كيف نحــــاور أبنـاءنـــا؟

أصبح الحوار ضرورة ملحة في مجتمع معاصر منفتح على كل شيء، وهو كوسيلة تواصل يعمل على دعم شخصية الأبناء وتحقيق التعاون والألفة، ويخلق مساحة من الود بينهم، ويعمل على مساعدة الوالدين في التعرف على مشكلات أبنائهم وتوجيههم. إلا أن غالبية الآباء يجهلون أصول الحوار ويعجزون عن تحقيقه، فكيف نبني الحوار ونمد جسوره مع أبنائنا؟

يجب أن نبحث عن المتعة في تربية أبنائنا، ولا يمكن لنا أن نصل لهذه المتعة إلا إذا نزلنا لمستواهم، هذا النزول لمستوى الأطفال "ميزة" الأجداد والجدات، عند تعاملهم مع أحفادهم، ينزلون لمستوى الطفل، ويتحدثون معه عما يسعده، ويتعاملون معه بمبدأ أن الطفل هو صاحب الحق في الحياة، وأن طلباته مجابة مادامت معقولة، ورغم أن الأطفال يحبون أجدادهم وجداتهم لا شك، إلا أنهم ينتظرون هذا التعامل اللطيف، والعلاقة الخاصة منا نحن، وتظل صورة الأب الشاب القوي التقي هي النموذج الذي يحبه الولد ويقتدي به ويتعلم منه كيف يقود البيت، ويرعى زوجته و أبناءه في المستقبل..وتظل صورة الأم الشابة الأنيقة، ذات الدين والحياء والعفة، والذوق الرفيع هي النموذج الذي تتعلق به الفتاة وتقتدي به، وتتعلم منه كيف تكون زوجة و أماً..

الفرصة لا تزال متاحة للجميع لتغيير العلاقة بالأبناء، تغييراً ينعكس إيجابياً عليكم وعليهم، سواء في التفاهم والحوار معهم، أو احترام شخصياتهم المستقلة، أو قبولنا لعيوبهم ونقائصهم.

إذن هناك تفهم، و احترام، و قبول كل هذا من الممكن أن نحققه إذا جعلنا علاقتنا بأبنائنا أفقية، كعلاقة الصديق بصديقه، يغلب عليها الحوار والتفاهم، أما إذا كانت العلاقة رأسية كعلاقة الرئيس بمرؤوسه، ويغلب عليها الأوامر والنواهي، لا شك سيكون تأثيرها الإيجابي قليلا.

من علامات نجاحنا في التربية، نجاحنا في الحوار مع أبنائنا بطريقة ترضي الأب و ابنه، ولكننا - للأسف - نرتكب أخطاء تجعلنا نفشل في الحوار مع الأبناء.

الحوار يبدأ منذ الولادة

من الأهمية بمكان النظر في عيني الطفل منذ ولادته، ومناغاته والغناء له حتى وإن كان لا يفهم ذلك، كبداية للتواصل بينه وبين والديه لتنمية استعداداته وقدراته للحوار معهم في المستقبل.

حسن الإنصات والاستماع

هناك عناصر مهمة في نجاح الحوار والتفاهم والتواصل، والإنصات لا يعني الاستماع فقط، بل يتعداه إلى استماع كل الأمر ثم اتباع أحسن الأقوال والتحاور والمناقشة فيها. فانشغال الوالدين بالهاتف، والتسرع بالإجابة، ومقاطعة الحديث وتحويله لموضوع آخر كل ذلك يدل على عدم الإنصات الجيد.

إن غياب الاستماع الجيد يؤدي إلى سوء الفهم، وسوء الفهم سوف يؤدي إلى المشاكل وتفكك العلاقات؛ لذلك على الوالدين إذا أرادوا أن يتقنوا الحوار الجيد مع أبنائهم أن يتقنوا الاستماع الجيد حتى يتحقق التحاور فيتشجع الأولاد للحديث مع والديهم.

تدريب الأطفال على الحديث

إن قيام الوالدين بسرد قصة حصلت معهم أمام أولادهم واستشارتهم وطلب رأيهم فيما حدث دون استهزاء أو تقليل من قيمتهم، يشجعهم على أن يستشيروأ آباءهم في أي أمر مهما كان صعبًا أو مخجلًا، وقد ضرب لنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) مثالًا في الحوار، عندما أتى إليه مراهق يستأذنه في الزنا، وقد كان أحب شيء إلى قلبه، وخرج من عند الرسول والزنا أبغض شيء إلى قلبه، ذهب الشاب إلى الرسول لأنه يعرف أن سيستمع إليه، وسيمنحه مساحة للحوار، دون أن يؤنبه أو يزجره.

شارك أبناءك اهتماماتهم وعبر عن حبك لهم

نزول الوالدين لمستوى أبنائهم ومشاركتهم اهتماماتهم، مهما كانت حتى لو خارج نطاق خبراتهم الدراسية كفيلم كرتون، أو هواية كالرسم أو الكرة، سوف يشعرهم بالسعادة، ويسهم في بناء شخصياتهم بشكل متوازن ويمد جسور الحوار والتفاهم بينهم.

كما أن محور تربية الأولاد يدور أساسًا حول الحب، وهو من الحاجات الأساسية عند الإنسان؛  فإظهار الحب للأولاد وعدم كتمانه هو من الأمور الأساسية التي تبني العلاقة بين الآباء والأبناء، فالطفل منذ ولادته يحتاج إلى الحب وعلى الوالدين تخصيص الوقت الكافي لاحتضانه وتقبيله، ومداعبته.

ولا يقتصر إظهار الحب على مرحلة الطفولة، بل في كل مراحل حياة الأولاد وكل حسب سنه، فعبارة: أنا أحبك، أنت كل حياتي… وغيرها من عبارات الحب لن تكلف الوالدين شيئًا، لكنها تعني للمراهق الكثير.

كذلك فإن تشجيع الأبناء على التعبير عن حبهم ومشاركتهم مشاعرهم تجاه أمور عديدة، حتى وإن كانت مزعجة، يفسح المجال للتبادل العاطفي لمعرفة ما يشعرون به ومشاركتهم ذلك.

راعِ الفروق الفردية ولا تحقق مع أبنائك

ينفرد كل فرد من أفراد الأسرة بشخصية لا تشبه شخصية الآخر، فالأسلوب الذي ينجح مع هذا قد يفشل مع الآخر، وعلى الوالدين اختيار طريقة تتناسب مع كل فرد حسب عمره وشخصيته والتعامل معهم على هذا الأساس.

كما أن استخدام أسلوب التحقيق في الحديث مع الأبناء يشعرهم بأنهم في محكمة، وهذا بدوره يشعرهم بالضيق والانزعاج ولا يشجعهم على الاستمرار في الحديث، فيكتفون بإجابات قصيرة دون ذكر تفاصيل.

كن رحب الصدر ولا تستهزئ

إن الاستهزاء والسخرية بما يقوله الابن يخلف آثارًا نفسية خطيرة تدمر شخصية الطفل وثقته بنفسه، فتلتصق عبارات السخرية بهم طيلة حياتهم وتغلق أبواب الحوار بين الطفل ووالديه.

وإذا حدث خلاف بين الوالدين والأبناء في موضوع ما، فيجب تقبل هذا الاختلاف من الطرفين والاستمرار بالمناقشة بهدوء، ففي ذلك تعليم احترام الآراء، واستمرار التواصل والحوار رغم الاختلاف.

كما أن على الوالدين عدم تجاهل أسئلة أبنائهم أثناء الحديث معهم، والإجابة عليها قدر الإمكان، ولا ضير في الاعتذار إن لم تكن هنالك إجابة، فذلك يشجع على الحوار ويثريه.

من أهم أسباب فشل الآباء في الحوار مع الأبناء استخدامهم لأسلوبين خاطئين:

الخطأ الأول: أسلوب "لا أريد أن أسمع شيئاً"

الخطأ الثاني: أسلوب "المحقق" أو "ضابط الشرطة".

الخطأ الأول: هو أننا نرسل عبارات "تسكيت"، وكذلك إشارات »تسكيت« معناها في النهاية »أنا لا أريد أن أسمع شيئاً منك يا ولدي«.

مثل العبارات التالية: (فكني، بعدين بعدين، أنا مش فاضي لك) بالإضافة إلى الحركات التي تحمل نفس المضمون، مثل: التشاغل بأي شيء آخر عن الابن أو عدم النظر إليه، وتلاحظ أن الولد يمد يده حتى يدير وجه أمه إلى جهته كأنه يقول: »أمي اسمعيني الله يخليك« أو يقوم بنفسه، ويجيء مقابل وجه أمه حتى تسمع منه.. هو الآن يذكرنا بحقه علينا، لكنه مستقبلاً لن يفعل، وسيفهم أن أمه ستستمع بكل اهتمام لأي صديقة في الهاتف أو زائرة مهما كانت غريبة، بل حتى تستمع للجماد (التلفاز) ولكنها لا تستمع إليه كأن كل شيء مهم إلا هو .

أما الخطأ الثاني من أخطاء الحوار، وهو أسلوب (المحقق أو ضابط الشرطة).

أسلوب المحقق يجبر الطفل أن يكون متهماً يأخذ موقف الدفاع عن النفس، وهذه الطريقة قد تؤدي إلى أضرار لا تتوقعونها..أسلوب المحقق قد يؤدّى إلى الكذب الذي قد يصبح صفة من صفات الأبناء بسبب الآباء.