اختتم قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي زيارته للكويت، اليوم الأحد، والتي استغرقت يومين، وجاءت في أعقاب مشاركته في قمة السبع الكبرى في فرنسا ثم قمة "التيكاد7" التي أقيمت في اليابان، وسيطر الملف الأمني ومكافحة ما يسمى بالإرهاب على المباحثات بين السيسي والمسئولين بحكومة الكويت؛ حيث التقى قائد الانقلاب بأمير الكويت، وناقشا العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، لكن اللقاء الأهم كان مع نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الكويتي الفريق خالد الصباح؛ وذلك لبحث التعاون الأمني بين البلدين، وما وصفه بيان رئاسة الانقلاب عن اللقاء بـ"الإرادة المشتركة للبلدين في مكافحة الإرهاب والتصدي للفكر المتطرف".
وتفتح الزيارة باب التساؤل عن توقيتها ودلالاتها وتأثيرها في ملفات الإخوان، وقطر، والعاملين المصريين المحسوبين على الجماعة بالكويت، والموجودين فيها منذ عشرات السنين.
فزيارة السيسي للكويت هي الثالثة منذ اغتصابه الحكم عبر انقلاب عسكري في يوليو 2013م؛ حيث زار الكويت سابقًا مرتين: الأولى في يناير 2015م، والثانية في مايو 2017م، لكنها تعدُّ الزيارة الأولى في أعقاب تسليم الكويت في يوليو الماضي 8 من عناصر الإخوان الذين فروا من ظلم السيسي واضطهاد نظام العسكر في أعقاب المذابح المروّعة التي نفذتها سلطة الانقلاب العسكري منذ يوليو 2013 بحق مؤيدي الرئيس الشهيد د. محمد مرسي وأنصار ثورة 25 يناير 2011م والداعين للمشروع الإسلامي بمعايير الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
السلوك الكويتي أثار ردود فعل متباينة؛ فبينما رحّبت نظم الاستبداد العربي وتحالف الثورات المضادة بالخطوة؛ اعتبرت القوى الإسلامية والديمقراطية وشعوب المنطقة - وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وأحزاب وقوى سياسية كويتية - ذلك تصرفًا شائنًا، يخصم من رصيد الكويت وأميرها، والتي اختطت لنفسها موقفًا وسطًا من الأحداث المثيرة للجدل في المنطقة بعد خطيئة دعم الانقلاب في مصر على الرئيس المنتخب، فلم تشارك في حصار قطر، ولم تكن من المعادين للنظام التركي الذي تشنُّ عليه السعودية والإمارات - بالتحالف مع الصهاينة والولايات المتحدة الأمريكية - حربًا شعواء؛ سياسية وأمنية واقتصادية وإعلامية.
وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة لجماعة الإخوان المسلمين، وعناصرها في الكويت الشقيقة، إذا علمنا أن النائب العام لحكومة الانقلاب نبيل صادق زار الكويت بالتزامن مع زيارة رئيس الانقلاب، ووقَّع مذكرة تفاهم مع النيابة العامة في الكويت؛ لتبادل المعلومات واستجواب الشهود، وهي الزيارة التي تأتي استجابةً لطلب النائب العام الكويتي المستشار ضرار العسعوسي.
وبحسب تصريحات العسعوسي لصحيفة "الرأي" الكويتية، فإن مذكرة التفاهم "تتضمن مجموعة من النقاط؛ أبرزها تبادل المعلومات بين النيابتين، والإنابات القضائية، والمساعدات القضائية التي تتم وفق القنوات الدبلوماسية، إضافةً إلى تنظيم الدورات والتنسيق في المحافل والمواقف الإقليمية والدولية، وتبادل الزيارات وإجراء ورش العمل والبرامج القانونية المشتركة".
وعن ماهية المساعدة القضائية المنصوص عليها في مذكرة التفاهم، أوضح العسعوسي أنها "تقوم على تبادل البيانات والمعلومات في القضايا، والإجابة عن بعض الاستفسارات أو سؤال بعض الشهود"، وقال إنه "في العادة فإن البيانات التي قد نحتاجها في الكويت من مصر أو يحتاجونها في مصر من الكويت تكون مهمة جدًّا لاستكمال ملفات بعض القضايا".
وردًّا على القول بأن المساعدات القضائية منصوص عليها في الاتفاقية العربية المعنية بالتعاون القضائي، أفاد النائب العام الكويتي بالإيجاب، منوهًا في الوقت نفسه إلى أن "هذه المذكرة هي ذات طابع ثنائي".
وتأتي زيارة قائد الانقلاب ونائبه العام إلى الكويت في أعقاب تقارير إعلامية كويتية، نقلت الأسبوع الماضي عن مصادر أمنية بحكومة الانقلاب في مصر أن عدد ما أسمتها بخلية الإخوان في الكويت 68 شخصًا وليست 8 فقط، وهو ما يعني شنّ حملة اعتقالات جديدة، وتسليم فوج جديد من الأبرياء وضحايا الانقلاب العسكري في مصر، والذين فروا مهاجرين خوفًا من بطش النظام وقمعه الوحشي، فلم يجدوا في جوار أمير الكويت ما وجد المسلمون الأوائل في جوار النجاشي ملك الحبشة؛ من عدل وإنصاف وانحياز للضحايا على حساب الجلادين والطغاة.
الملف الثاني الذي يحظى بأهمية كبيرة في زيارة قائد الانقلاب للكويت؛ هو الملف الاقتصادي؛ حيث يرغب السيسي في زيادة معدلات الاستثمار الكويتي في مصر، في ظل الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة، وتراجع معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر، وتضخّم حجم الديون، وتوقف المساعدات الخليجية منذ عدة سنوات، والتي كانت كبيرة للغاية في أعقاب الانقلاب على الرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي.
فالزيارة جاءت في ظل ضغوط برلمانية وسياسية ومحلية كويتية، يتعرض لها مئات الآلاف من المصريين العاملين بالكويت، خاصة انتقادات البرلمانية صفاء الهاشم للجالية المصرية هناك، ومطالبتها بتقليل أعدادها ومن فكرة استقدام المصريين للكويت، ولذلك أشار بيان "رئاسة" الانقلاب إلى هذه النقطة؛ فقد وجه قائد الانقلاب الشكر لأمير الكويت وحكومتها وشعبها على "احتضان الجالية المصرية بالبلاد، وعلى الرعاية والاهتمام الذي تحظى به الجالية في وطنها الثاني الكويت، وللتسهيلات التي تقدمها السلطات الكويتية المعنية لتأمين كل الاستحقاقات الانتخابية للمصريين المقيمين في دولة الكويت".