لا يتأخر الصهاينة عن تقديم الدعم والنصائح لصديقهم السيسي قائد الانقلاب منذ اغتصابه السلطة لخدمة مصالحهم، وبجانب الخدمات الأمنية والاستخبارية ودعمه في سيناء بقصف مسلحي داعش، شاركوا في تقديم النصح له للتعامل مع أزمات مصر الحالية وصراعه مع جماعة الإخوان المسلمين.
نصائح الصهاينة الأخيرة التي ظهر جزء منها في تقريرين نشرتهما صحيفة "هأرتس" لمحرر سياسي شهير على صلة بدوائر الاستخبارات الصهيونية، وتقرير لصحيفة "ذي ماركر" الصهيونية الاقتصادية المتخصصة، تركزت على تحذير السيسي من أنه يجب أن "يخفّ" أو ينسى صراعه الحالي وقمع المستمر للإسلاميين، وخاصةً الإخوان المسلمين، وأن يركز على تصاعد الغضب الشعبي الذي كان أيضًا في خلع مبارك من الحكم بثورة شعبية.
انس الإسلاميين وانبته للخطر الحقيقي
ففي تحليل نشره المحلل الصهيوني "ديفيد روزنبرغ" بصحيفة "هآرتس" كتب يقول إن "عبد الفتاح السيسي" غافل عن أكبر خطر حقيقي يهدد نظام حكمه رغم مطاردته الإسلاميين وحظره جماعة الإخوان المسلمين، وقمع أجهزته الأمنية وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية.
وأوضح أن "هذا الخطر لا يبدي رغبة في إسقاط حكم السيسي، على عكس الإسلاميين، ولا ينتقده علنًا، على عكس المدونين والمنظمات غير الحكومية، اللهم إلا بعبارات رقيقة، تحتاج إلى خبير للتعرف على فحواها"، وهو صندوق النقد الذي حول حياة المصريين إلى جحيم وسينقلبون عليه بسببه.
"روزنبرغ" قال للسيسي: "صندوق النقد الدولي، الذي تقود وصفته لإصلاح الاقتصاد يقود إلى مزيد من فقر المصريين، خاصة من أبناء الطبقة الوسطى، التي تمثل الخطر الأكبر على نظام الحكم، باعتبار أن جيل الألفية من أبنائها هم من أشعلوا ثورة 25 يناير 2011.
التقرير الصهيوني قال للسيسي: "انسى الإسلاميين وقمعك لهم.. ركز على مخاطر وصفة صندوق النقد في إغضاب الشعب كله".
وقال إن وصفة الصندوق - القائمة على أساس أن ترتيب البيت المالي أولا - هي التي ستحقق نقل الفوائد إلى بقية الاقتصاد، وتمنع الكوارث الاقتصادية طويلة الأجل، وتنفيذ السيسي أغلب شروط الصندوق لم تأت بالمطلوب منها وأفقرت المصريين.
وتساءل: "هل تحققت النتيجة التي بشر بها الصندوق؟ مجيبًا بإحصائية كشفت عنها (الحكومة المصرية) تزامنا مع تحصيل شريحة القرض الأخيرة، مفادها أن نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغت 32.5% العام الماضي، ارتفاعا من 27.8% في عام 2015، وهو العام السابق لبدء تنفيذ وصفة صندوق النقد الدولي.
وأكد المحلل الصهيوني أن الطبقة المصرية الوسطى تعاني جراء سياسات الصندوق الدولي أيضًا، خاصة الشباب من أبنائها؛ إذ ارتفع معدل البطالة فيما بينهم العام الماضي إلى ما يقترب من الثلث، وهي نسبة أكبر مما كان عليه الحال عشية الربيع العربي.
سيناريو الثورة ضد مبارك يتكرر
وأشار "روزنبرغ" إلى أن هذا السيناريو يبدو مشابهًا لذلك الذي تم تنفيذه في السنوات السابقة لعام 2011 (في عهد حسني مبارك)، عندما تحسَّنت أرقام الاقتصاد بأقوى مما هي عليه الآن بفضل مجموعة من إصلاحات السوق الحرة، لكن فوائدها لم تصل إلى معظم المصريين.
وأضاف أن انخفاض قيمة الجنيه المصري بعد تحرير سعر صرفه كان من المفترض أن يسهم في قفزة بالصادرات، بما يخلق فرص عمل ويساعد في سداد الدين العام الناتج عن الاقتراض من صندوق النقد والأسواق الدولية، لكن ذلك لم يحدث، إذ ارتفعت صادرات الطاقة فقط، بفضل اكتشاف احتياطيات جديدة، بينما ظلت الصادرات من خارج هذا القطاع راكدة.
وعلق المحلل الصهيوني على هذه النتيجة بقوله: "يبدو أن المشكلات الاقتصادية في مصر أكثر جوهرية من تنظيم بيتها المالي"، مشيرًا، في هذا الصدد، إلى انتشار الفساد نتيجة بقاء الاقتصاد المصري خاضعا للتوجيه من قبل ما سماها بـ"إمبراطورية الأعمال التابعة للجيش"، التي نمت بحجم أكبر من أي وقت مضى، ولا يمكن المساس بها؛ ما أدى إلى ضعف فرص ظهور رواد الأعمال في مصر.
واختتم "روزنبرغ" تحليله بتساؤل ينطوي على دلالة بقوله: "إذا لم تتمكن من بدء شركة، فلماذا لا تبدأ ثورة؟"، أي إذا لم يوفر الانقلاب الرخاء والوفرة الاقتصادية للشعب فما الذي يضمن ألا يثوروا ضده؟
يظن نظامه مستقرًّا وصبر الشعب ينفد
النصائح الصهيونية التالية جاءت بعنوان "شعب بائس.. تزايد الفقر في مصر"، كتبه موقع "ذا ماركر" الاقتصادي العبري شدد فيه على نصح السيسي أن دعوته المصريين والفقراء، خصوصًا للتحلي بالصبر لا يمكنه إصلاح فشل نظامه كما حدث للأنظمة السابقة بينما صبر الجماهير ينفد.
وتابع: "لسنوات عديدة لم تتلق مصر الكثير من الثناء على إدارة اقتصادها، وصحيح أن البيانات الأخيرة لصندوق النقد الدولي تتحدث عن تحسن في هذا الاقتصاد، وانخفاض معدل التضخم والحد من البطالة، إلا أنه وكما هو الحال مع بيانات صندوق النقد، لا بد من قراءة شاملة لها كي تكشف الجوانب المضيئة والمظلمة بها".
التقرير ركز أيضًا على كشف الإحصاءات الرسمية أنه يعيش 32٪ من مواطني مصر البالغ عددهم 99 مليون نسمة على خط الفقر، و6.2٪ يعيشون فيما يعرف بمستوى الفقر المدقع، وقد تضاعف عدد الذين يعانون من الفقر منذ عام 2000، وارتفعت النسبة 5% منذ 2015.
ولفت إلى أن "تزايد معدلات الفقر لا يأتي فقط من ارتفاع الأسعار والتي جاءت بسبب إصلاحات السيسي المزعومة، ولكن بسبب مكانة الجنيه المصري بالنسبة للدولار؛ الأمر الذي ضاعف من قيمة الأخير، فهذا أدى إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطن بشكل حاد؛ حيث إن راتب المصري، وأيًّا كانت الزيادة الحكومية، لا يمكنه الصمود أمام التضخم.
وأشار إلى أن "هذا الأمر أثر بشكل سلبي على الطبقة الوسطى المصرية التي انحدر قطاع كبير من شرائحها إلى خط الفقر، في وقت لا يمكن فيه للمواطن المصري أن يعرف شيئًا عن وضعه الاقتصادي من خلال وسائل الإعلام الحكومية، التي تخضع لتدقيق ورقابة أمنية صارمة، ومع ذلك، لا يحتاج المواطن لهذه الوسائل كي يتعرف على وضعه الاقتصادي؛ فهو يعرفه جيدًا حينما يصطف في طوابير المخابز الحكومية أو أماكن تعبئة الوقود".
83% من الضرائب تذهب للديون
وتقول مجلة "ذي ماركر" الصهيونية إنه "رغم ارتفاع إيرادات الضرائب الحكومية، فإن مصر تدفع 83% من تلك الإيرادات لتغطية الديون الوطنية ومدفوعات الفوائد.
وهذه الفجوة الضخمة تتطلب من السيسي زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية التي تهدف إلى الإنتاج من أجل التصدير؛ إذ إن بيانات البنك المركزي في عام 2017 و2018 تؤكد وصول الاستثمار الأجنبي إلى 7.7 مليار دولار فقط، أي حوالي 200 مليون دولار أقل من الأعوام السابقة.
الإشكالية في بيزنس الجيش
ومثلما حذر المحلل الصهيوني روزنبرج في هآرتس من أن "إمبراطورية الأعمال التابعة للجيش" تنشر الفساد في ارجاء الاقتصاد، وتزيد من تدهور الاقتصاد، حذرت مجلة "ذي ماركر" من أن "الإشكالية التي تقف عائقا أمام تحسن الأوضاع في مصر هي سيطرة جنرالات الجيش على العديد من المشاريع".
وتشير إلى أن هذه السيطرة لا تسمح للشركات الخاصة بالتنافس بشكل عادل على حصص سوق الصناعة أو البناء، ورغم أن الخصخصة عنصر رئيسي في برنامج الإصلاح الاقتصادي، فإن المؤسسة العسكرية غير مستعدة للتخلي عن شركاتها الخاصة، كما أن الخصخصة تؤدي إلى زيادة العاطلين عن العمل".
وختم الموقع العبري بنصيحة قائد الانقلاب: "أنت تدعو المصريين للتحلي بالصبر، بينما صبر الشعب ينفد.. أنت تعتبر نظامك مستقرًّا، في ظل قبضتك المسيطرة على البرلمان ومؤازرة الجيش والشرطة لك، والدعم الأمريكي والسعودي، علاوة على إيرادات الغاز بالبحر المتوسط؛ لكن هذا النوع من الاستقرار الهش رافق فترة حكم مبارك، قبل أن تغمر ثورة الربيع العربي الجارة الجنوبية وتطيح بالنظام القديم فانتبه"!