د. أشرف دوابة

يمر الاقتصاد المصري بمرحلة حرجة في ظل سياسة اقتصادية غير رشيدة اعتمدت على التمويل بالديون لمشروعات باهظة التكاليف قليلة العائد، وعسكرة الاقتصاد بصورة جعلت القطاع الخاص في ورطة، وفتح الباب للأموال الساخنة لتسرح وتمرح ثم تخرج رابحة على حساب الاقتصاد المصري، تاركة من ورائها خلخلة في الاقتصاد وتهاويا في سعر صرف الجنيه المصري وانخفاضا في الاحتياطي من النقد الأجنبي، ومزيدا من الارتفاع في أسعار السلع والخدمات.

لقد تجاوز الدين العام المصري الحدود الآمنة وتضاعف الدين الخارجي ليصل إلى نحو 158 مليار دولار في مارس الماضي، مقابل 43 مليار دولار وقت انقلاب السيسي، كما أنه وفقا لمؤشر مديري المشتريات الصادر عن ستاندرد آند بورز جلوبال (بي دي إف)، فإن القطاع الخاص في مصر يشهد منذ عشرين شهرا على التوالي انكماشا. كما اتسع عجز الحساب الجاري لمصر بأكثر من 2 في المئة، ليصل إلى 5.79 مليار دولار في الربع الثالث من العام المالي 2021/2022. وقد خرجت 14.75 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية من البلاد خلال الفترة بين يناير ومارس، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.

وفي ظل هذا الوضع المرزي ما زالت مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي قائمة منذ مارس الماضي للخروج في نظرها من هذا المأزق، ناسية أو متناسية أنها ستنتقل من مأزق إلى مأزق أكبر في ظل مصيدة صندوق النقد الدولي؛ الذي لا هدف له إلا استعباد الدول بمصيدة الديون وإفقار الشعوب بالقضاء على الحماية الاجتماعية، لا سيما وأن العودة إلى الصندوق من أجل برنامج قروض سيكون الثالث في غضون ست سنوات.

ثم أليست هذه الحكومة هي التي تغنت بقرض "اتفاق الاستعداد الائتماني" لمصر من الصندوق بقيمة 5.2 مليار دولار، الذي أُعلن وقتها أنه للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي لمصر، مع وضع أولوية لحماية الإنفاق الاجتماعي والصحي الضروري، وتجنب تفاقم الدين العام، وإرساء توقعات التضخم وحماية الاستقرار المالي مع الحفاظ على سعر صرف مرن، وتنفيذ إصلاحات هيكلية أساسية لتعزيز الشفافية والحوكمة والمنافسة.. فهل تحققت أهداف هذا القرض؟!

إن صندوق النقد الدولي الذي تبنى هذه الأهداف هو نفسه الذي دعا منذ أيام الحكومة المصرية إلى اتخاذ خطوات حاسمة بشأن الإصلاحات المالية والهيكلية، مؤكدا أن مصر لا تزال عرضة للصدمات الخارجية بسبب عبء الديون المرتفع ومتطلبات التمويل الإجمالية الكبيرة، وأن هناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية أعمق لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد، وتحسين الحوكمة، وتعزيز قدرته على الصمود في مواجهة الصدمات.

إن وعد الصندوق ومن سار في طريقه لا يختلف عن وعد الشيطان، فهو يعد بكل شيء ويتنصل من كل شيء، فما تغنت به الحكومة مع الصندوق من وعود باقتصاد واعد لمصر لم يكن إلا سرابا على أرض الواقع، وما زالت الحكومة تسير بقصد أو بدون قصد وراد هذا السراب، مع أن الواقع يكشف أنها تعرف ما تعمل، فليس لها هدف إلا معالجة الأزمات بالأزمات واتباع سياسة التسكين وترقيع الديون، وظلم الجيل الحالي والأجيال القادمة في ظل تحمل تبعات الديون، فضلا عن متطلبات الصندوق من إعادة تعويم الجنيه المصري وهو ما تسير عليه الحكومة الآن، والمزيد من عمليات الخصخصة حيث يتم على قدم وساق بيع ما تبقى من مؤسسات قطاع الأعمال لمستثمرين من الإمارات والسعودية، وما يترتب على ذلك من فقدان السيادة الاقتصادية. وفي الوقت نفسه فإن دعوة الصندوق لاتخاذ خطوات مؤثرة لتقليل مشاركة العسكر في الاقتصاد وتعزيز تنمية القطاع الخاص، في رأينا ستكون معالجة شكلية من قبل الحكومة في ظل سيطرة العسكر على مقدرة البلاد الاقتصادية والسياسية.

إن روشتة الصندوق لن تحقق إلا مزيدا من زيادة الديون وارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب والفقر وضرب الحماية الاجتماعية في مقتل، والعيش في مصيدة الديون حتى يفيق المصريون على فقاعة انفجارها وإعلان الحكومة إفلاسها.. تلك الحكومة التي باعت كل شيء ولم يظهر لها أثر تنموي يفيد الناس في شيء.

 

twitter.com/drdawaba