إن استيعاب الأفراد من قبل المربي في محاض التربية داخل الجماعة المسلمة له أسس واضحة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم  التي تقوم بتكوين المسلم وتربيته.

لقد نهجت السنة النبوية الشريفة نهجاً فريداً في تكوين الفرد بما يتناسب مع كمال المنهج الإسلامي والفطرة التي فطر الله الناس عليها ..

فلم يكن المنهج النبوي في تكوين الفرد ذا طابع روحي بحت يسقط من حسابه لحاجات المادية العضوية كما لم يكن منهجاً مادياً محضاً شأن المناهج الوضعية والفلسفات المادية ..

فسنة الرسول صلى الله عليه وسلم نظرت إلى الإنسان وعاملته كإنسان متكامل الميول والنوازع والحاجات؛ فهي لم تتعامل معه كملاك كما أنها لم تعتبره حيواناً كبقية الحيوانات ليس إلا ..

قواعد أساسية من السنة :

فيما يلي سنعرض لعدد من القواعد التي بينتها السنة النبوية الشريفة في نطاق التكوين والتي من شأنها بناء الفرد بناء سليماً لا تفريط فيه ولا إفراط ..

- أثر الثواب والعقاب في التكوين

ومن الأسباب المساعدة في عملية التكوين والمتوافقة مع فطرة الإنسان وتكوينه الخلقي التأثر بمبدأ الثواب والعقاب جاءت السنة النبوية تطبيقاً علياً لبدء (الجزاء) التي حفل بها القرآن الكريم .. وفي مقدمتها قوله تعالى : { ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلك تتقون } .

ولكن هذا لا يعني أن يكون التكوين (بالعقوبة) ابتداء وإنما في أعقاب استنفاد كل الوسائط والأسباب وعلماء التربية المسلمون يرون أنه لا ينبغي للمربي أن يلجأ إلى العقوبة إلا عند الضرورة القصوى، وأن لا يلجأ إلى الضرب إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء وفي قول لابن خلدون : ( من كان رباه العسف والقهر سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل، وحله على الكذب والخبث خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر، وعلمه المكر والخديعة؛ ولذلك صارت له هذه عادة وخلقاً، وفسدت معاني الإنسانية التي له )).

ولذلك كان لا بد من اتباع الأولويات في التكوين ومراعاة الفوارق النسبية والجذرية بين فرد وآخر؛

- فيكون التكوين ابتداء بالتوجيه ..

-ثم يكون بالملاطفة ..

- ثم يكون بالإشارة والتنبيه ..

- ثم يكون بالتوبيخ ..

- ثم يكون بالهجر والمقاطعة ..

- وأخيراً يكون بالعقوبة الرادعة ..

وهاكم طائفة من الأحاديث النبوية جاءت في معرض التحذير والعقوبة :

- ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر )).

- (( أقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم )) رواه ابن ماجة .

- ((لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه))رواه أبو داود .

- (( في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف قال رجل من المسلمين : يا رسول الله متى ذلك ؟ :إذا ظهرت القيان والمعازف وشرب الخمور )) رواه الترمذى .

- (( من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ))رواه الترمذى وأبو داود .

- ((إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار : 1 - إذا ظهر التلاعن  2- وشربوا الخمور 3- ولبسوا الحرير 4- واتخذوا القيان 5- واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء )) رواه البيهقى .

- ((الزنا يورث الفقر )) رواه البيهقى .

-(( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله )) رواه الحاكم .

وهكذا تتكاثر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أساليب وأسباب التربية والتكوين تكاثر الأمراض والطباع والعادات والتقاليد والمجتمعات تأكيداً لعظمة الإسلام وإعجاز وقدرته على تغطية كل الاحتياجات ومعالجة كل النفوس في مختلف الأزمنة والأمكنة وسنة رسول الله ثابتة ماضية ى هذا السبيل لا يضرها من خالفها حتى يأتي أمر الله وصدق الله تعالى حيث يقول :{ وما ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحي } وصدق رسوله المصطفي صلى الله عليه وسلم حين يقرر:((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي )).

منقول بتصرف من كتاب "الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية " للدكتور فتحي يكن رحمه الله .