نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالا مشتركا لرئيس مجلس حقوق الإنسان في مركز القانون بجامعة جورجتاون، "إليسا ماسيمينو"، ومدير أول لشئون الدعوة في معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان "نيل هيكس"، سلطت خلاله الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وأحكام السجن بحق الناشطين والمعارضين والحقوقيين، وآخرها الحكم بسجن الحقوقي "بهي الدين حسن" 15 عاما.
وحسب المقال فإنه في السنوات الست التي انقضت منذ استيلاء عبدالفتاح السيسي "قائد الانقلاب العسكري" على السلطة في مصر، تحولت البلاد إلى أعمق أزمة في مجال حقوق الإنسان شهدتها منذ عقود. وفي مواجهة هذه الدوامة الهابطة، ليس من المستغرب أن يتوقف الكثيرون في الغرب عن الاهتمام، ومع نفي المزيد والمزيد من الناشطين أو سجنهم، أصبحت انتهاكات حقوق الإنسان في مصر مثل قصة عضات الكلاب. ولكن في الأسبوع الماضي، تجاوزت الحكومة عتبة جديدة خطيرة في حملتها على المعارضة السلمية، عتبة ينبغي على جميع من يهتمون بالكفاح العالمي ضد الاستبداد أن يلاحظوا ويدينوا.
وللمرة الأولى منذ إنشائها، حكمت محاكم مكافحة الإرهاب الخاصة في مصر على ناشط بارز في مجال حقوق الإنسان بأقصى عقوبة بموجب أحكام قانون جرائم الإنترنت الجديد الصارم، بالسجن 15 عاما لانتقاده نظام "السيسي"، وهي أطول عقوبة تُفرض على مدافع عن حقوق الإنسان في مصر. وكان الرجل المدان هو "بهي الدين حسن"، مؤسس حركة حقوق الإنسان المصرية (يعيش حاليًا في فرنسا).
فما هو السلوك الشنيع الذي أدين به؟ لا شيء أكثر من التعليقات العامة، التي أُعلنت على "تويتر" وفي اجتماعات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مشيرة إلى فشل النظام القضائي المصري في محاسبة مسئولي الدولة على جرائم القتل والتعذيب والاختفاء على نطاق واسع منذ استيلاء "السيسي" على السلطة.
تمت محاكمة "حسن" بموجب قانون العقوبات وقانون جرائم الإنترنت الجديد الصارم الذي أدانه ناشطو الإعلام وحرية الإنترنت باعتباره عقبة شديدة أمام حرية التعبير، ويجرم القانون إهانة مؤسسات الدولة، مثل القضاء، ويتضمن حكما يحظر نشر "الأخبار المزيفة"، وهو المصطلح الذي أصبح شائعا لدى الحكام المستبدين في جميع أنحاء العالم منذ ظهور "دونالد ترامب" كقوة سياسية في الولايات المتحدة.
وصفت تصريحات "حسن" بأنها "إهانة للقضاء"، وتبين أن انتقاده لفشل النظام في محاسبة أي شخص على اختفاء طالب الدراسات العليا الإيطالي "جوليو ريجيني" عام 2016 وتعذيبه بوحشية وقتله ينتهك الحكم ضد "نشر أخبار مزيفة".
وعلى الرغم من أن "حسن" يعيش في الخارج منذ عام 2014، لا يزال يقود الحملات الدولية التي تحتج على الخروج على القانون ووحشية حكومة "السيسي"، ويجتمع بانتظام مع القادة السياسيين وكبار مسئولي الأمم المتحدة، وإلى جانب تعبئته للمصريين داخل البلاد وخارجها من أجل قضية العدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون، كان هذا مصدر إزعاج دائم لـ"السيسي"، إن أقصى مدة العقوبة التي صدرت ضده هي رسالة واضحة.
إن تجريم الانتقاد السلمي للحكومة هو بالفعل غضب كافٍ، لكن تقديم "حسن" إلى محكمة مكافحة الإرهاب، بدلًا من المحكمة الجزائية العادية، هو إشارة واضحة من نظام "السيسي" بأنه يُعيد جهوده لتشويه سمعة وتخويف حركة حقوق الإنسان ككل من خلال ربطها علنًا بالإرهاب.
يتم اختيار القضاة في دائرة الإرهاب الخاصة لرغبتهم في الحكم على خصوم "السيسي" السياسيين على الرغم من عدم وجود أي دليل موثوق به على ارتكاب مخالفات جنائية، وفي قضية حسن، أدانه حكم المحكمة بتهمة التحريض على العنف والتخريب، على الرغم من أن الادعاء لم يزعم ولا يقدم أدلة تدعم مثل هذه الادعاءات، وببساطة، لفّق القاضي هذه الاتهامات التحريضية من أجل التشهير بحسن وعمل منظمته وغيرها من نشطاء حقوق الإنسان.
إن استراتيجية "السيسي"، وهي التشكيك في الانتقادات التي توجهها منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية من خلال تشويه سمعتها بتهم الإرهاب، ليست جديدة، لكن الحكم ضد "حسن" تصعيد مشئوم.
والآن حكمت مصر على "حسن" بالسجن 15 عامًا للدفاع على وجه التحديد عن هذه القيم، ما يدل على أن النظام في القاهرة لا يملك سوى ازدراء هذا الالتزام، وساهم سلوكها في حرب لا نهاية لها على الإرهاب في الداخل، ويُعد مثالًا خطيرًا على استعداد العديد من الحكومات لاتباعه.