نحمد الله تبارك وتعالى، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.. أما بعد!!
أيها الإخوان الفضلاء.. أحييكم بتحية الإسلام تحيةً من عند الله مباركةً طيبةً، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

إنكم أيها الإخوان في حفل تكريم الآن، وفي ذكرى رسول كريم؛ لأنكم اجتمعتم في تاريخ هجرته المباركة التي جاءت فاصلاً بين الحق والباطل، بل ظهر الحق وغاب الباطل ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: من الآية 40).

أيها الإخوة برغم هذا أعتذر إليكم إن لم يتسع لكم المكان، فقد وسعتكم صدورنا، فلا تضيق صدوركم من زحام شديد، فإن به الرحمةَ تتنزل والخير يفيض، أفسحوا لهذه الذكرى من صدوركم ومشاعركم، فإنها- بكل الحق- فيها العبرة والعظة ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: الآية 21).

أيها الإخوة.. ونشكر لكم تلبيتكم هذه الدعوة، ونهنئكم بهذه الذكرى، ونسأل الله- تبارك وتعالى- أن يُعيدها على الأمة الإسلامية بالأمن والإيمان والطمأنينة والسلام، وإنه أكرم مسئول وأفضل مأمول.

أيها الإخوان.. إن الحديث عن الهجرة حديث يطول، ولكن سأستلهم من هذا الشعور الفياض وذلك التطور الجديد ذلك المعنى السامي الذي أحدثته الهجرة في النفوس.

لا شك أيها الإخوة أنَّ القلب الإسلامي والعقل الإسلامي والأمة الإسلامية في تطور جديدٍ وشعور جديد، أشرقت أنواره، وبدت مطالعه في هذه المظاهر البهيجة، وفي هذه العاطفة الروحية التي تزداد بها الأرواح إشراقًا، وتزداد بها الوحدة تماسكًا، تحسُّ أثرَه يا أخي في المساجد والجمعيات والجماعات، ففي كل مكانٍ يوجد مظهر، وفي كل ناحية من نواحي الخير تجد قلوبًا تتطلَّع إلى المستقبل المليء بالخير.

سأستلهم أيها الإخوة هذا المعنى الذي أتحدث إليكم فيه عن الهجرة ومعانيها السامية في كلمة رئيس الدولة في رسالته التي يخاطب بها شعبه، ويستنهض بها الأمةَ الإسلاميةَ، والتي قال فيها: "أذكر مع الذاكرين فيه الأماني، وتمتلئ القلوب قوةً وأملاً وإيمانًا بالله، تعالت قدرته، وعلت مشيئته.

إن هجرة الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- قد أودعت ضمير الزمان مبادئَ شرفت بها الإنسانية، وسما بها قدر الإنسان، ومن حق الذين يحتفلون بذكرى الهجرة أن يهنأوا، فإليكم حقكم من هذه التهنئة الخاصة، وإلى المسلمين جميعًا في كل مكان تحياتي مشفوعة بأماني المجد لهم.

إنَّ رئيسَ الحكومة يهيب بالمسلمين في حديث الهجرة فيقول: "لقد هانت الحياة حين عزت العقيدة، وصغرت الدنيا حين كبر المقصد وسمت الغاية، فما قيمة الحياة بغير لبابها؟ بل ما غناء الدنيا بدون شرفها؟ وإن لباب الحياة لهو العقيدة، فإذا خلت منها فهي ذلٌّ وصَغار، وإنَّ شرف الدنيا أن يعمل الإنسان على إقالة العثار، ويعين على نوائب الحق، فإذا استنام للباطل، فليس له من الدنيا نصيب إلا ليل ونهار، والمرء بينهما خيالٌ سارٍ".

وإنَّ فضيلة شيخ الأزهر في حديثه عن الهجرة يقول: "إنه إذ يذكر مزاياها، إنما ننشر للناس ما يجب أن يعلموه من معاني الصبر والتضحية والثبات على المبدأ والحياة الشريفة أو الموت في سبيل المبدأ".

أيها الإخوان.. هذا تطور جديد في الشعور الإسلامي والقلب الإسلامي، والذي كانت قلوبنا تهتف به؛ لأنها لم تكن تقيدها القيود والرسوم، ولم تكن الأحوال الشكلية تحولُ بينها وبينه، وما كنا نطمع أن يهتف به عليةُ القوم وجلة الناس وأهل النفوذ فيهم، بل كنا نعتبر هذا أمنيةً، فإذا أحلام الأمس حقائق اليوم ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم: 4، 5).

وإذا كان رئيس الدولة يقول إن هجرة الرسول- صلوات الله عليه وسلامه- قد أودعت ضمير الزمان مبادئَ شرفت بها الإنسانية، وسما بها قدر الإنسان، فإني أحب أن أتناول شيئًا من البيان لهذه المبادئ.. هذه المبادئ العليا- أيها الإخوان- قد أنتجتها هجرةُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأودعتها ضمير الزمان وشرفت بها الإنسانية، وأثَّرت في حياة الأمة الروحية، فليست حياة الأمة في الإصلاحات الاقتصادية ولا في نهضاتها الإدارية، ولا في أعمالها الشكلية، فإن هذا في حياة الأمم لا يساوي فيضَ الله- تبارك و تعالى- على القلوب والأرواح متى عرفت ربَّها وخالط الإيمانُ بشاشةَ قلوبها، تعالَوا- أيها الإخوان- نتلمَّس هذا الفيضَ من هجرةِ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة نجده واضحًا في تلك المبادئ التي أشرقت بها الدنيا وعلا بها قدر الإنسان، والتي امتحن بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابَه من المهاجرين والأنصار، بعد أن درس هذه المبادئ في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فجاءت تلك الهجرة نتيجةً لتلك الدارسات العميقة وانطباعها بتلك المبادئ القويمة، وكان من حظ الدنيا أن استجاب لها المسلمون واستحقوا بها الشهادة شهادةَ الله جلَّت قدرتُهُ ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾(آل عمران: من الآية 110)

تعالَوا أيها الإخوة نتدارس تلك المبادئ؛ لعلنا نستطيع أن نصيبها بنحو ما أصابها أسلافنا من عدة قرون.

أيها الإخوة إن المبادئ التي جاء بها النبي- صلى الله عليه وسلم- والتي ركَّز لها كفاحه في مكة قد أُحيطت بقلوب رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فإذا نحن حاولنا أن ننجح كما نجحوا فعلينا أن ننتهج بنهجهم، ونسلك مسلكهم، وإنهم باعوا أرواحهم لله، وضحَّوا بأنفسهم في سبيل الله ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: الآية 111)، واسمحوا لي أيها الإخوة أن أبيِّن لكم مبلغ ذلك العبء الذي احتمله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صقل النفوس وفي غرس المبادئ.

ومضى صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ عشرَ عامًا يغرس في النفوس مبادئه القويمة وتعاليمه النافعة، ويكرِّر ذلك حتى تعيَه القلوب وتمتزج به الأرواح، وهو بعد هذا يعتقد أن الله أقرب إليه من كل ما عداه، فإذا دعا فلله، وإذا تكلم فلله، وإذا أحسن عملاً فلوجه الله ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ (المجادلة: من الآية 7).

يؤمن الرسول- صلى الله عليه وسلم- حق الإيمان بذلك، ويعلم علم اليقين أن أهل السماء والأرض لو اجتمعوا على أن ينفعوا أحدًا أو يضروه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ﴿قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 154) ﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ (الروم: من الآية 4).. هذا المبدأ يا أخي، وهذه الفكرة استقرت في قلوب طلبة مدرسته الأولية صلى الله عليه وسلم، واستولت على صميم قلوبهم، يعتزون بها ويعملون لها، وما كان لصاحب العقيدة السليمة أن يُفتَن في عقيدته ﴿وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت: من الآية 2).

استقر هذا المبدأ وتمكَّنت هذه العقيدة في نفوس المؤمنين الأُوَل، ثم جاءت الهجرة وأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ما هم عليه من العزم والقوة، يتأهبون لها ويسارعون لنيل شرفها، وما كان لهم من قوة يستنصرون بها إلا اعتزازهم بالله واعتمادهم على الله.. ها هو ذا عمر- رضى الله عنه- يتنكَّب قوسه ويطوف بالكعبة، ويمر بالملأ من قريش ثم يقول: من أراد أن تثكله أمه أو ييتَّم ولده فليتبعني، وها هو ذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستعد للهجرة وفي صحبته أبو بكر الصديق ثم يخرج ليلاً تاركًا وطنَه وحب قلبه، وأي ألمٍ للنفس وأي شدة لها من أن يترك الإنسانُ بلده ومسقط رأسه، ولكنه في طاعة الله وابتغاء مرضاة الله!!

والهجرة أخت القتل ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ (النساء: 66) وما كانت مكة بالبلد البغيض، بل هي أعز البلاد إليه، فها هو ذا- صلى الله عليه وسلم- يخاطبها عند فراقه لها فيقول: "يا مكة.. إنك لأحب البلاد إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت".

أيها الإخوة.. ذلك كان حبهم لمكة ولكن الله أحب إليهم من كل شيء ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: الآية 24).

أيها الإخوة.. ويخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فارًّا بدينه من القرية الظالمِ أهلها، متوخيًا كيدَ أعدائه، فيختبئ في غار ثور، ثم يقول له الصديق أبو بكر رضي الله عنه: والله يا رسول الله لو نظروا تحت أقدامهم لرأَونا، فيقول صلى الله عليه وسلم: "ما بالك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما.. لا تحزن إن الله معنا" ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾ (التوبة: الآية 40).

أيها الإخوة.. لقد امتُحن الذين سبقوا من المهاجرين فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، وامتحن الأنصار بالوفاء والنصرة لهؤلاء، فنجحوا نجاحًا سجَّله الله عز وجل في كتابه: ﴿وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الأعراف: من الآية 157).

وتمضي الأيام فإذا بهم يكونون له نماذجَ الوفاء، ما تردَّدوا وما تلكأوا، حتى في أحرج المواقف، فها هو ذا سعد بن عبادة- رضى الله عنه- يقول في إحدى الغزوات: إنا صُبُرٌ في الحق، فلا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون" ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.. عاشوا على الحق وماتوا على الحق، فنالوا الدرجةَ العليا في سجل الدرجات ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: الآية 23).

أيها الإخوة.. ولقد كان من مفاخرهم أنهم كانوا يقاسمون المهاجرين أموالَهم وإن كانت محدودةً، ولكنَّ قلوبَهم كانت عامةً وغير محدودة وسِعَت كلَّ من وفد عليها، وهكذا تحققت معنى الوحدة الوحدة الحقيقية من معرفةٍ إلى صداقةٍ، ومن صداقةٍ إلى حبٍّ، ومن حبٍّ إلى إيثارٍ، ولا عجبَ أن سجَّل القرآنُ الكريم هذه المواقفَ في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: الآية 9).

هكذا يا أخي امتُحِن المهاجرون بالإيمان القوي والصبر، وامتُحِن الأنصارُ بالحب الكامل فنجحوا جميعًا، واستقر المجتمع بتلك المبادئ السامية التي علا بها قدرُ الإنسان وشرفت بها قيمة الإنسان.

أيها الإخوة.. هذه المبادئ التي توحيها الهجرة ها أنتم درستموها وقرأتموها، ولكني أصارحكم أنَّ الدرسَ شيء والعمل بها شيء آخر، كما أنَّ الأخلاق شيء والعمل بها شيء آخر، وعِلم الدين شيء والعمل بالدين شيء آخر، فقد نرى مستشرقًا عالمًا بالدين، وهو على فكرته وعقيدته، وعالمًا يؤلّف في الأخلاق وليس عنده من الأخلاق شيء، وقد لا ينطق الرجلُ بكلمةٍ ولا بجملةٍ من العلم، لكنَّ نفسه دَيِّنةٌ مشرقةٌ منيرةٌ، ولسان الهجرة يفيض كل عام، ويذكرها المسلمون، فهل المسلمون يعتبرون بهذا اللسان ويستمعون لهذا اللسان؟!

إنَّ القلوب لم تتَّجه بعد ولا تريد أن تؤدِّيَ الامتحانَ، وإذا كان هذا حالها فيا ضيعة العمر!! لهذا أهيب بالإخوان المسلمين إذا عرضوا لاحتمال شيءٍ عظيمٍ أهيب بهم إذا عزَّ ذلك على الأمة أن يكونوا نماذج للدعوة الحقة، فإذا رآهم الناس قد تحمَّسوا واعتزُّوا بالإيمان، وتحلوا بالصبر والوفاء والحب والتآخي والبذل والاستعداد والتضحية في سبيل الحق، فسيعملون بعملهم ويتحمسون بحماسهم، فإن الحقوقَ تُطلَب ويُكَافَح في سبيلها.

فسيروا أيها الإخوان على بركة الله، عاملين على إعلاء كلمة الحق، التي يجب أن تتجه إليها قلوبكم اتجاهًا قويًّا ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: الآية 139).. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
====
من تراث الإمام البنا