يتجه نظام الانقلاب نحو بيع بعض الأصول المهمة كالبنوك والشركات والفنادق، ومزيد من الاقتراض، وفرض الضرائب، من أجل تمويل الموازنة الجديدة التي تعاني من عجز حاد، وسط أزمة مالية خانقة بسبب ضعف الإيرادات والتي تأتي معظمها من الضرائب والقروض، مقابل إنفاق مالي ضخم، خاصة مع رغبة الحكومة في استكمال إنشاءات العاصمة الإدارية الجديدة وبعض المشروعات التي تصفها بالقومية.

وكشفت البيانات المالية للموازنة الجديدة (2022-2023) عن ارتفاع حجم الضرائب بنسبة 465% منذ اغتصاب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الحكم .

ومن المقرر أن تبدأ حكومة الانقلاب في فرض زيادات جديدة في أسعار البنزين والغاز والكهرباء في يوليو المقبل، من أجل الحد من عجز الموازنة.

ورطة العاصمة الإدارية

تخطت أقساط الديون وفوائدها، 54% من إجمالي الإنفاق العام، بما يعادل 90 مليار دولار، بزيادة 27 مليارا عن عام 2021ـ2022، بينما ارتفعت الديون الحكومية الخارجية، إلى 145.52 مليار دولار نهاية ديسمبر 2021.

من ناحية أخرى، تقرر تأجيل النظر في تمويل بعض المشروعات العامة، التي تحتاج إلى قروض دولية جديدة، حيث اعتبرت قيادة الانقلاب المساس بتلك المشروعات القومية خطا أحمر، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".

وشنت الأذرع الإعلامية للانقلاب هجوما حادا على المطالبين بالتقشف وتأجيل تنفيذ مشروعات القطار السريع، والعاصمة الإدارية.

وهناك خطة لدى مصطفى مدبولي رئيس حكومة الانقلاب ستمول جزءا من العجز، المقدر بنحو 30.18 مليار دولار.

يحتسب العجز بنسبة 6.1% من الناتج المحلي، بعد إصدار سندات دولية بقيمة 4.9 مليارات دولار، والحصول على قروض جديدة تبلغ 8 مليارات دولار، وإصدار سندات وأذون خزانة محلية تقدر بنحو 74 مليار دولار

عقبات بيع أصول الدولة

أكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" عدم قدرة النظام على تدبير تمويل العجز في الموازنة، من عوائد بيع الممتلكات العامة، خلال العام الحالي، بسبب عدم انتهاء البنوك الاستثمارية والمؤسسات المالية من تقييم أصول الشركات المطروحة للبيع للصناديق العربية.

ورغم عزم حكومة الانقلاب على تخارج الحكومة كلياً أو جزئياً من 79 نشاطاً اقتصادياً، على مدار 3 سنوات، لم يقدم للجهات الفنية، قائمة نهائية بالأصول المقرر طرحها للبيع، أو الشراكة مع المستثمرين، أو التي سيتنازل عنها بالكامل للقطاع الخاص.

وأمام إصرار رئاسة الجمهورية على المضي قدما في تدبير الأموال اللازمة لاستكمال مشروعات النقل والطرق، وخاصة القطار السريع، والعاصمة الإدارية، من موارد الميزانية العامة، والاقتراض من الخارج، طلب مدبولي من وزيري الصحة والتعليم، تحديد مجموعة من الجامعات والمدارس العامة، ومراكز التعليم الفني، ومستشفيات عامة، ومراكز الرعاية الصحية، لطرحها للبيع أو المشاركة مع القطاع الخاص والصناديق الاستثمارية، تساهم في دعم موارد الموازنة الجديدة.

تستهدف حكومة الانقلاب بيع شركات مملوكة للدولة، بقيمة 10 مليارات دولار، لصندوق الثروة السعودي السيادي، خلال الفترة المقبلة، مع الحصول على تمويلات أخرى من قطر والإمارات والكويت، تبلغ قيمتها 15 مليار دولار، لدعم الاقتصاد، بعد أن تلقت تحذيرات من عدم ملاءمة طرح بيع تلك الأصول في البورصة المحلية أو دوليا، بسبب حالة التقلبات التي تشهدها أسواق المال.

تسعى حكومة الانقلاب إلى وضع تقديرات مالية لعوائد بيع الأصول العامة، ورصدها كمصادر تمويلية متنوعة، من المستثمرين المحليين أو المؤسسات الدولية، بما يخالف تحذيرات الخبراء، ومنها وكالة فيتش للتصنيف الائتماني التي أكدت أن "مصر استخدمت في كثير من الأحيان، تدفقات المحافظ غير المقيمة، لتمويل عجز الحساب الجاري، ومراهنتها على سياسة نقدية مشددة لتخفيف الضغوط التضخمية على النمو الاقتصادي".

وتشير الوكالة إلى أنه "بصرف النظر عن ارتفاع الأسعار، فإن الحكومة التي ستضطر إلى زيادة أسعار الفائدة، ما بين 1 و2% قبل نهاية العام الحالي، ستدفع التضخم إلى الارتفاع، بما يشكل خطراً وهبوطاً على التوقعات الحقيقية لنمو الناتج المحلي الإجمالي".

من ناحية أخرى، أعلن مدير الصندوق السيادي، أيمن سليمان، أنّ ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار والعملات الصعبة، خلق ظروفاً غير مشجعة لطرح الأصول الحكومية للبيع في البورصة، بما استدعى التفاوض على البيع لمستثمرين قادرين على الشراء الكامل، أو المشاركة في الملكية أو الإدارة والتشغيل لتلك الأصول.

تفويض لإرضاء قيادة الانقلاب

طلب رئيس حكومة الانقلاب من الوزارات والجهات المالكة لهذه الأصول، إجراء تفويضات عاجلة، بنقل تبعيتها إلى الصندوق السيادي، الشهر الحالي، ليتولى التنازل نيابة عن الدولة، في عمليات البيع للأجانب أو المستثمرين المحليين، مع بداية العام المالي، لتظهر أرقام عوائد البيع، كمدخلات حقيقية للميزانية الجديدة.

وألزم نظام الانقلاب الجهات والكيانات والهيئات التابعة للدولة، بعدم إصدار أية قرارات تنظيمية عامة، تتعلق بإنشاء أو تشغيل مشروعات، قد ينتج عنها إضافة أية أعباء مالية أو إجرائية على الميزانية، إلا بعد الحصول على موافقة رسمية من مجلس الوزراء لكلّ مشروع على حدة.

وفي إطار محاولته إرضاء قيادة الانقلاب التي تنفذ مشروعات قومية باهظة، دون إخطار الحكومة أحيانا، لجأ رئيس الوزراء إلى تشكيل شراكات "كونسرتيوم" بين الأطراف المنفذة لها. تمنح الحكومة من خلالها، امتيازات خاصة للشركات، لتتولى تدبير التمويل من المؤسسات الدولية بمعرفتها، بضمان وزارة المالية، والجزء المحلي من البنوك المصرية، بضمان الشركاء المحليين، لإبعاد حسابات تلك المشروعات عن الموازنة العامة، على أن تتحول ملكية تلك الأصول أو جزء منها إلى الحكومة، مع تمتع صاحب الامتياز بحق التشغيل والإدارة والملكية لمدد زمنية محددة.

يسرى الامتياز على مشروعات، القطار السريع، الذي تتولى تنفيذه شركات سيمنز الألمانية، وحسن علام، وأوراسكوم، والموانئ البرية وخطوط القطارات الخاصة، التي ستربطها بشبكات السكك الحديدية، وتديره مجموعة السويدي، والبرج الأيقوني والمنشآت العقارية التي أنشأتها الصين في العاصمة الإدارية والعلمين.

وتسري الامتيازات على مشروعات محطات إنتاج المياه المحلاة، وأبراج الاتصالات، وتطوير الموانئ والثروة السمكية والنقل النهري.