أولاً: حكمهما، وعلى من تجب؟

زكاة الفطر واجبة بالاتفاق عند الأربعة على الصغير والكبير، ما دام يملك ما فضل عن قوت يوم العيد وليلته لنفسه ولعياله الذين يعولهم، واشترط أبو حنيفة أن يكون مالكًا لنصاب الزكاة المفروضة فاضلاً عن مسكنه وفرسه وسلاحه، وروى ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والصغير والكبير من المسلمين، وأثوبها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة"، وهو كما ترى أصل من أصول التشريع في هذا الباب، وقد علمت آراء فقهاء الأئمة في حكمها.

ثانيًا: وقت وجوبها:

تجب بطلوع الفجر من أول يوم من شوال عند أبي حنيفة، وقال أحمد بغروب الشمس ليلة العيد، وعن مالك والشافعي قولان؛ بالفجر، أو بالغروب.

ثالثًا: عمن تخرج؟

يخرجها الشخص عن نفسه، وعمن تلزمه نفقتهم من عياله وخادمه وزوجته، وقال أبو حنيفة هو غير مكلف بالإخراج عن زوجته، وروى الدار قطني: "أدوا صدقة الفطر عمن تمونون".

رابعًا: أفضل أوقات إخراجها:

بعد فجر العيد وقبل صلاته، واتفقوا على جواز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، واختلفوا في التعجيل قبل ذلك، فقال أبو حنيفة يجوز تقديمها على شهر رمضان، وقال الشافعي يجوز التقديم من أول الشهر، وقال مالك لا يجوز التقديم عن وقت الوجوب، ويحرم تأخيرها عن صلاة العيد، فإن إخراجها عند الصلاة لن تسقط عنه، بل تظل دينًا واجب القضاء؟ وقد علمت في حديث ابن عمر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أمر بها أن تؤدى قبل الصلاة، وللبخاري في رواية: "وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين".

خامسًا: مقدارها، ومم تخرج؟

اتفقوا على أنه يجوز إخراجها من خمسة أصناف: البر، والشعير، والتمر، والزبيب، والأقط، إذا كان قوتًا، إلا أن أبا حنيفة قال: الأقط لا يجزئ قيمته، وقال الشافعي كل ما يجب فيه العشر فهو صالح لإخراج الزكاة منه؛ كالأرز، والذرة، والدخن، ولا يجزئ الدقيق والسويق عند مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة وأحمد: يجزئان، ويجوز عند أبي حنيفة إخراج القيمة نقودًا، وأفتى بذلك بعض متأخري الشافعية، وقالوا: هو الأحب إذا كان أنفع للفقير، ولا بأس بتقليدهم في ذلك.

والواجب من كل ذلك صاع بصاع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الأصناف الخمسة، وقال أبو حنيفة: يجزئه من البر نصف صاع، وروى سعيد الخدري قال: كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أقط، فلم تزل كذلك حتى تقدم علينا معاوية المدينة، فقال: إني لأرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك. قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه (رواه البخاري)، لكن البخاري لم يذكر فيه: قال أبو سعيد: فلا أزال... إلخ.

ثم اختلفوا في مقدار الصاع، فقال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف: هو خمسة أرطال ونصف بالعراقي، وقال أبو حنيفة: ثمانية أرطال بالعراقي، وهو بالمصري قدحان عند الشافعي، فالكيلة تكفي عن أربعة وقدح وثلث عند مالك وأحمد، فالكيلة تكفي عن ستة، وهو عند أبي حنيفة وثلثا قدح، فالكيلة من غير القمح عن ستة، وقد علمت أنه يجوز إخراج قيمة ذلك نقودًا عنده، ويشترط إنقاء الحب من الطين والغلت ونحوه.

سادسًا: لمن تصرف؟

مذهب الشافعية وجود صرف الفطرة إلى الأصناف الثمانية، وقال الأصطخري من أئمتهم: يجوز صرفها إلى ثلاثة من الفقراء والمساكين، وجوزها مالك وأبوحنيفة وأحمد إلى فقير واحد؛ قالوا: ويجوزها فطرة جماعة إلى فقير واحد، ووافق على ذلك جماعة من أئمة الشافعية؛ كابن المنذر، والروياني، وأبي إسحاق الشيرازي، وإذا أخرج فطرته جاز له أخذها إذا دفعت إليه وكان محتاجًا عند الثلاثة، وقال مالك: لا يجوز له ذلك، ولا يجوز دفعها إلى الوالدين أو الاولاد إلا مالكًا، فإنه أجاز صرفها للجد والجدة وأبناء البنين لسقوط نفقتهم عنده، ويجوز صرفها إلى الإخوة والعمومة عند أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وعن روايتين أظهرهما أنه لا يجوز، ولا يجوز صرفها إلى كافر، وعن أبي حنيفة يجوز صرف الزكوات للذمي، ولا يجوز صرفها لبني هاشم.

واختلفوا في نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر، فقال أبوحنيفة: يكره، إلا أنه ينقلها إلى قرابة محتاجين أو قوم هم أشد حاجة من أهل بلده، فلا يكره، وقال مالك: لا يجوز إلا برأي الإمام لحاجة بلده إليها، وللشافعي قولان أصحهما عدم جواز النقل، والمشهور عن أحمد أنه لا يجوز نقلها إلى بلد آخر يبعد مسافة القصر، مع وجود المستحقين في بلده.

سابعًا: حكمتها وعقوبة من لم يؤدها:

هي طهرة للصائم، وكأنها تطبيق على تأثره بالصوم من حيث السخاء والجود، وهي كذلك غنى للفقراء والمساكين عن سؤال في هذا اليوم؛ حتى يتساووا مع غيرهم من أبناء الأمة في السرور بالعيد.

عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث" (رواه أبو داوود).

ومن حديث ابن عمر: "أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم" (رواه الدار قطني).

وعن جرير- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:"صوم رمضان معلق بين السماء والأرض، لا يُرفع إلا بزكاة الفطر" (الحفص بن شاهين).

وعن كثير ابن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ (الأعلى: 14- 15)، قال: "أنزلت في زكاة الفطر" (رواه ابن خزيمة في صحيحه).

----------
* جريدة (الإخوان المسلمين)، العدد (35)، (27 رمضان عام 1353هـ= يناير 1935م).