من أول يوم ارتفع صوت الإخوان المسلمين هاتفا بتحية الجامعة العربية والأخوة الإسلامية إلى جانب الرابطة القومية والحقوق الوطنية وكان ذلك منذ سبعة عشر عاما، وكان الإخوان ينظرون من وراء سجف المستقبل القريب فيرون أن الدنيا ستصير ولا شك إلى التجمع والتكتل، وأن عصر الوحدات الصغيرات والدويلات المتناثرة قد زال أو أوشك أن يزول.
وكان الإخوان حينذاك يشعرون بأن ليست فى الدنيا جامعة أقوى ولا أضمن ولا أقرب من الجامعة التى تجمع العربى بالعربى، فاللغة واحدة تنظمها الفخامة والجزالة والرصانة والوضوح فى نسق واحد، والأرض واحدة تمتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب فى اتصال والتحام لا تقسمها الفواصل الكونية ولا التضاريس الأرضية، والآلام والآمال واحدة يمثلها التاريخ الضخم المشترك فى القديم والجديد حتى المثل العليا فى الدين تنظمها وحدة عجيبة أعلنها القرآن الكريم فى قول الله العلى الكبير: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا﴾[الشورى: 13].
وهكذا كان تحقق هذا الأمل رسميا بتكوين الجامعة العربية من جماع ما نهدف إليه ونعده لمواجهة المستقبل القريب والبعيد، فالجامعة العربية الآن هى عدة الحاضر وأمل المستقبل، ووجب إذن على رجال الجامعة العربية أن يقدروا هذه التبعة بقدر ما لهذه القوة المعنوية من أثر، وأن يحسنوا الانتفاع بها كأداة تساعدهم على تحقيق رسالتهم من جمع كلمة العرب ولم شتاتهم وتوجيههم وجهة واحدة إلى تحقيق المثل العليا التى كانت ولا تزال ولن تزال رسالة العرب فى الحياة.
والذى ينظر نظرة بسيطة إلى هذه المساحة الممتدة الكبرى من الأرض التى تسكنها الأمة العربية ويتكون منها مجموعة الوطن العربى يتبين أية مسئولية ملقاة على رجال الجامعة العربية، وأى آمال معلقة ينتظر منهم تحقيقها. فمعظم أجزاء هذا الوطن لا يزال مغلوبا على أمره ينتظر من الجامعة العربية نجدته وإسعافه لتحقيق حريته أو إتمامها، ليتمكن من أداء ما عليه من واجب الجهاد فى سبيل تحقيق رسالة العرب وتمكين المثل العليا من السيادة فى المجتمع الإنسانى. ونجدة العرب لهذه الأقطار وإسعافهم الصادق والسريع لها هو ما ينتظره الإخوان المسلمون من الجامعة العربية متى وضعت اليوم بين يديها قضايا العرب لتعمل جهدها فى سبيل إيجاد الحلول اللازمة والحاسمة لها.
والإخوان المسلمون ينظرون إلى قضية مصر العربية كقضية أساسية تحل بحلها جميع قضايا العرب، لذلك فهم ينتظرون من الجامعة العربية خطوات حازمة فى سبيل تحقيق الأمانى المصرية التى هى أمانى العرب. فمصر تتبوأ من العالم العربى مركز القلب وفيها تجتمع قوى العرب وآمالهم وأعمالهم فى سبيل الجهاد.
--------
المصدر: مجلة الإخوان المسلمين، العدد (95)، السنة الرابعة، 22 ربيع الثانى 1365ه- 26 مارس1946م