ننقل بتصرف كلام العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في الحديث عن أولويات الحركة الإسلامية  فيقول:

الواجبات الخمسة للمسلم المغترب
وقد شاركت في مؤتمرات اتحاد الطلبة لسنوات عدة، فوجدت ما يشرح الصدر، ويبهج النفس. ومثل ذلك جمعية الطلبة المسلمين، واتحاد الجمعيات الإسلامية في بريطانيا، ومثلها في عدد من بلدان أوروبا.

وفي لقاءاتي مع الإخوة المغتربين، كنت أذكرهم دائما بواجبات خمسة:

1- واجب المغترب نحو نفسه: أن يحفظها وينميها.

2- واجب المغترب نحو أهله وأسرته: أن يحميها من الذوبان ويقيمها على الإسلام.

3- واجب المغترب نحو إخوانه المسلمين: أن يتحد معهم، ويكونوا جسدا واحدا.

4-  واجب المغترب نحو المجتمع غير المسلم الذي يعيش فيه: أن يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة.

5-  واجب المغترب نحو قضايا أمته المسلمة: أن يهتم لها، ويعمل على نصرتها.

تحذير من أمرين
أهم ما أحذر منه أمران:

النزعية العنصرية والإقليمية

الأول: النزعة العنصرية والإقليمية التي نراها ـ للأسف الشديد ـ بادية عند الفئات الإسلامية المختلفة، إلا من رحم ربك، فكل فئة تراها منغلقة على نفسها، منعزلة عن غيرها من المسلمين.

حتى المساجد نراها تنسب إلى هذه الفئة أو تلك، ولا عجب أن تسمع حين تزور مدينة من المدن: أن هذا مسجد الأتراك، وذاك مسجد المغاربة، وثالث مسجد اليوغسلافيين ورابع مسجد الهنود، أو الباكستانيين، وآخر مسجد للعرب، أو لطائفة منهم.

وفي أمريكا خاصة توجد مساجد للمسلمين السود.

وما جاء الإسلام إلا ليذيب الفوارق بين الناس، ويحقق الأخوة والمساواة بينهم، وما المساجد في الإسلام إلا مصانع ربانية للقيام بهذه المهمة، فكيف يصبح عنوانا على التمييز والتفرقة؟

صحيح أن الضرورة اللغوية هي التي اقتضت هذا بالنسبة للجيل الأول الذي لم يكن يعرف لغة المهجر، ولا يحسن الفهم إلا عن لغة الأم، ولكن كان يمكن علاج هذا عن طريق دروس تخصص لكل قوم داخل المسجد الجامع الواحد، لفترة من الزمن حتى توجد لغة مشتركة يفهمها الجميع.

ولقد زالت هذه الضرورة في كثير من الأحيان، وبقي المسجد مملوكا أو منسوبا لقوم معينين!

والواجب أن يكون المسجد مسجد المسلمين لا غير، وأن يكون العنوان الذي يظل هؤلاء المغتربين هو الإسلام وحده، وكفى به جامعا.

والمسلمون في الغربة إنما تظهر قوتهم إذا اتحدوا وتراصوا وتضاموا بعضهم إلى بعض، ووضع كل فرد يده في يد أخيه، ووضعت كل مجموعة أيديها في أيدي إخوانها، والاتحاد يقوي القلة، والتفرق يضعف الكثرة، والاتحاد مطلوب دائما، ولكنه ألزم ما يكون في حالة الاغتراب، التي يحتاج الإنسان فيها إلى مثله، ليؤنس وحشته، ويزيل وحدته كما قال الشاعر:

أجارتنا إنا غريبان ها هنا    وكل غريب للغريب نسيب!

نغمة التشدد وإثارة الخلاف

الثاني: الذي أحذر منه هو نغمة التشدد وإثارة الخلاف على الجزئيات، التي بدأت تظهر في ديار الغرب وإن كان لها أصل من قبل.

فلا ينبغي للأخوة في الشرق أن ينقلوا خلافاتهم إلى الغرب، ولا أن يحملوا معهم مشكلاتهم القديمة، ليحيوها، ويحيوا بها في أرض الغربة؛ فالمكان غير المكان، والزمان غير الزمان، والناس غير الناس، وقد حفظوا عن علمائهم: أن الفتوى تتغير بتغير المكان والزمان والإنسان، فما لهم لا يطبقون ما تعلموه؟!

منذ بضعة عشر عاما زرت المركز الإسلامي في مدينة لوس أنجلوس، وسألني بعض الأخوة منكرين: هل يجوز أن يكون المسجد موضعا لعرض أفلام سينمائية، وإن كانت تعليمية؟

قلت: وماذا في ذلك؟ إذا كانت تعلم خيرا فهي عبادة، والمسجد في الإسلام جامع للعبادة، وجامعة للعلم والثقافة.

وأكثر من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتاح للحبشة أن يرقصوا بحرابهم في مسجده الشريف، وأتاح لزوجه عائشة أن تنظر إليهم وتتفرج عليهم حتى اكتفت، وكان يشجعهم ويقول: دونكم يا بني ارفدة!

وقال بعضهم: هل يجوز أن يسمح للمرأة غير المحجبة بدخول المسجد في يوم السبت أو الأحد؟ أعني أيام المحاضرات والدروس.

قلت: نعم: وإذا قصرنا دخول المسجد على المحجبة الملتزمة، فمتى وأين تسمع الأخرى كلمة الإسلام؟ ومتى وأين تبلغها رسالة الله؟ إننا إذا منعناها من المسجد ومحاضراته ودروسه فقدناها إلى الأبد، ولم تبلغها الدعوة، وإذا سمحنا لها أصبح أمامنا أمل كبير في أن يهديها الله، ويشرح صدرها للطاعة والالتزام بمنهج الله. ورب كلمة صادقة فتح الله بها قلبا، بل قلوبا.

وقد وصلني، وأنا أبعث بهذا الكتاب للمطبعة تقرير أو رسالة من الأخ الجليل الطبيب العالم الشاعر الداعية الموفق د. حسان حتحوت، يشرح فيها بعض ما يقوم به المركز من أعمال، وما يتحمله من أعباء، للمسلمين ولغير المسلمين، وهي رسالة تنشرح بها صدور المؤمنين، وتدل على أن الإسلام بخير إذا وجد رجالا يجمعون بين حسن الفهم وصدق النية.