فتحي السيد

الأحداث التي استخدمها القرآن الكريم في تربية العصبة المؤمنة لا تكاد تحصى من كثرتها، منها: تربيتهم من خلال أحداث غزوة  بدر، وغزوة أحد، وغزوة حنين، وحادثة الإفك، وغيرها من الحوادث.

يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: "ولقد جاء هذا القرآن ليربي أمة، وينشئ مجتمعا، ويقيم نظاما. والتربية تحتاج إلى زمن وإلى تأثر وانفعال بالكلمة, وإلى حركة تترجم التأثر والانفعال إلى واقع. والنفس البشرية لا تتحول تحولا كاملا شاملا بين يوم وليلة بقراءة كتاب كامل شامل للمنهج الجديد، إنما تتأثر يوما بعد يوم بطرف من هذا المنهج، وتتدرج في مراقيه رويدا رويدا، وتعتاد على حمل تكاليفه شيئا فشيئا، فلا تجفل منه كما تجفل لو قدم لها ضخما ثقيلا عسيرا، وهي تنمو في كل يوم بالوجبة المغذية فتصبح في اليوم التالي أكثر استعدادا للانتفاع بالوجبة التالية، وأشد قابلية لها والتذاذا بها.

ولقد جاء القرآن بمنهاج كامل شامل للحياة كلها، وجاء في الوقت ذاته بمنهاج للتربية يوافق الفطرة البشرية عن علم بها من خالقها. فجاء لذلك منجما وفق الحاجات الحية للجماعة المسلمة، وهي في طريق نشأتها ونموها، ووفق استعدادها الذي ينمو يوما بعد يوم في ظل المنهج التربوي الإلهي الدقيق. جاء ليكون منهج تربية، ومنهاج حياة لا ليكون كتاب ثقافة يقرأ لمجرد اللذة أو لمجرد المعرفة. جاء لينفذ حرفا حرفا وكلمة كلمة, وتكليفا تكليفا. جاء لتكون آياته هي "الأوامر اليومية" التي يتلقاها المسلمون في حينها ليعملوا بها فور تلقيها, كما يتلقى الجندي في ثكنته أو في الميدان "الأمر اليومي" مع التأثر والفهم والرغبة في التنفيذ; ومع الانطباع والتكيف وفق ما يتلقاه"(في ظلال القرآن، الفرقان الآية 32).

القرآن والحدث

- نجد فى القرآن الكثير من المواقف .

- نزل القرآن منجما للتفاعل مع الحدث .

- إذا ضاع الموقف من المربى تضيع منه فرصة لا تعوض .

فوائد التربية بالأحداث:

- الاستفادة القصوى من القرآن، لقد حقق القرآن بمنهجه ذاك في التربية بالأحداث خوارق في تكييف تلك النفوس التي تلقته مرتلا متتابعا, وتأثرت به يوما يوما, وانطبعت به أثرا أثرا. فلما غفل المسلمون عن هذا المنهج, واتخذوا القرآن كتاب متاع للثقافة, وكتاب تعبد للتلاوة, فحسب, لا منهج تربية للانطباع والتكيف ومنهج حياة للعمل والتنفيذ. لم ينتفعوا من القرآن بشيء, لأنهم خرجوا عن منهجه الذي رسمه العليم الخبير. (في ظلال القرآن، الفرقان الآية 33).

- تحول المفاهيم إلى حركة وهذا ما يخيف الجاهلية، وقريش لم تقف في وجه الحنفاء الذين كانوا على التوحيد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لعلمها أن فكرهم شعور فردي لم يتحول إلى حركة.

- هناك علاقة عضوية ما بين الفكرة والممارسة فالأفكار تنمو وتدفع للممارسة، والممارسة بدورها تخصب الأفكار وتعدلها وتعطيها معناها فحركة التطور للأمام تبدأ إذن بالفكرة وتتعمق بالحركة والممارسة، و من ثم فان الممارسة والسلوك ينبغي أن تنبثق انبثاقا تلقائيا من الفكرة، قال صاحب الروضتين واصفا صلاح الدين  وأثر الفكرة في سلوكه: "وقد كان يقوم بنفسه بإعمار سور بيت المقدس، ولو رأيته وهو يحمل حجرا في حجره لعلمت أن له قلبا قد حمل جبلا في فكره" هذا هو الترتيب الطبيعي لكي تولد الأفكار وتنمو نموا صحيحا يقول ابن القيم: "مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات  تقضى وقوع الفعل".

- يسهل ويقلل من جهد العملية التربوية ويؤتي نتائج تربوية أفضل.

- تربط النفس بالعمل لا بالنتيجة، وهذا يستمد قيمته من الإخلاص وإصلاح النية، وله أيضا نتائج عظيمة في واقع الحياة.

- ربط الوجدان بالأحداث يعمق الأثر في النفس والروح، فالثبات في الحياة يسهل على الحس أن يتعود عليه فيتبلد ولا يعود المشهد يثيره، أما الأحداث والمواقف المتغيرة فلا يمكن للحس أن يتبلد إزاءها، ولا بد أن يلتفت ويتيقظ.

إن التربية بالأحداث هي من أفضل الوسائل التربوية وأعمقها أثرا؛ لذلك فقد شهد العصر الإسلامي الأول العديد من نماذج فذة تربت على يد النبي صلى الله عليه وسلم_ وأصحابه، وكان من أهم الأساليب التي استخدمها النبي _صلى الله عليه وسلم وزخرت بها السنة النبوية التربية بالمواقف والأحداث.

- سيرة النبى صلى الله عليه وسلم معظمها تربية عن طريق المواقف والأحداث .

- ينزل القرآن فيعدل السلوك أو يثبته أو يمنعه .

- النفس جبلت على محبة من أحسن إليها ( من لانت كلمته وجبت محبته ) .

- أولى الناس على تخير الألفاظ وإحسان التوجيه والتعبير هو المربى وإذا أغلظ الكلام نفرت القلوب  { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين }

     { قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون }

أعلى أدب فى الحوار يغنى عن دورات الحوار والاتصال .

- أنت كمرب أول ما تهتم به إنشاء العلاقة قبل إعطاء المعلومة لأن هذا ينتج الرباط الوجدانى الذى يعطى التجاوب النفسى... كان المشرك يقول ( أقسم لكم أنه عاد بوجه غير الذى ذهب به )

- نموذج ( 1 )

النبى صلى الله عليه وسلم يجلس فى المسجد ويأتي أحد الناس فيتبول، ويهم أحد الصحابة بإيذائه فيقول النبى صلى الله عليه وسلم: ( دعه ولا تقطع على الرجل بولته ) .

- اللمحة النبوية : أهم من هذا البول منع إيذاء إنسان بمنع البول، يعلمهم النبى eصلى الله عليه وسلم أن العلاج سهل { آتونى بذنوب من الماء } .

- اللمحة الثانية : بعد أن كسب قلبه بدأ يعطيه المعلومة والتوجيه حيث ذكر له أن هذا المكان لا يصلح لهذا .

- اللمحة الثالثة : أن الرجل دعا له وللنبى صلى الله عليه وسلم فقط ونفر ممن غضب عليه

                ( اللهم ارحمنى ومحمدا ولا ترحم معنا أحداً ) .

- نموذج ( 2 )

عبد الله بن أم مكتوم مع النبى صلى الله عليه وسلم  وهو يلح على النبى أثناء نقاشه مع المشركين عبس النبى e والرجل لا يراه ورغم ذلك يعاتبه الله{عبس وتولى أن جاءه الأعمى ...}

- اللمحة الأولى : ( يجب أن تشعر أنه إذا لم يكن المتفاعل معك لا يراك فإن الله يراك )

  هكذا يثبت القرآن القيم .

- اللمحة الثانية : لا تستصغر من شأن إنسان يسعى للتعلم .. اكتساب صفة التواضع فى هذه اللمحة .. كيف تكون ؟! .

- اللمحة الثالثة : فيها بشرى استجابة ( ولو من الضعفاء عند صدود الكبراء ) .

- قيمة المربى:أن يكون توجيهه يوافق الزمان والمكان والشخص وهذا توفيق ربانى ومنة للمربى.

- نموذج ( 3 )

وفد 3 أفراد يسألون عن عبادة النبى صلى الله عليه وسلم  وكأنهم تقالوها .

- هؤلاء الثلاثة جاءوا برغبة أن يتلقوا من النبى صلى الله عليه وسلم .

- أحيانا يكون هناك خطأ عند المربى :

( أن يحدد ملامح شخصية بانطباع معين من موقف معين دون تعامل أو احتكاك )

- فلما سمع النبى صلى الله عليه وسلم  منهم ( أما أنا فأصوم .......................الحديث )

- كان التوجيه الملزم { فمن رغب عن سنتى ... } .

- فهذا ليس أمر اختيارى وهو يعلم أن المستمعين يستجيبون .

- لذلك كان النبى حاسماً فى الموقف لأنهم جاءوا يسألون عن العبادة .

- المربى لا يكون دائما هينا لينا، ولكن يختلف الموقف حسب الشخص .

- يعرف العلماء الحكمة أنها ( مقتضى الحال ) لكى يكون المربى حكيما يجب أن ينظر إلى مقتضى الحال فالشدة فى موقف اللين ليست حكمة واللين فى موقف الشدة ليس حكمة .

والله أسأل أن يلهمنا الرشد والسداد ويتقبل الجهد ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل .