أشرف دوابه

 تمر مصر في هذه الفترة بنتائج توقعناها وحذرنا منها مرارا وتكرارا من خلال سياسة ترقيع الديون التي انتهجتها حكومة الانقلاب، والاعتماد على الأموال الساخنة، والاحتياطيات الدولية بالديون لتجميل الصورة، فضلا عن التوجه بالديون نحو مشروعات مظهرية مثلت عبئا ولم تحقق تدفقات نقدية قادرة على سداد تلك الديون، وبذلك ضحت الحكومة ليس بالأجيال المستقبلية فقط بل بالجيل الحالي أيضا.

إن مثل الحكومة كمثل رجل كان عنده من الممتلكات ما يعينه، فاستدان من أجل المظاهر وإثبات ذاته شكليا. وحتى لا يقع في عدم السداد لجأ إلى الدين من آخرين لسداد دينه المستحق وهلم جرا، بل في ظل ضغوط الدين باع ممتلكاته وبقي عاريا من كل شيء حتى يعلن للجميع أنه اقترب موعد افلاسه بعدم قدرته على السداد.. فهل يمكن لعاقل أن يصف هذا السلوك الكارثي لهذا الرجل بالحكمة؟!

لذا، فإنه لم يكن غريبا ولا جديدا ولا مفاجأة ما ذكرته وكالة التصنيف الائتماني الدولية ستاندرد آند بورز  بأنه من المتوقع أن تصبح مصر أكبر مُصدر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة بإصدارات تصل إلى 73 مليار دولار خلال السنة المالية الحالية بتجاوز ما اقترضته العام الماضي بنحو 10 مليارات دولار، حيث اقترضت مصر نحو 63 مليار دولار في 2021، من خلال إصدار السندات السيادية.

وبذلك سوف تتباهي الحكومة المصرية ليس بالإنتاج أو التصدير أو نمو الناتج المحلي أو القضاء على البطالة، أو رفع مستويات الدخول أو تخفيض الأسعار أو الحرية وكرامة الإنسان.. وإنما ستتباهى بكون مصر ستكون في مقدمة الدول الناشئة في الديون السيادية وذلك بتصدرها 54 دولة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في تمديد القروض التي تحصل عليها عن طريق سندات تصدرها لدفع قيمة سندات قديمة!!.

ويأتي هذا رغم ما اتخذته الحكومة المصرية خلال الأيام القليلة الماضية من إجراءات خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار ورفع أسعار الفائدة، والحصول على وديعة مصرفية بمبلغ 5 مليار دولار من المملكة العربية السعودية، وتعهد قطر باستثمار 5 مليارات دولار في الأسواق المصرية، والإفراط في بيع الأصول المصرية لاسيما للإمارات والسعودية بالمليارات، حتى وصل الأمر إلى أرض سيناء المحصنة من البيع، وتشديد القيود على الاستيراد، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي والبنوك الإقليمية والدولية للحصول على قروض جديدة لتأجيل الانفجار المالي المحتوم.

 لقد ظل الدين الخارجي المصري في الحدود الآمنة حتى جاء الانقلاب العسكري فانتقل بمصر من ديون خارجية لم تتجاوز 43 مليار دولار إلى 137.9 مليار دولار في يونيو من العام الماضي، وما زال عدم الإفصاح عن التطور في الدين الخارجي هو سيد الموقف، حتى جاوز الدين العام المحلي والخارجي وفق آخر تقديرات رسمية عن العام المالي 2020/2021 -رغم تقادمها- نحو 5.7 تريليون جنيه، بصورة تقترب من أكل الناتج المحلي الإجمالي البالغ 6.4 تريليون جنيه. ومن المتوقع أن يكون نصيب كل مواطن مصري من الدين العام أكثر من 71 ألف جنيه مصري مع نهاية العام الجاري. كما أن البنوك المصرية تعاني منذ يوليو الماضي من عجز مستمر في العملة الأجنبية، وقد أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، أن صافي الأصول الأجنبية المصرية شهد تراجعا حادّا في فبراير الماضي، إذ انخفض بمقدار 60 مليار جنيه مصري (3.29 مليارات دولار) إلى سالب 50.3 مليار جنيه.

وقد خرج من مصر خلال أيام معدودات من الغزو الروسي لأوكرانيا ورفع سعر الفائدة بالولايات المتحدة الأمريكية 15 مليار دولار من الأموال الساخنة، وقد كان ذلك نواة لكشف المستور وإن كان معروفا لمن يتابع الوضع الاقتصادي المصري بمنهجية علمية، ليكشف ذلك عن هشاشة هذا الاقتصاد، فالأموال الساخنة تتغذي على ارتفاع أسعار الفائدة وتستفيد منها، تاركة من ورائها أمراض اقتصادية ومشاكل مزمنة، وتعرض البلاد لحساسيات الارتفاع العالمي في سعر الفائدة.

إن سياسة ترقيع الديون والاعتماد على الأموال الساخنة وبيع ورهن الأصول المصرية لن تجني سوى الخراب وانفجار فقاعة الديون، ومن ثم التوقف عن سداد الديون عاجلا أو آجلا وتحميل المواطن بالمزيد من الضرائب ونقص الخدمات وارتفاع الأسعار فضلا عن فقدان السيادة.. فلك الله يا مصر.