قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق إن مصر دولة ثرية وليست فقيرة كما يردد بعض المسئولين، وأن النظام الحالي يقود البلاد إلى الجحيم.

وشدد في حوار مع "العربي الجديد" على أن مصر بالتحليل الدقيق والرقمي، لكل مصادر الدخل، هي بلد غني جدا، ولكنها تدار بطريقة، إما يحكمها عدم الكفاءة من ناحية، أو جماعات الفساد والمصالح الضارة من ناحية أخرى، وبالتالي يُهدر جانب كبير من الثروة.

وقال فاروق إن من يورط مصر في الديون أكثر من قدرتها على السداد، سيؤدي فعله حتما في المرحلة التالية إلى ما حدث في عهد الخديوي إسماعيل، حينما رهن أصول أمواله الشخصية وممتلكات الدولة، والتي من بينها أراضي مصر والسكك الحديدية والموانئ، لأصحاب الديون الأجانب.

ود. عبد الخالق فاروق خبير في إعداد موازنات الدول النامية، وتعرض للاعتقال في مصر منذ 3 سنوات، عندما رفض مقولة إن "مصر بلد فقير"، واستطاع من خلال كتبه وأبحاثه أن يثبت للقضاء أن مصر بلد غني بثرواته.

وحول مشروع الموازنة العامة، لعام 2022- 2023، قال إنه لا يختلف من حيث الجوهر والاتجاهات العامة عن السنوات السابقة، من حيث: أولا: الاعتماد على سياسة الاقتراض، سواء تم ذلك من الداخل أو الخارج لتغطية العجز في الموازنة العامة، وثانيا: تحميل الفئات الفقيرة والطبقة الوسطى أعباء إضافية، سواء كانت أعباء الرسوم أو الضرائب وغيرهما من أشكال الجباية العامة المشروعة، وغير المشروعة، التي تُفرض عبر الالتفاف على القانون، الذي يحظر تحصيل أي ضرائب أو رسوم بدون نص قانوني.

أما الأمر الثاث فهو أنه لم يجر أي تغيير على فلسفة السياسة المالية، بالرغم من أنها وصلت خلال السنوات الماضية إلى طريق مسدود، حيث لا توجد مشروعات تُوجه للتنمية، بل تتوجه معظم النفقات لمشروعات البنية الأساسية، خاصة الطرق والكباري، والعاصمة الإدارية الجديدة، وهذه كلها مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية في الأجل المتوسط، وبعضها في الأجل الطويل ليست لها ضرورة أو عوائد.

الأخطر من ذلك أن السياسة المالية توسعت في الخصخصة وبيع الأصول العامة، سواء كانت عبر وثيقة اسمها "وثيقة ملكية الدولة" أو غيرها، والتي لا تختلف في مضمونها عن غيرها، إلا في محاولة توفير غطاء قانوني أو فكري لعملية الخصخصة وبيع أصول الدولة، ولا سيما أن صدور القانون رقم 177 لسنة 2017 الخاص بـ"الصندوق السيادي" لمصر، جعل كل الأصول العامة تحت يد الجنرال عبد الفتاح السيسي، يتصرف فيها كيفما يشاء ودون معقب أو مراجعة قضائية. فالسياسة المالية هي من زاوية تذهب في اتجاه الإنفاق على مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية، ومن ناحية أخرى الإيرادات العامة تزيد الأعباء على الفقراء، وتتجه نحو مزيد من الاقتراض وتحميل الأجيال الحاضرة والقادمة أعباءً هائلة لا يستطيع الاقتصاد المصري الوفاء بسدادها.

التعليم والصحة

-وأوضح أنه ما زالت نسب الإنفاق الموجهة للتعليم والصحة في الموازنة العامة أدنى من نصف النسبة المنصوص عليها في الدستور، والأخطر أن الجانب التقشفي تعلق بالحقوق المالية التي تخص الناس، حيث جمد النظام الأجور والمرتبات لمدة 5 سنوات.

وخلال هذه الفترة، ثبت بند الأجور على حاله، أو تحرك في حدود ضئيلة جدا، وهذه الحركة كانت عبارة عن مزايا لفئات اجتماعية أخرى، مثل الجيش والشرطة والقضاء، التي حصلت باستمرار على زيادات مالية، بالإضافة إلى المكتسبات العينية التي يحصلون عليها بالفعل.

لذلك نرى التقشف لدى الحكومة يطبق على المعلمين وباقي الموظفين، في الوقت الذي لم تتوقف فيه عن منح مزايا مستمرة في مرتبات ومعاشات "مؤسسات القوى" على حساب باقي الفئات الاجتماعية بالدولة. وعلى الجانب الآخر، نجد إنفاقا سفيها ومؤذيا لمشاعر المصريين، مثل الصرف على الحفلات والاستقبالات والدعاية والإعلان، وهو جزء كاشف عن نمط تحيزات القائمين على السياسة المالية وتوجيه النفقات.

دولة غنية

وحول سؤال عن موازنة "دولة فقيرة" كمصر قال:  هذه أكبر أكذوبة يرددها المسئولون في الدولة، سواء في فترة ما قبل ثور 25 يناير أو ما بعدها، وهي أن مصر دولة فقيرة وبلد موارده محدودة. مصر بالتحليل الدقيق والرقمي لكل مصادر الدخل، هي بلد غني جدا، ولكنها تدار بطريقة، إما يحكمها عدم الكفاءة من ناحية، أو جماعات الفساد والمصالح الضارة من ناحية أخرى، وبالتالي يُهدر جانب كبير من الثروة.

فعلى سبيل المثال، توجد 12.5 مليون وحدة سكنية شاغرة، جزء منها بني منذ 15 عاما وأكثر، وجزء آخر بني منذ ما بين 10 أو 5 سنوات، وكلها تكشف مدى التخمة في المعروض من الوحدات السكنية في الدولة، وكان يجب أن ينتبه أي مسئول لديه درجة من درجات الحصافة والعقل الرشيد أن يعالج هذه المشكلة قبل أن يتحول إلى استخدام جزء كبير من موارد الدولة في بناء وحدات سكنية جديدة، والتعامل معها على أنها مشروع استثماري، وكأنه يدير شركة ولا يدير دولة. فالتوسع الذي قامت به حكومة السيسي على مدار 8 سنوات في بناء الوحدات السكنية، جعلته يحصل على أراضي الدولة دون أن يدفع مليما لميزانية الدولة، ثم عرض هذه الوحدات السكنية بأسعار مرتفعة لشرائح اجتماعية غير محدودة الدخل، وحقق من ورائها أرباحا.

ترتب على ذلك أن الطلب المتزايد على الوحدات الجديدة ضاعف أسعارها عدة مرات، مع وجود عدم رشادة في الإدارة

والمثل الآخر، يظهر جليا حينما أصدر السيسي القرار الجمهوري رقم 57 لسنة 2016، وسيطر على 700 مليون متر مربع، بما يعادل 166 ألف فدان، لصالح إقامة العاصمة الإدارية الجديدة، وتجمع الشيخ محمد بن زايد، وأدخل تلك المساحة من الأرض بعد تقييمها في أصول شركة تابعة لجهاز الخدمة الوطنية، وهي أراض للدولة، دون أن يسدد أي مبالغ للميزانية العامة، لأن الأرض كلها ملكية عامة وغير تابعة للجيش، الذي يقتصر حقه الدستوري والقانوني في الحصول على الأراضي التي تستخدم في العمليات العسكرية فقط، وعندما يتخلى الجيش عن قطعة أرض، ويرغب في تحويلها لاستثمار عقاري، تصبح في هذه اللحظة ملكا للدولة والخزانة العامة.

وفقا لتحليل أسعار الأراضي في أقل التقديرات - 1000 جنيه للمتر- التي بيعت بها أراضي العاصمة الجديدة، فإن الموازنة العامة خسرت ما بين 170 مليار جنيه و140 مليارا، بعدما منحت الأرض لجهة لا تسدد قيمتها للدولة أو تتحمل عنها أي أعباء أو ضرائب، ولا رسوم على وارداتها، وهذا شكل من أشكال إهدار الموارد العامة.

كارثة القروض

وحول سؤال عن الاقتراض من الغرب والشرق قال: للأسف تحولنا إلى دولة تستجدي المال من الآخرين، ويبحث قادتها عن التمويل من الخارج لمصالحهم الخاصة، بينما ذلك لا يظهر أثره على المواطنين. فالجنرال عبد الفتاح السيسي صرح عدة مرات، حول النفقات التي وجهها على المشروعات العامة، وفي كل مرة يعطي للرأي العام رقما مخالفا للآخر، فمرة يذكر أننا أنفقا 4 تريليونات، وأخرى 6 تريليونات، وساعة يقول 500 مليار دولار، وكلها أرقام غير صادقة، لأنه لا توجد جهات تراقب هذه التصرفات، وتراجع هذه النفقات، وفقا لما تقتضيه المصلحة الوطنية العامة.

جزء كبير من هذه التمويلات، يأتي من ديون داخلية وخارجية، ندفع ثمنها من السياسة المالية، فحوالي 60% من مصروفات الموازنة العامة، تتوجه إلى خدمة الدين، سواء لدفع الأقساط العامة أو الفوائد، ولا يتبقى للتعليم والصحة والخدمات العامة وكل احتياجات المائة مليون مصري، سوى 40%، وجزء من تلك المخصصات يجري اقتراضه من الخارج.

تداعيات الاستدانة المفرطة

وأكد أن من يورط مصر في الديون أكثر من قدرتها على السداد، فسيؤدي فعله حتما في المرحلة التالية، إلى ما حدث في عهد الخديوي إسماعيل، حينما رهن أصول أمواله الشخصية وممتلكات الدولة، والتي من بينها أراضي مصر والسكك الحديدية، والموانئ لأصحاب الديون الأجانب.

والنظام يقوم الآن بنفس الإجراء، من خلال قانون توريث الديون المصرية، حيث سيطرح جزء من هذه الديون للتداول في البورصات، وبالتالي تصبح سندات الدين، في مرحلة تالية مطلبا من أصحاب الدين بأن تتحول المؤسسات والمنشآت العامة إلى ضمانات للسندات، بما فيها هيئة قناة السويس وآبار البترول والغاز.

وهذه السياسات تضع مصر في مسار شديد الخطر، شديد الضرر، في المستقبل القريب. مصر تقترب من حافة الإفلاس الفعلي، في خلال 4 إلى 5 سنوات. وها نحن نرى أن السعودية تفضل الآن تقديم القروض في شكل استثمارات، وكذلك فعلت الإمارات، حيث يفضلون شراء الأصول المصرية، سواء كانت منشآت صناعية، أو موانئ أو حقوقا بترول. وبذلك يتجه بنا النظام الآن إلى الجحيم.

بيع أصول الدولة

وحول  بيع الأصول العامةأوضح أن  هذا التغيير الذي تروج له الحكومة ليس جديدا، فعندما وقف السيسي عام 2017، وقال في خطاب عام إن الحكومة لديها 7 ملايين موظف ليس لهم ضرورة، هنا رأينا أن النية تتجه إلى خصخصة الجهاز الحكومي للدولة. وقد نشرت الأرقام التي تدل على أن الجهاز الحكومي، يتضمن أعداداً لا يمكن الاستغناء عنها. لكن سيجري بيع المدارس الحكومية، فيتخلص من عبء أجور المدرسين، والمستشفيات يجري خصخصتها تدريجيا.