وهنا نستكمل بتصرف من كتاب – وحدة العمل الإسلامي في القطر الواحد – للأستاذ مصطفى مشهور  رحمه الله فيقول :

الفرق واضح بين النصح و التجريح، وبين النقد البناء و التشكيك، أو النقد الهدام، ولكل من ذلك أسلوبه وقنواته ودوافعه، فالذى يريد الخير و الإصلاح يقدم النصح أو النقد مباشرة وفى القنوات الطبيعية، أما من يريد الإضرار والإيذاء نجده يقدم التشكيك أو النقد فى صورة نصح، ولكن بأسلوب التشهير و التجريح متجنباً القنوات الطبيعية المباشرة، ويضع نفسه بذلك مع أعداء الإسلام في خندق واحد بوعي أو بغير وعي .

ونحن لا نسيء الظن بمن يتطوعون بتجريحنا و التشكيك فى مسارنا، ولكن نتواصى وإياهم بأن نلتزم بآداب الإسلام وأخلاقه، وخاصة التى حوتها سورة الحجرات ومنها قوله تعالى { ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا عهلى ما فعلتم نادمين } ومنها قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنَّ خير منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فألولئك هم الظالمون } ومنها قوله تعالى { ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم } .

لهذا تؤكد توصية الإخوان بالتزام هذا المنهج الربانى والأدب القرآنى وأن نتخلق بخلق الحلم مع من يجهل علينا والعفو عمن يظلمنا من إخواننا المسلمين { و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس والله يحب المحسنين } ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة .

ولعله من المفيد أن نتذاكر باختصار ماذكره الإمام الشهيد حسن البنا فى رسالة دعوتنا حين صنف مواقف المناس منا إلى أربعة أصناف وهم: إما مؤمن آمن بدعوتنا وصدق بقولنا وأعجب بمبادئنا فهذا ندعوه أن يبادر بالانضمام إلينا والعمل معنا ... وإما متردد لم يستبن له وجه الحق ولم يتعرف في قولنا معنى الإخلاص و الفائدة فهذا نوصيه أن يتصل بنا عن كثب ويقرأ عنا من بعيد أو من قريب فسيطمئن بعد ذلك لنا إن شاء الله .... وإما نفعى لايريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة وما يجره هذا البذل من مغنم فنقول له حنانيك ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت و الجنة إن علم الله فيك خيراً ، أما نحن فمغمورون جاهاً، فقراء مالاً ، شأننا التضحية بما معنا وبذل ما فى أيدينا ورجاؤنا رضوان الله وهو نعم المولى ونعم النصير .... وإما متحامل فهو شخص ساء فينا ظنه وأحاطت بنا شكوكه وريبه، فهو لايرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم، ولايتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك، ويأبى إلا أن يلج من غروره ويسدر في سلوكه، ويظل مع أوهامه فهذا ندعو الله لنا وله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه، وأن يلهمنا وإياه الرشد، ندعوه إن قبل الدعاء، ونناديه إن أجاب النداء وندعو الله فيه وهو خير الرجاء ، ولقد أنزل الله على نبيه الكريم في صنف من الناس :{ إنك لا تهدى  من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء } القصص الآية 56 ، وهذا سنظل نحبه ونرجو فيئه إلينا واقتناعه بدعوتنا وإنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل :( اللهم اغفر لقومى فإنهم لايعلمون ) .

هذا ما وضحه لنا الإمام الشهيد حسن البنا منذ عشرات السنين وما نحن ملتزمون به ، لأن هذا ما يدعونا إليه الإسلام ، ولأن المسلم لايكره إنساناً لذاته ولكن يكره له عمله أو فكره إذا كان مخالفاً لشرع الله ويكون همّ المسلم دعوة ذلك الإنسان وليصحح فهمه وسلوكه ليستقيم على أمر الله ودين الله، ونحن نعلم أن من بين من يتحاملون علينا أعداء الله ولدين الله، لايريدون لهذا الدين أن ينتصر ويمكن له فى أر ض الله، وموقف هؤلاء معروف وغير مستغرب منهم، ولكن يعز علينا أن يكون التحامل من أبناء ديننا، وهؤلاء سنصبر عليهم وننهج معهم الموقف الذى أوضحه لنا الإمام الشهيد فى المؤتمر السادس حيث قال: ( أما موقفنا من الهيئات الإسلامية جميعها على اختلاف نزعاتها فموقف حب وإخاء وتعاون وولاء، نحبها ونعاونها ، ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر ونوفق بين مختلف الفكر توفيقاً ينتصر به الحق فى ظل التعاون و الحب، ولا يباعد بيننا وبينها رأى فقهى أو خلاف مذهبى، فدين الله يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، ولقد وفقنا الله إلى خطة مثلى إذ نتحرى الحق في أسلوب لين، يستهوى القلوب، وتطمئن إليه العقول، ونعتقد أنه سيأتى اليوم الذى تزول فيه الأسماء والألقاب و الفوارق الشكلية والحواجز النظرية، وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة المحمدية حيث لا يكون هناك إلا إخوان مسلمون للدين عاملون وفى سبيل الله مجاهدون { ومن يتول الله ورسوله فإن حزب الله هم الغالبون } المائدة الآية 55 .

يلاحظ أنه قال : حيث لايكون هناك إلا إخوان مسلمون ، ولم يقل إلا الإخوان المسلمون ، وذلك يعنى أنهم جميعاً ستجمعهم أخوة الإسلام دون فوارق أوحواجز   .