لقد اقتبست عنوان هذا المقال من أحد عناوين الرسائل التي خطها الإمام الشهيد المؤسس حسن البنا، وقمت بتجميع مقولات من كلامه في رسائل ومؤتمرات يعرف بها عموم الناس دعوة الإخوان المسلمين.  إن أجيالا كثيرة من الشباب قد حيل يبنها وبين أن تعرف حقيقة دعوة الإخوان المسلمين، وما قدمه الإمام البنا من منهج كامل من صميم الإسلام، يعتبر بكل المقاييس مشروعا حضاريا عالميا؛ ولذلك وجب الحديث والبيان وتفنيد الافتراءات، خاصة المزاعم التي تقول إن الإخوان سيسوا الدين أي انحرفوا بدعوتهم من دعوة دينية أخلاقية إلى الاشتغال بالسياسة، وسنوضح من كلام المؤسس رحمه الله أن الفهم الصحيح للإسلام بأبعاده الروحية والسياسية والاقتصادية والتربوية كان من بداية نشأة الإخوان، وما زالت حتى اليوم وغدا من ثوابت دعوتهم، وكان الإمام كما سنرى في هذا المقال في كل رسائله يكرر هذا الأمر، ويلح عليه بل في كل موقف أو مناسبة. ولقد كان العالم الإسلامي يعانى من تهديم منظم لماديته ومعنوياته، وكان القدر الأعلى يصنع هذا الداعية العظيم، وكان دوره أن يوقظ الأمة من نومها، ويحركها من جمودها، وأن يفجر كل طاقات الخير فيها بتجديد الإسلام فيها وجمعها على رسالته والإيمان به رسالة وهدفا ومنهاجا للحياة.

لقد انطلق الإمام البنا بدعوته قائدا لجماعة الإخوان الذين رباهم على هذا الحق الشامل، وكانت الحركة تسعى جادة لإيجاد المجتمع الإسلامي، وما زال الإخوان على العهد يبنون مجتمع الإسلام بالقرآن والسنة وعمل السلف الصالح.

منهج الإمام البنا في فهم العقيدة

  1. الإسلام وحده:

لقد طرح البنا منهجا هو الإسلام وحده يقول: ( ومن الحق أيها الإخوان أن نذكر أننا ندعو بدعوة الله، وهى أسمى الدعوات، وننادى بفكرة الإسلام، وهي أقوم الفكر، ونقدم للناس شريعة القرآن، وهي أعدل الشرائع) [ رسالة بين الأمس واليوم].

وفى رسالته إلى الشباب يقول: ( ففكرتنا إسلامية بحتة، على الإسلام ترتكز، ومنه تستمد، ولا ترضى سواه إماما، ولا تطيع لغيره أحكاما [ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة  من الخاسرين] ( سورة آل عمران).

إن فكر الإمام البنا ودعوته هي الإسلام، ولا شئ غير الإسلام، ولم يعمل فيه الإمام خلطا ولا مزجا مع أي دين أو مذهب أو ملة، ولم يخرج لنا الإمام البنا بدين حديد، أو فكر جديد، لكنه جاء بما جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم ) ولهذا كان فكر الإمام متفردا وفريدا من نوعه؛ فهو من الإسلام، والإسلام وحده.

  1. الدين والسياسة:

يظن البعض أن الصراع والتضييق الواقع على الإخوان يسبب انشغالهم بالسياسة، وأن السبيل إلى الخروج من هذا الحصار هو الامتناع عن الانشغال بالأمور السياسية فماذا قال الإمام البنا في هذه القضية؟ : ( فمن ظن أن الدين، أو بعبارة أدق لا يعرف السياسة أو أن السياسة ليست من مباحثة فقد ظلم نفسه وظلم علمه بهذا الإسلام، ولا أقول ظلم الإسلام؛ فإن الإسلام شريعة الله لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفه، وجميل قول الإمام الغزالى رضي الله عنه ( أعلم أن الشريعة أصل، والملك حارس، وما لا أصل له بمفهوم وما لا حارس له فضائع؛ فلا تقوم الدولة الإسلامية إلا على أساس الدعوة حتى تكون دولة رسالة لا تشكل إدارة ولا حكومة مادة جامدة صماء لا روح فيها كما لا تقوم الدعوة إلا في حماية تحفظها وتنشرها وتبلغها وتقويها) [رسالة نظام الحكم في الإسلام].

ويرد الإمام البنا قول الذين يتهمون الإخوان بأنهم يتسترون بالدين، وأن دعوتهم سياسية، ولهم من وراءها ذلك مآرب أخرى يقول :

( ويقول قوم آخرون إن الإخوان المسلمين قوم سياسيون ودعوتهم دعوة سياسية ولهم من وراء ذلك مآرب أخرى) ولا ندرى إلى متى تتقارض أمتنا التهم  وتتبادل الظنون، وتتناثر بالألقاب، وتترك يقينا يؤيده الواقع في سبيل ظن توحيه الشكوك [ يقول الإمام المؤسس  يا قومنا : إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا، وعمل السلف الصالح من أبناء من هذه الأمة قدوتانا، وندعوكم إلى الإسلام، وتعاليم الإسلام، وأحكام الإسلام، وهدى الإسلام، فإن كان من السياسة عندكم فهذه سياستنا، وإن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسيا فنحن أعرف الناس والحمد لله في السياسة، وإن شئتم أن تسمو ذلك سياسة فقولوا ما شئتم؛ فلن تضرنا الأسماء متى وضحت المسميات وانكشفت الغايات) ثم يقول: ( يا قومنا لا تحجبكم الألفاظ عن الحقائق، ولا الأسماء عن الغايات، ولا الأغراض عن الجواهر، وإن للإسلام لسياسة في طيها سعادة الدنيا، وصلاح الآخرة، وتلك سياستنا لا نبغي بها بديلا ؛فسوسوا بها أنفسكم، واحملوا عليها تظهروا بالعزة الأخروية ( ولتعلمن نبأه بعد حين) [ رسالة إلى أي شئ ندعو الناس].

ثم يعلق بعد ذلك في صراحة ووضوح بعد أن حدد معنى الإسلام الشامل فيقول: ( أستطيع أن أجهر في صراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا بعيد النظير في شئون أمته مهتما بها، غيورا عليها).

ويقرر الإمام الشهيد أيضا: (إن الإخوان ما كانوا يوما من الأيام غير سياسيين، ولن يكونوا يوما من الأيام  غير مسلمين، وما فرقت دعوتهم أبدا بين السياسة والدين، ولن يراهم الناس في ساعة من نهار حزبيين) .

كما تحدث الإمام الشهيد حسن البنا  بوضوح عن موقف الإسلام من السياسة الخارجية فيقول: ( فإن أريد بالسياسة معناها الخارجي، وهو المحافظة على استقلال الأمة وحريتها، وإشهار كرامتها وعزها، والسير بها إلى الأهداف المجيدة التي تحتل بها مكانتها بين الأمم ومنزلتها الكريمة في الشعوب وتخلصها من استبداد غيرها بها، وتدخله في شئونها مع تحديد الصلة بينها وبين سواها تحديدا يفصل حقوقها جميعا، ويوجه الدول كلها إلى الإسلام العالمي العام وهو ما يسمونه ( القانون الدولي )فإن الإسلام قد عني بذلك كل العناية والوضوح، وألزم المسلمين أن يأخذوا بهذه الأحكام في السلم والحرب على السواء، ومن قصر في ذلك قيد أنملة  فقد جهل الإسلام وخرج منه).

[ رسالة مؤتمر طلبة الإخوان ].