد تبدلت فيها أحوال وتغيرت.. فكم من المذاهب قامت ثم سقطت وحلَّت محلها اتجاهات أُخرى مرات ومرات في كل بلدٍ من بلدان العالم المعاصر، بل إنَّ مصر نفسها- موطن الدعوة قد مرَّت بكثيرٍ من التجاربِ الفكرية والسياسية خلال هذه المدة، ويقرر اليوم منهج ثم يأتي الغد فيلغي ويبحث عن بديل له، بل إن عهد الثورة المصرية الأخيرة قد عرف حتى اليوم اتجاهات عدة وما زلنا نرى سلوكًا يحل محل سلوك، نستقبل الجديد بالثناء والأمل ونودع القديم بالذم ونرميه بالقصور.
وأما التفاف الشباب حولها في عزمٍ وثباتٍ فيفسره لنا العلامة ابن خلدون في مقدمته حيث يقول: إنَّ العربَ لا يجتمعون إلا حول قيادة دينية ولا ينتصرون إلا بقيادة دينية، وقد صدق التاريخ هذه القاعدة فقبائل العرب المتفرقة المتناحرة صنع منها الإسلام بقيادة محمد- صلى الله عليه وسلم- خير أمة أخرجت للناس دكت عروش كسرى فارس وقيصر الروم وملأت الأرض عدلاً ونورًا، وصلاح الدين الأيوبي حينما تمسك بالإسلام وحد صفوف العرب والمسلمين جميعًا، فكانت كل المنابر في العالم الإسلامي تدعو له مخلصةً بالنصر، ويؤمن المصلون في صوتٍ هادر قائلين آمين.
ذلك هو الطريق فهل نحن سالكوه؟.. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55)﴾ صدق الله العظيم.
[ *] فضيلة الداعية الشيخ: محمد الغزالي:
"كان حسن البنا- حيث حل- يترك وراءه أثرًا صالحًا، وما لقيه امرؤ في نفسه استعداد لقبول الخير إلا وأفاد منه، ما يزيده صلة بربه، وفقهًا في دينه، وشعورًا يتبعه نحو الإسلام والمسلمين، والرجل الذي يشتغل بتعليم الناس لا يستطيع في أحيانه كلها أن يرسل النفع فيضًا غدقًا، فله ساعات يخمد فيها، وساعات يتألق وينير.
إن الإشعاع الدائم طبيعة الكواكب وحدها، وقد كان حسن البنا في أفقه الداني البعيد، من هذا الطراز الهادي بطبيعته لأن جوهر نفسه لا يتوقف عن الإشعاع.
سل الألوف المؤلفة التي التقت به.. أو التي أشرقت عليها الرجل في مداره العتيد، ما من أحد منهم إلا وفي حياته ومشاعره وأفكاره أثر من توجيهات حسن البنا، أثر يعتز به ويغالي بقيمته ويعتبره أثمن ما أحرزه في دنياه.
التقيت بالإمام الشهيد لأول مرة وأنا طالب في معهد الإسكندرية، وكنت شابًا تجتذبني دواعي التقى والعفاف، وتناوشني مفاتن الحضارة الوافدة من وراء البحار، فكانت الغرائز المستثارة تدخل في مضطرب مائج مع إيحاء الإيمان الموروث، واتجاهات الدراسة التي نتلقاها في علوم الدين... ونحن جيل مخضرم تلتقي في حياتنا تيارات متعارضة، وما كان يعلم إلا الله ما يجول في قلوبنا وألبابنا من أسى وتعقيد.
وقد أورثتني معاناتي السابقة لهذه الأحوال تقديرًا لمشاكل الشباب، ورقة شديدة لما يمرون به من أطوار، ثم أدركت أن الوعظ المجرد والتعليم العابر لا يجديان كثيرًا، وعندما استمعت إلى حسن البنا لأول لقاء تكشفت لي أمور كثيرة لا بد منها في صحة إبلاغ الرسالة وإمكان النفع الكامل بها.
ليس الداعية إلى الله، أداة ناقلة، كالآلة التي تحمل سلعةً ما من مكان إلى مكان، وليست وظيفته أن ينقل النصوص من الكتاب والسنة إلى آذان الناس، ثم تنتهي بعد ذلك مهمته.
كانت لدى حسن البنا ثروة طائلة من علم النفس، وفن التربية، وقواعد الاجتماع، وكان له بصر نافذ بطبائع الجماهير، وقيم الأفراد، وميزان المواهب... وهذه بعض الوسائل التي تعين على العودة وليست كلها.
والوسيلة التي تعتبر طليعة غيرها، ولا تؤتي الدعوة إلى الله ثمارها كاملة إذا لم تتوافر لها، هي إلهام الله للداعية أن يتخير موضوعه المناسب، وأن يصوغه في الأسلوب الذي يلقى هوى في أفئدة السامعين، ويترك أثره المنشود في نفوسهم وأفكارهم.
إن القذيفة قد تنطلق، كاملة العناصر، تامة القوة، ولكنها تقع بعيدة عن مرماها، فتذهب هدرًا، وما أكثر الخطباء الذين يرسلون من أفواههم حكمًا بالغة تنطلق هنا وهناك، كما ينطلق الرصاص الطائش، لا يصيب هدفًا ولا يدرك غرضًا.