إن أهم وأعظم مظاهر العفة في النساء هو الحجاب؛ حيث إنه ينطوي على جميع مفردات الطهارة، وكذلك الحياء أيضا؛ فهو يشتمل على معاني الفضيلة والنقاء أيضا، وهو تاج المرأة المسلمة، ومن الفروض التي فرضها الله سبحانه وتعالى على النساء المسلمات، ونكمل معا مرحلة من المراحل العمرية لبناتنا نربيهم فيها على الحجاب، وكيف نصل بهن إلى قبوله دون عناء وهذه المرحلة تبدأ :

من  تسع سنوات إلى أحد عشر عاماً:

في هذه المرحلة  يرقى فكر الطفلة، وتتنوع خبراتها، وتتسع مداركها، وتنمو قدراتها على التأمل والتخيل، وتتحول إلى طاقة إيمانية مستعدة لتقبل أوامر ربها، وتنفيذها أكثر من أي مرحلة أخرى في حياتها الماضية والمستقبلة؛ فتتجه بتفكيرها نحو الخالق، مدركة جوانب التنزيه والوحدانية، والقدرة لديه ومتقبلة لهذه الصفات تقبلا نفسيا تشعر معه بالراحة والرضا، وتصبح قادرة على تصور العظمة الإلهية؛ فإذا وُجِّهت الطفلة الوجهة السليمة نحو الإيمان والخير اندفعت إليهما في تعلُّق وشوق؛ لذا فإن دور الوالدين في هذه الفترة أن يستغلا هذا التطور الإيماني في نفسها، وأن يعملا على تقوية عقيدتها بالله التي سترى فيها خير عون لها على تقبُّل ما تتعرض له من آلام الواقع، و صراعات الحياة،والتي سوف تمسح عنها الكثير من صنوف الحرمان والوهم والخوف،وتعمل على تقوية شخصيتها واستعدادها لتكون عوناً لغيرها، وذلك من خلال التركيز على جوانب العقيدة المؤثرة في روحها، ومن أهم تلك الجوانب:

ـ تعليمها صفات الله تعالى التي تربي فيها أن الله تعالى يحب المتقين، وأنه قريب منها يراها، ويرعاها، أينما كانت كما جاء في القرآن الكريم: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب"سورة البقرة-186)، و(وهو معكم أينما كُنتم"الحديد -4)،(وإن الله لا يخفى عليه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماء"آل عمران-5 ) .

،فإن هذا يُعلِّمها مرتبة أرقى من مراتب الحياء وهو الحياء من الله عز َّ وجل أن يراها على غير ما يحب ويرضى ).

ـ دعوتها  إلى التعمق في إيمانها بالله تعالى والاطمئنان إلى عظمته وقدرته؛من خلال النظر والتأمل والتفكر في خلقه، فالكون آية الله الكبرى، ومعرض قدرته المعجزة التي تبهر العقول؛ ولكن الإلف والعادة يفسدان روعة التطلع في آيات الكون و الإحساس به؛ فتتبلد الحواس لما ترى وتسمع لذا فقد حث القرآن في الكثير من آياته على هذا، ومنها:( قُل انظروا ماذا في السمواتِ والأرض وما تُغني  الآياتُ والنُذُرُ عن قومٍ لا يؤمنون"يونس- 101) ،و(الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماواتِ والأرض،ربنا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانك،فقنا عذاب النار-آل عمران-191)

دعوتها للإيمان بالحياة الآخرة، والتأكيد على أن السعادة الحقة لا تكون إلا في الجنة، وأن الجنة أعدت للمتقين الذين يسيرون في طريق الله ورسوله، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر"،ويقول في القرآن الكريم:" فلا تعلم نفسٌ ما أُخفي لهم من قُرةِ أعين" السجدة-17 )

ـ تربيتها على الاستسلام لله تعالى وطاعة رسوله؛ فكثيرا ما تسأل الطفلة عن سبب فعل أشياء معينة؛ لأنها  لم تستطع إدراكها، ومن المفيد أن نجيبها على قدر عقلها، أما الأمور التي تتعلق بالدين، فيجب أن تعرف أن الإسلام مشتق من الاستسلام لله ، وتسليم الأمر له مع بذل الجهد، وأنه ليس لها أن تقيس الدين برأيها وعقلها؛ لأن العقل له حد ينتهي عنده، وكثيرا ما تخطىء العقول، وتعجز عن تفسير جميع أمور الدين، فالمسلم الحقيقي هو الذي ينفذ أوامر الله-مادام قد ارتضاه ربا-دون أن يعرف الأسباب التي خفيت عليه.

ـ إعلامها  أن الأنثى كالذكر، كلاهما عبدٌ لله، خلقهما لعبادته، يقول تعالى:" من عمِل صالحاً من ذكرٍ أو أُنثى وهو مؤمن فلَنُحيينَّه حياة طيبة" النحل-97) كما نقرأ عليها الآية 35 من سورة الأحزاب، ونوضح لها أن الأنثى مخاطَبة في القرآن بقوله تعالى:" يا أيها الناس" ،وكذلك بقوله:" يا أيها الذين آمنوا" وبالخطاب الذي قد يبدو ظاهره أنه للذكر،مثل:(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين"آل عمران 133 )، ومما يعينها على  الاستسلام لله وطاعة رسوله أن نقص عليها من القصص ما يعزز ذلك، مثل قصة هاجر عليها السلام حين تركها إبراهيم عليه السلام ووليدها في الصحراء، وقبلت ذلك  حين علمت أنه أمر من الله، وقالت،"إذن لا يضيِّعنا"،وقصة النساء المهاجرات الأوَل الذين قالت عنهم عائشة رضي الله عنها:"يرحم الله النساء المهاجرات الأوَل ،لما أنزل الله (وليضربن بخُمرهن على جيوبهن"النور-31 )شققن مُروطهن(ستائرهن) فاختمَرن بها"   أي لم ينتظرن حتى تحصل كل  منهن على خمار وإنما نفذن أمر الله بما تيسر لهن .

غرس الاعتزاز بالانتماء إلى الإسلام في نفسها، فالكثير من أبناء الإسلام يتقدم بهم العمر دون أن يعرفوا غايتهم أو هدفهم من الحياة؛ لذا ينبغي أن تعرف منذ طفولتها أن الإسلام نعمة عظيمة اصطفاها الله بها، وأنها تنتسب إلى أمة موصولة بالله، تسير على نهجه، وتملك ما لا تملكه سائر البشرية وهو كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيجب أن تكون متميزة عن غير المسلمات  في مظهرها ومخبرها، وغاياتها وآمالها، وأن تتأسى بأمهات المؤمنين، والصالحات القانتات كمريم عليها السلام، وامرأة فرعون،والصحابيات رضوان الله تعالى عليهن، وأن تعلم أن هذا الدين أمانة وأن عليها أن تحمل رايته بالتزامها الديني والخُلقي؛ و أن يكون هدفها من التعلم أن ترضي الله عز وجل بأن تعلم غيرها ،أو تنفع أخواتها المسلمات بأن تتعلم الطب أو التدريس،وأن تنصح لله ورسوله أينما كانت) ومن المفيد في هذه المرحلة أن تشجعها الأم  على تلاوة سورة  "النور" مرة كل أسبوع،ففي ذلك تذكرة وتثبيت لها على الخير إن شاء الله .

ولعل من أخطاء الأمهات أيضاً ألا ترى الأم في ابنتها سوى عروس المستقبل، وتظل تحلم بيوم زفافها وتتحدث أمامها عن ذلك، بل وأحياناً حين تطلب البنت شيئاً يكون الرد:" عندما تتزوجين"!!! فيصبح هذا الموضوع  هو الشغل الشاغل للبنت، فتعمد إلى المبالغة في إظهار زينتها سعياً لتحقيق حلم الأم الذي أصبح -مع مرور الوقت وإلحاح الأم - حلمها؛ ولعل الحل لهذه المشكلة هو الامتثال لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم:" طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة" فالعلم الشرعي والعلم الدنيوي مفروض علينا لكي نكون مسلمين أقوياء؛ولعل الوقت المناسب له هو  الطفولة المبكرة حين يكون كالنقش على الحجر؛ هذا بالإضافة إلى تنمية ما حباها الله تعالى به من مواهب طبيعية، كالقدرة على تعلم اللغات ،أو الحاسب الآلي ،أو الخطابة ،أو الكتابة الأدبية ،أو ممارسة الرياضة-في حدود الشرع-،أو  التمريض،أو الزراعة،أو الرسم -في حدود الشرع أيضاً-أو التطريز، أو الأشغال الفنية،أو التفصيل والحياكة،أو الغزل،أو فنون السجاد اليدوي،أو الطهي أو تصنيع المواد الغذائية،أو  تربية الطيور والحيوانات إلى آخر ما يمكن أن يمتعها، و يصقل مواهبها، ويشغل عقلها ووقتها بما يفيدها في دينها ودنياهاحتى يأتي الزوج المنتظر،أو لا يأتي؛فهو  أمر بيد الله وحده؛ ولا ينبغي أن   تنشغل  الفتاة العفيفة به أكثر مما ينبغي ؛والدليل قول الله تعالى:" و ليستعفِف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يُغنيهم اللهُ من فضلِه"النور-33)

كما يجب أن تعرف البنت أن قيمتها الحقيقية في عقلها وأدبها وحياءها،فهذه الأشياء تنمو مع الزمن، بينما يتناقص الجمال الحسي مع الزمن؛ حتى يزول.

ومن المهم في  هذه المرحلة –التي تسبق سن التكليف بالحجاب -  أن نحكي لهن عن نماذج للعفيفات من السلف الصالح ،  مثل:

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها التي قالت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر:"كنت أخلع ثيابي في حجرتي ولم أكن أتحرج،أقول : زوجي وأبي،فلما دُفن عمر رضي الله عنه ،كنت أشد عليِّ ثيابي حياءً من عمر"!!!    

فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم التي لم تعجبها طريقة وضع الثياب على المرأة وهي ميتة خوفا من أن تصفها، فقالت لأسماء بنت أبي بكر:" يا أسماء إني قد استقبحت ما يُصنع بالنساء أن يُطرح على المرأة الثوب فيصفها،فقالت أسماء:" با ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحَنَتها ثم طرحت عليها ثوباً،فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله تُعرف به المرأة من الرجل،فإذا أنا مِتُّ فغسِّليني أنت وعلي،ولا يدخل عليَّ أحد،فلما توفيت رضي الله عنها غسَّلها علي وأسماء).

 إمرأة من أهل الجنة حدَّث عنها عطاء بن أبي رباح حين جاءت المرأة فقال لابن  عباس:" ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقال بلى،فقال هذه المرأة السوداء جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم،فقالت" إني أُصرع وإني أتكشَّف،فادعُ الله لي،فقال إن شئتِ دعوت لك وإن شئت صبرت ولك الجنة،فقالت:" أصبر:،قالت  إني أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف؛فدعا لها  "!!!

"مريم" ابنة عمران التي قال عنها القرآن الكريم أنها: " أحصنت فرجها"،ولما ظهر لها جبريل عليه السلام في صورة رجل،قالت له:" إني اعوذ بالرحمن منك إن كنتَ تقيا"

و بالإضافة إلى ما سبق،يمكننا أن نطلق العنان لأحلامها بذلك اليوم الذي ستحتفل فيه الأسرة والأصدقاء والأقارب بارتدائها الحجاب،فتقيم حفل حجاب"فلانة" !! ويا حبذا لو كانت هناك صديقة لها أو قريبة تحتفل بحجابها أيضاً في نفس الوقت؛ فيكون الحفل لاثنتين أو أكثر؛ فتكون البهجة أكبر!